قصص ظافر الجبيري
رصاص حي
ليس هناك أجمل من أن تسند ظَهراً أضناه البردُ إلى قلب امرأة قُدّت من دفء.
ها قد دعا القلبُ وهرول العمرُ وسار الماضي محملاً بذكراه نحو الدار الهاجعة في طرف القرية، باندفاع، واصلَ قهرَ الحُلكة البيضاء وسطوة الشتاء. كما يفعل الحبُّ بقلبين، ساوى الضبابُ الأبيض بين الليل والنهار! يتلمّسُ العاشقُ طريقه، ينهمر خطوُهُ بخفّة قطراتٍ ندية، بقلبٍ صاعدٍ إلى أطراف الأصابع يطرق بحذر، تفتح البابَ يدٌ لا تعرف مواعيد القلب.
قلبٌ راعشٌ يضرب بجناحيه، وابل من رصاصٍ حي ّ يدوّي في الأنحاء.. ريش متطاير وقدمان تلونتا بالنجاة وقلب مرهون للفزع.. مشهدٌ نصفُه جافلٌ تحت ساقين هاربتين، ونصفُهُ الآخرُ رابضٌ وراء الباب، مشهدٌ أطلق حالة ضبابية، لم تفارقه في الركض عن صورة النجاة وراء الأبواب.
النماص 2011م
رقابة
باحثاً عن ألق العزلة، أغلقَ الباب. ما في القلب احتواه القلب، وما تحت اليد أحاطتْه الكفّان، وما تمورُ به الروح غائرٌ وراء الحجب، أشياؤه الأثيرة في مأمن..، ما وراء الباب كان يسبحُ في حرز لا تصله العوادي ولا تزوره الطوارق!
ظن تلك الظنون، فاستوثق من خلوته، واحتشدت لحظتُه، وراحت يدُه تُبدع السطرَ تلوَ السطر، تلألأت الحروف بهاءً، وعزفت الروحُ لحن لقاءٍ متجدد، انتضى حدّ ُالقلمِ الرهيف أديمَ البياض، وتسارعتْ الأسطرٌ فيضاً من حب مخبوء.
كان قريباً من السطر الأخير.. فُتح الباب فجأة.. توقف النشيد، وقفزت السطورُ تباعاً إلى حُضنه، تسارعتْ خائفةً كعرض تقديمي مغادرةً الورقة، احتضنتْه زرقتُها بفزع، رَبَتَ على ضفائر الكلمات.. وهدّأ من روعِ حروف العلة.. سقط القلمُ من يده، وارتفعت عيناه نحو الباب ليجده مفتوحاً، تملؤه حاءُ الحبْل وسينُ السيف.. مع بقية الأدوات محشوّة في بسطال جاهز للعمل.
النماص 2009م
سوياً
لم يعد السقفُ واحداً، ولا القلبُ ينبضُ مع القلب.. كنا نتجوّل في الدار كلّ حسب احتياجاته اليومية، نحيط بعضنا البعض علماً بمرورنا عبر الأبواب وبين الغرف.. نخرج، تحملُنا السيارة سوياً.. بجواري صمتٌ يغذّيه الصمت.. ساهمٌ في الطريق، تردّني استدارةُ المقود إلى نقطة العودة، وكأننا لم نبارحْها. فقط، ألمحُ الكفين المحايدتين، أو أسترقُ النظرَ إلى مهبط شفتيّ: الأنامل المتوترة.
نعود إلى المأوى، ندخل سويّاً، أو أتأخر قليلاً لكيلا تصطدمَ الروحُ بالروح، أدخلُ متباطئاً لتمرّ هي على بعض الحوائج الجافة في الأرجاء!
في السرير، نتفنّن بنجاح ألا نتلامس.. في الصباح نتبادل النظرات الجائعة، ونخرج سوياً.
النماص 11-2008م
قصص عبدالجليل الحافظ
جنازة
قذف ما في جوفه. يرجع مترنحًا ليجلس بين أصحابه. يشاهدون جنازة مايكل جاكسون.. سألهم: هل تأكد إسلامه كي نترحم عليه ؟!!
ستر
كان يسير وراءهن صارخًا: الستر الستر يا إماء الله الستر الستر
التفت إليه إحداهن قائلة:
What do you want?
فأعرض وجهه هاربًا....
انتظار
ظل جالسا ينتظر مكالمتها لساعات
قصص عبدالله النصر
صرخة الأمس
ما كادتْ تصل أصابع ابن السابعة إلى وسطه خلسة، وهو ماثلٌ قبالة جدته، إلا وصرخت فيه: (عيب، يا قليل الأدب).. طأطأ رأسه، وقال بنشيج: أردتُ حك فخذي.
19-3-1433هـ
قمة التخيُّل
تخيلَ كثيراً، بأن الصخرة المتعلقة ما بين قمة جبلين ستهوي بصديقه الذي اعتلاها.. ستسقط فوق رأسه وتهشمه.. ستفرم جسده.. ستطحن عظامه.. سيطير مخه في الأنحاء كلها.. سيلون دمه التراب.. وووو.... فنصحه وخوَّفه وعنّفه، ولم يبتعد عنها.. بل غدا يقفز فوقها مرات ومرات، إلى أن غادرها منتشياً.. أراد هو تذوق لذة النجاح مثل صديقه.. لكنها سريعاً فعلت به ما تخيله!!.
20-3-1433هـ
عدل
ثلاثمائة سنين وازدادوا آلافاً.. تعبيراً عن كل مقت.. لا خائفاً ولا وجلاً.. بقي وجهه ملتصقاً بوجوه ذي البناطيل والبذل والكرفتات.. يُسهمهم بلاذع النقد.. يُلبسهم بقاذع الشتم.. يُفند أفكارهم.. يُركس آراءهم.. كتابة، مشافهة.. فما لقي لهم وجهاً متكهرباً.. وحتى بعد أن رماهم بحذائه المهترئ تنفيساً لروحه ولأرواح إخوانه المخنوقة.. تبسموا، وقاضوه فقط بقدر ما أحدثه الحذاء من ألم!.
21-3-1433هـ
تشاؤم
دهشة المظهر.. تألق الأفعال.. توافق الأفكار.. رقي الإحساس.. سمو الحب.. خفة السعي إلى بعضيهما.. توافق فحص الصحة والسلامة لما قبل الزواج.. وعقد قرانهما باقتناع تام (لا يزلزله الحديد) كما صرّحا للناس... هو من جمع بينهما.
وحين قعدا إلى جانبي بعضيهما.. يعمقان ودهما.. دهشتهما.. مستقبلهما.. عَنَّ عليها سؤال: (حبيبي.. ما رقمك المفضل؟.. فدتك نفسي).
أجاب بفؤاد أريحي: ثلاثة عشر.
وفجأة نهضت فاسخة ماسحة يدها منه.. صارخة فيه: أريد الانفصال!.
15-3-1433هـ
قصص عبد العزيز الصقعبي
ممحاة
يمسكون بجسدي ويضغطون على رأسي، لأمحو كلاماً كتب بقلم رصاص، احتقرت نفسي كثيراً وبدأت أتلاشى حتى اختفيت..
رِجل خشبية
منذ ذلك الحادث الأليم.. وأنا أُعاني من الوحدة.. لا أقدر على التحرك.. قيل لي: قريباً سيأتي الفرج..
بدأ الرجل يمشي على قدمين.. إحداهما صبت من الخشب.. القدم السليمة لم تستطع أن تتحاور مع الأخرى.. تحاملت على نفسها.. وتحملت عبء ذلك الرجل.
ورقة بيضاء
بفخر وزهو أتصدر هذه الأوراق.. أنا في القمة.. أنا الأولى..
لوني أبيض.. أستحق أن أتزين بوردة.. مزهرية.. وجه جميل لامرأة.. وأعلق في صدر جدار.. يشرف على مكان جميل..
لم تنته الورقة من حديثها.. أخذها طفل.. وصنع منها طائرة ورقية.. قذفها مع النافذة وسقطت في مستنقع.
نظرة
أعجبتني عينيه.. كانتا تنظران إلى الأعلى.. اتجهت إليه.. مددت يدي لأصافحه.. لم ينتبه.. لم يمد يده.. لم يتطلع إلي.. غضبت..
ابتعدت قليلاً.. بينما هو يغادر مكانه متحسساً بعصاه البيضاء الطريق..
قصص علي فايع الألمعي
يمشي وحيداً
قابل ظلّه يمشي وحيداً، أراد أن يمسك به، همّ بالتحايل عليه، كي يعيده إلى أصله وقبل أن يُكمل رغبته تلك كان أصله ينزلق من بين يديه!
مقابلة
قبل أن ينام - وعلى غير عادته - أعدّ نفسه استعداداً للمقابلة. أسقط من بين يديه آخر كتاب كان يقرأ فيه، جهز ملابسه، أخرج من حقيبته كلّ مستلزمات يومه السّاخن، أكّد على كلّ المجاورين له بأهميّة إيقاظه مبكراً.. وقبل أن تبزغ شمس يومه الجديد كان المحيطون به يتداعون لدفنه!
حَسَد
سفحت من عينيها الرقيقتين الدموع قبل أن تهمّ بارتداء ملابسها الجديدة، كانت تقول: إنّ أختها الصغرى أجمل منها، وإنّ جسدها مكتنز وأنيق، لكنها نسيت أن تذكر أنّ معها زوجاً رقيقاً، ومالاً كثيراً!
سعادة
أراد أن يكون أسعد النّاس، كانت خطواته الأولى باتجاه السعادة أن يحبّ، ارتمى في أحضان أوّل امرأة تعبر أمامه، أغرته بابتسامتها الساحرة حدّ الفتنة، حاورها، ناجاها، واختلى بها، وقبل أن يُحكم عليه الملل كان قد غرق في لجّتها!
إنّه يهذي
لا يحبّ السكون، يعشق الصخب والضوضاء.. اخترق سكون النّاس من حوله، فألقى حجراً صغيراً في مياههم الراكدة.. ثاروا عليه، فرمى حجراً أكبر في مياههم، لتزيد ثورتهم عليه، وحين أراد أن يكون النّاس أمامه أكثر عرياً رمى بأجسادهم، لتزداد ثورتهم أكثر... وحين عجزوا عن صدّه، اتهموه بالهذيان!
مُنَاصرة
ناصرَ كلَّ الأقوياء، وحاربَ كلَّ الضعفاء، وقبل أن يموت حاربه الأقوياء، وانتصر له الضعفاء!
أمن
اختفت سيارته بعد لحظات من إيقافه لها، ونزوله منها، اتّجه مسرعاً إلى أقرب مركز للشرطة، وقبل أن تطأ قدماه عتبة باب المركز كانت سيارته تتهادى أمامه، يقودها شاب وإلى جواره امرأة وطفل!
قصص عمرو العامري
برنت
كان يطرح تساؤلا بريئاً لا أكثر.. لماذا يُفطم مع أنه ما زال هناك فائضٌ من الحليب..؟
قيل له عليك أن تتعلم تنويع مصادر الدخل... فسعر خام برنت يواصل الانخفاض.
علاج
بما أن له أفكاراً ملتوية فقد أُدخل السجن.. لتنمو له أفكار مستقيمة كالقضبان.. ولم يزل.
استقالة
سألنا أباه عن أسباب موته... قال إنها فقط استقالة مبكرة... كان لدينا أسئلة أخرى خشينا أن نطرحها عليه فنموت.
شقاوة
سأل الطفل أمه لماذا تلبس العباءة خارج البيت... قالت له: إن الحلوى يجب أن تغلّف بورق القصدير... لم يفهم... لكنه تمنى أن تكون له قطعة حلوى بحجم أمه.
معرفة
سعدَ أبي كثيراً وهو يرى خربشاتي على الورق... كان يضحك وهو يرى حرف الواو أشبه بذيل القط... وحرف الحاء أقرب الى عجلة تكاد تمضي... وباقي الحروف كقطيع صغير يمضي في شغب، بعد حين أطلعته على خربشاتي وقد غدت أجمل كما أعتقد، لكنه ولفرط دهشتي (حوقلَ) ثم كسر القلم ومزق الأوراق.
عيد
كلنا كنا بانتظار العيد، وحتى البيوت والساحات ووجوه الأطفال، تأخر قليلاً لكنه وصل، كان يصافحنا واحداً واحداً وهو يقول: لا أراكم الله مكروها... ثم مضى..
الأطفال وحدهم كانوا مندهشين، أما نحن فكنا نشعر بأن أصعب ما نخافه قد انتهى.
قصص فارس الهمزاني
انبعاثات الابتعاث
استلاب
من المستحيل أن يفوّت أي لقاء أخضر مع المبتعثين.. يعدُ له قليلاً، ويبتسم أقل.. ما أن يظهر للوجود، حتى يتغامزون بسخرية مكررين همسات وعبارات رددوها كثيراً.. يقف بينهم، ثم يقول: لا تغركم مظاهر هذا المجتمع الزائف.. الدولة فاجرة، والمجتمع فاسق لأنهم كفار!
إحباط
تأقلم مع الجامعة كثيراً.. أبدع في تخصصه، وتألق في بحثه بوجود الدعم الأخضر.. عندما تم تكريمه وترشيحه لحصوله على بعثة الدكتوراه من الجامعة ذاتها.. رفض العرض عندما تذكّر أن ليس لديه واسطة في الوطن!
إذلال
عُلقت صورتها في القسم، كأفضل طبيبة لذلك العام.. المرضى قبل الأطباء يتمنون أن تكون الطبيبة المعالجة.. تلتزم بالحجاب الأخضر الذي يعتري رأسها، وسط احترام الجميع.. منحوها كل شيء حتى الجنسية؛ لكنها رفضت حباً لبلادها.. عادت للوطن وما أن استقبلها موظف الجوازات حتى قال لها: وين محرمك يا حرمة!
انفجار
يبتسم الجميع في ذلك الحفل.. المشاعر والأحاسيس في الغربة كانت ملطخة باللون الأخضر الصافي.. لحظات يدخل على الجلوس وهو مزمجر بأنفاسه، وممسك بطرف لحيته.. يصمتون ثم يقول: من اللي سمح لكم بوضع الموسيقى في حفل اليوم الوطني!
انكسار
يفتخر أنه تخرَّج بمعدل عالٍ لم يستطع أن يحصل عليه حتى أبناء بلاد الغربة.. كان في قاعة المحاضرة طالب (عربي) بليد وصائع، لا ينجح إلا بمساعدة هذا الأخضر العصامي.. عاد للوطن وهو كله شموخ وطموح.. عندما باشر العمل، اكتشف أن البليد رئيسه!
انبهار
وصلت للعالم الآخر وهي تنتشي رائحة العلم والثقافة الأخرى.. تستمتع في يومياتها بين الجامعة، ومعامل الكيمياء والتسوق.. انبهرت من العالم الغربي الذي يُقدس الإنسان بذاته، لا لشكله أو جنسيته أو دينه؛ وإنما لعلمه وعمله.. حصلت على الماجستير بتفوق وفي حفل تخرُّجها ارتدت الشال الأخضر، وصدمت أن اسمها كان في آخر القائمة، لأنها أنثى!
مجانين حارتنا
مجنون (1)
يخرج مع أذان كل صلاة إلى الأرض الفناء التي تبعد عدة أمتار عن حارتنا من الجهة الشمالية، ورغم ذلك فإنه يُصر على الذهاب بالسيارة لشيء في نفسه.. في العقد الخامس من عمره.. الشيب غزا كل شعرة سوداء، وتجاعيد الزمن استقرت في ملامحه.. يتأبّط السجادة، وقبل أن يفرشها يتلفتُ يمنة ويسرة حتى لا يكون أحد يراقبه، ثم يُكبّر للصلاة.. أتذكّر أن شخصاً شاهده وتوقف بسيارته حرصاً على أداء الصلاة مع الجماعة إلا أنه قطع صلاته قائلاً:
- مالك صلاة معي.. الخلا!!
لا أحد يعرف في الحارة سر الصلاة الانفرادية في الشعيب الشمالي حتى أولاده الذين احتاروا في الإجابة، فتارة والدي مريض نفسي، ومرة والدي سجين سياسي سابق، وتارة والدي مسحور.. اعتاد أبناء الحارة وضعه بل ولقبوه «المدّعي» كون التفسير الوحيد لحالته أنه يجيد الدعوة بانفراد وفي مكان صحراوي أفضل وأسرع!!
مجنون (2)
في حارتنا بقالة صغيرة جداً، ولكنها تسيطر على حركة السوق المحلي في الحارة.. صاحبها آسيوي ذو لحية طويلة.. هذا الشخص لديه أسرار الحارة والبيوت بكل تفاصيلها.. فهو يعلم أن بنت درزي قد خُطبت، ويعلم أيضاً أن زوجة حسين حامل بل وفي شهرها الخامس، كما يعرف مشاكل البيوت بتفاصيلها الدقيقة، ولدرجة غوصه في تفاصيل أُسر الحارة فقد كان يعرف جيداً الفتيات صاحبات الغرام والهوى.. لديه دفتر يسجل فيه المشتريات اللائي لا يسددن في الحال، وكان دائماً ما يخرج صوته العالي بسبب عدم الدفع.. لم يتزوج ولم يسافر إلى بلده طوال إقامته التي تجاوزت ربع قرن.. لا أحد يعرف سره الغامض، ولكن عندما أنجبت أم دهيسان وهي أرملة في حارتنا مات زوجها بمرض خبيث، طفلاً ذا ملامح آسيوية.. عرفنا سبب شنق نفسه في الرف العلوي من المحل!
قصص فاضل عمران
سيد البحار
ضخم.. فتاك.. ودموي..
ما إن تلمح الكائنات الصغيرة ظله تموت.. يعوم فاغراً كهفه المفترس دون هوادة، وكل من يرميه قدره في الطريق يختفي فوراً وإلى الأبد.
لا أحد يعلم سر الظلام الذي يبتلع سيئي الحظ، ولا كيف يقضون عالمهم المخيف، بَيْد أن آثارهم تطفو لاحقاً على جسد الفتاك الدموي، يتلبسهم بمزيج سريالي صارخ، يبتلع حجراً تائهاً فيخشن جسده ويتعرج كما لو أصبح كتلة حجر.. ثم يبتلع سمكة بائسة، فينمو فوق الجسد الحجري زعانف، وعندما يغور في الكهف المخيف طائرٌ عائم تنبت أجنحة بيضاء في الجسد الهائل، ويبدأ بعدها بالعويل..
قرون.. وأساطير الرعب تتناسل، الخوف كما هو، والبحر بعوالمه يئن، أما الفتاك الضخم الدموي ففقد كل شيء.
السجين
- ظلام.. كيف لكم أن تتحملوه طوال هذه الأيام.
السجين الجديد يتذمر دائماً، يطلب من الحارس خلف القضبان إشعال النور، فيثور عليه كل النزلاء، يا لمحبتهم للظلام، يدهسون بعضهم، ويتصادمون، ويتعثرون بكل شيء، ثم يرفضون إشعال النور!
سجن وظلام.. قام مصمماً على إقناع الحارس لإنهاء معاناته المضاعفة، لكنه تفاجأ باسمه يصدح من وراء القضبان، إنه موعد حفل التحقيق الأول..
لحسن حظه فقد نجا بجلده.. ولا شيء غير جلده، أعادوه كيوم ولدته أمه لينضم لرفاق الظلام يرفض إشعال النور.
دخيل
وجوم.. وتراتيل كئيبة.. وهمس بين الحضور..
- لقد توفيت شابة..
- كانت ساحرة..
- لم يكشف الفحص سبباً علمياً للوفاة..
خلت الجنازة من أي أحد سوى لفيف العائلة الصغيرة، ووجه واجم لا يعرفه أحد، ولم تتحرك ملامحه طوال الوقت.. لحظات وانتهى كل شيء..
في اليوم التالي كان الوجه الكئيب معفراً بطين القبر، مستلقياً عليه، وقد حكم على نفسه بالسبات الأبدي.
قصص فاطمة الرومي
العمامة
حين حملت لها أمها البشرى بأن ذلك المثقف الذي ما انفكت تتابع بشغف نتاج فكره المستنير (كما يحلو لها أن تصفه دائماً) جاء لطلب يدها ألجمتها المفاجأة فلاذت بحصون صمتها.
ذات مساء حين كانت تعيد ترتيب مكتبته وجدت في أحد الأدراج صندوقاً فيه عمامة قديمة لكنها فيما يبدو كانت لأحد علية القوم كانت رائعة خمّنت وهي تتأمّلها: لا بد أنها عمامة المتنبي، فهي تعرف مدى ولعه بكل ما يمت بصلة لذلك الشاعر العظيم.
في ذات المساء وحين عاد من إحدى ندواته الثقافية استقبلته باسمة وهي تضع تلك العمامة على رأسها، وخزتها نظرته قبل أن يصرخ بها: الأشياء الثمينة ليست للعبث ألا تعلمين أنها ميراثي من أبي جهل؟
ألجمتها الصدمة فلم تنبس بشيء..
20-5-1432هـ الساعة 11و29 دقيقة صباحاً
وأد
جاء لزيارتهم محملاً بكم من الهدايا لعب، حلوى، وأشياء أخرى.. وبعد أن اتفقا على التفاصيل قرر الطرف الثاني بسعادة ظاهرة أن يئدها في دفء ثرائه بعد أن قطع الطرف الأول وعداً بوأد فقرهم إلى الأبد.. أما الطرف الثالث فقد تشتت تفكيرها بين لعب جذابة وحلوى فاخرة لم ترها قط سوى على شاشات التلفاز..
الأربعاء 8-2-1432هـ الساعة12و49 دقيقة ظهراً
ناقصة دين
تحزن كثيراً وتساورها الشكوك في ذاتها حين ينعتها ب (ناقصة عقل ودين) تحاول أن تهوّن من وقْع ذلك على نفسها فتعزوه إلى شدة التزامه مما يجعله يرى فيها بعض النقص. لكنها دهشت حد الضحك حين علا صوت جارهم السكير ناعتاً زوجته التقية بذات النعت!!!!!!
السبت11-2-1432هـ الساعة12 و45 دقيقة ظهراً
قصص فراس عالم
سندريلا
ضربت له موعداً للقاء في حفلة رأس السنة، بعد أن أبدت إعجابها بذوقه ولطفه وحنانه. حضر مبكراً يترقب طلتها الخجولة، وملامحها الرقيقة ولهفتها.. ولكن انتظاره طال دون جدوى، وعندما خرج في منتصف الليل يائساً.. لمحها تغادر مع أحدهم في سيارة BMW فارهة. تذكّر حينها أنه حتى سندريلا لم تكن تواعد إلا الأمير... الأمير ولا أحد سواه!
دفتر
عادت باكية، ارتمت في صدره ترجوه أن يفتح معها صفحة جديدة. ربت على ظهرها، شرد ببصره نحو الأفق ولم يجرؤ على إخبارها أن دفتر القلب بلغ ورقته الأخيرة!
قُبلة
قبّلتني، مسحت على شعري وقالت: انتظرني، سوف أعود.....
مضت ثلاثون عاماً... وما زلت بانتظارها!
قصص فهد الخليوي
أحفاد
حلّقوا كالطيور الرشيقة فوق رأس «جدهم» هبطوا وقبّلوا جبينه ثم طاروا!!
شعرَ الجد بألم الوحدة، استجمع قواه وطار معهم!!
بحر وأنثى
كانت الشمس قد أوشكت على الغروب، بدت خيوطها الذهبية تمتزج بزرقة البحر وكأنها قناديل صغيرة تضيء من بعيد.
اقتربت المرأة نحو الشاطئ، حدقت عبر الفضاء الرحيب لم يكن بينها وبين البحر حجاب.
تركت أسمالها الرثة قرب الشاطئ المقفر، توغلت عميقاً نحو البحر وهوت كنجمة مضيئة.
مكابدة
على قمة جبل شاهق، استفاق الصقر من إغفاءة قصيرة.
نفض جناحيه الأسودين، رأى سحابة مكللة بالبروق تجري في السماء، هب لمطاردتها وعندما شعر بالهزيمة، أدرك أن هذه سحابة وليست طريدة.
تدفق قليل من غيث السحابة على قمة الجبل، أسدل الصقر جناحيه وعاد لغفوته من جديد.
ظلام
تعثرت بعباءتها وهي تعبر للجهة المقابلة.
كادت عربة مسرعة، تحيلها إلى أشلاء.
أزاحت الغلالة السوداء من عينيها..
أبصرت المصابيح المعلقة تتلألأ في أسقف المتاجر.
وضعت يدها على قلبها وهي تلعن الظلام.
لص
سأل السيد بعض أعوانه:
هل أحصيتم ثروات الأرض؟!
أجاب أحدهم:
كل شيء أحصيناه وحفظناه في خزائنك، لكن الجوع
تفاقم في البلاد سيدي.
قال:
خذوا القليل من الفتات وأطعموا كلابي.
قصص فهد المصبح
الجنّة
قالت الطفلة لأبيها: بابا حلمت البارحة بأني دخلت الجنة, ووجدت فيها كل شيء جميل, طيور وزهور وأناس ومياه وفراشات ومراجيح وعنب كثير وأشجار مثمرة, وأعطاني ربي شعرًا جميلًا, لكني حزينة لأنني لم أرك هناك.
قبس
تسللتُ حبواً إلى سرير طفلي, محاذرًا إيقاظه, وبيَّ شوقٌ لتقبيل خده الناعم, دنوتُ منه, فاصطدمتْ شفتاي بلحية جدي.
انقلاب
عرف كل شيء عن الحياة, فحار فيما يصنع, إن سار أماماً نعتوه بالتهور, وخلفاً بالتراجع, ويميناً بالتذبذب, وشمالاً بالتردد, فوقف مشوشاً ينظر إلى السماء ورأسه مدلاة إلى الأرض.
خلل
دوماً يبدأ يومه بشيء لا يعمل من الوهلة الأولى, حاول تلافي ذلك وعلاج الخلل, نجح بصعوبة. في ذلك اليوم خرج من داره مزهواً, وركب سيارته التي لم تعمل من أول مرة, تناول سيجارة لكن الولاعة لم تشتعل كذلك, أراد أن ينزل فعلق قفل الباب, حاول أن يصرخ فيمن حوله, لكن لسانه كان عاجزاً عن النطق. أحس أن شيئاً انطلق منه إلى مكان مجهول.
قصص ماجد الجارد
رؤيا
عندما يسدل الليل ستائره أنزع بحذر عيني من محجرها...
أحفظها في محلول دمعي مع بقية أعيني!.
ثم أبقى ساهراً بجوارها أحلم بأن أرى!
وفي ليلة شتائية مضاءة بالغيم, قررت أن لا أنزعها. فرأيت. عذاباتي..!
حدود
أشعث أغبر، تتدلى من يده المتعرقة صرة قماشية حائلة اللون تحوي أمتعته الحقيرة.
يقف متأمّلاً لوحة معدنية صدئة, ويتمدد أمامه طابور متعرج.
يقترب من مستطيل النافذة الزجاجية..
ليسأل موظف الحدود الضجر..
أين حدود الصبر؟
لوحة
أنامله الحالمة تحيط بفرشاة ألوان أنيقة..
يغمسها بلطف في حقاق الألوان..
فتزهو ذوائب فرشاته لامعة رقيقة..
تداعب لوحته البيضاء..
وقبل أن ينهي رسم خط الأفق, سأل جده العجوز:
أثمة حياة قبل الموت؟!.
قصص محمد البشير
لم تكن صورة
ما عاد (دواس) معتوهاً حين بصق على تلك الصورة. دخل وأُخرج محمولاً على الأكتاف؛ ليُلقى في جوف حفرة تحضن شاخصاً مكتوباً عليه (على المجنون حرج).
ق.ق.ج
أعياه تشذيب نصه في المساء.
استيقظ، وقرأ ما كتب. حك رأسه علّه يتذكّر ما أراد قوله.
شهرزاد
أغمضت عينها الليلة الأولى بعد الألف.
أيقظها منبه هاتفها المحمول.
بعثت رسالتها إلى شهريار: (لا حكاية بعد اليوم).. الأعمال بالخواتيم
لعنوا كل الحكام.
وفي ختام مهرجانهم أبرقوا بيان ولاء واحترام لمقام الوالي.
أرذل العمر
تفقد الجدران حاسة سمعها عندما تهرم.
الصراخ بالخارج وعوازل الصوت تحول دون ولوجها: (لن يدوم الخريف)
هذا ما قاله عمر لصديقه حسين عندما نادته زهرة في الرصيف.
ضيف الحوار
لعن الإمبريالية، فطرق بيده على الطاولة. انسكب العصير على بدلته المهداة من رالف لورين.
تو - واصل!
ما أكثر أصدقائه!
سأل عنه بعض الأصدقاء على مواقع التواصل قبل أيام. أما جيرانه فأضجرتهم رائحة نتنة تنبعث من داره منذ أسبوع ويزيد.
قصص
محمد المنصور الشقحاء
المدرج
بسبب الفراغ شعر بالاختناق.. فأخذ طفله وتوجه بسيارته إلى المدينة الرياضية، الأضواء تملأ المكان وصوت الرعد ومذيع يعلن نتائج المتسابقين.
جلس في آخر المدرج الجنوبي يراقب الناس والألعاب. أخذ الطفل يتنقل بين المقاعد الفارغة، والحاجز الحديدي الذي يحمي الملعب وفي الثامنة شعرَ الطفل بالتعب فصعد المدرج وجلس بجوار والده.
في العاشرة لاحظ أحد رجال الأمن الطفل ووالده. كان الطفل نائماً والرجل جثة هامدة.
الرابع
نجلس على حافة الطريق المؤدي إلى الثمامة، توقفت عربة وأطلّ قائدها، سلّم ثم قال اكمل، الرابع.
لم ينتظر ردنا، ترجل وجلس، أخرج من جيبه ورق اللعب.
التعب
وأنا انتظر عودتهم أنساني التعب بدر ابن الثالثة الذي اعتاد النوم في حضني. قبل حمله لغرفته، ركضت أبحث عنه في أرجاء المنزل الكبير ووجدته يرقد في فراشي تمددت بجواره.
انفجار
في العاشرة ليلاً والمركز التجاري يعج بالمرتادين، دخل يحمل علبة مياه غازيه وجلس على أحد المقاعد.
تبسم لطفل في الرابعة وقدم له علبة المياه، تابع الطفل حتى عاد لمجلسه بين نسوة حولهن أكياس المشتريات.
غادر مكانه وركب سيارة تنتظره أمام البوابة رقم واحد بعد تجاوز إشارة المرور المحاذية للسوق دوى انفجار.
قصص محمد علي علوان
عدد
تقابل الأربعة.. وزعت أوراق اللعب.. فجأة تغيرت ملامحهم.. صادف أن ورقة قد ضاعت.. فغرت الغرفة بابها ليقذفهم إلى ليل المدينة.
شتاء
حين يلتف بك الطريق صعوداً والشتاء يمنح الأشجار صمتاً مريباً.. سوف تجد طاولة.. وكرسياً.. وذكرى بائع فاكهة الصيف الذي ترك دكانه دون إغلاق.
امرأة
أجهشت بالبكاء دون أن يلمح وجهها.. طلبت منه أن يقفل سحّاب فستانها.. حاول مرتين.. في الثالثة أكمل مهمته لكنه لم يضمها ولم يقبل رقبتها.
درج
وسط مدينة الرياض وفي شارع الخزان.. هدم بيت طيني.. الجدران والنوافذ والأسوار والغرف ذهبت جميعاً.. الدرج الذي يبدأ من الطابق الأرضي إلى الثالث.. ظل متماسكاً إلا أنه يفضي المجهول.
باب
في طرف المدينة يقبع باب كبير وقديم من الخشب والذي منحته الصحراء لونها.. مجموعة من الأقفال الكبيرة توصده.. العربات تمرق مسرعة لم ينتبه أحد أن لا جدران يميناً أو يساراً.. فقط باب موصد
قصص محمد المزيني
نخلة
تمددت نخلة أثقلتها قنوانها.. اهتزت.. انحنت.. تألبت... لم تطعم أطفالها.. تراكضوا نحوها يختبئون بأوكارها.. ارتعشت.. صرخت طار حمام... فهربوا عراة.
صرخة
احتشد الكون في صرخة
ترطب حلقها بلزوجة ساخنة
اتسعت عيناها لبكاء محتمل
وشفتاها ترتجفان
أخذ الأفق يعشوشب
والأرض يقتلها اليباس
انفجرت بدوي
تدفقت أنهارها فأنبتت سنابل
وحقول قمح وسبع غيمات
بقشيش
عبر الحدود يحمل حقيبة الخطايا
ومن عينيه تقدح الجريمة
دفع تذكرة المرور مع «بقشيش» مجز
دسه في جيب الحارس فأطلق له عنان المرور
زخات حلم
استلقى على سريره المخملي
عينه ساهمة على أرائك الغرفة
ستائرها حريرية تراقص الهواء الناعم
نام عميقا
ابتل بزخات مطر
وكزه عامل النظافة
فهرب جزعاً
احتضار
لبث وحيداً
غاص الكون بين أحداقه كحجر صغير
وامتلأ فضاؤه بأجنحة حمام
استحال الأفق إلى خرقة بالية
وسعاله الجاف يتصاعد أبخرة
عطس عطسته الأخيرة، فالتهمه السواد
وبدا موشحاً بالبياض محمولاً........
ابتسم.
قصص محمد النجيمي
الياسمين
قطعت رؤوس أصابعي, زرعتها في راحتي وواظبت على سقيها بدمي. نمت عشرة أشواك تشبهني.
أزلتها وتخلصت من بذوري.
تركت يدي للصباح, عبرت غيمة قادمة من الشرق. بسطت لها كفي وسكبت مهجتها.
تحولت أصابعي إلى ياسمين وسال ماء الورد من بينها.
عن النساء
النساء في بلدي يأكلن النساء. دائماً أحلم بهن يشحذن أنيابهن.
اعترفت لأختي ذات يوم بذلك. لم تجاوبني حينها؛ لكنها ذكرتني بعد سنين بكلماتي وهي تعلم ابنتها الحجاب وتحذرها من الرجال.
كتابة أخيرة
كنا ثلاثة أصدقاء يقفون في حضرة الطبيب.
قال بوضوح تام: «ثلاثتكم ستموتون بعد ثمان وأربعين ساعة, أحدهم سمم شرابكم.»
صديقي الأول أقسم أنه لن يتوقف عن البحث عن ترياق مهما تطلب ذلك من جهد أو مال. صديقي الثاني وعدنا بأنه سيستمتع بكل لحظة باقية من حياته. أخبرنا أنه سيزور كل الأماكن التي بوسعه زيارتها في اليومين المتبقيين له, سيقابل كل النساء اللواتي سيقبلن المواعيد التي سيضربها لهن, ثم قال بابتسامة ذابلة بأنه سيستغل الست ساعات الأخيرة من حياته في التوبة.
أما أنا فقد غادرتهم بهدوء, جلست بسكينة إلى جوار مكتبي وشرعت في كتابة هذه القصة القصيرة.
هبوط
الجميلة المحلقة التي لا تحسن السير على الأرض, نمت لها قدمان بعد موعدنا الأخير.
قصص مسعدة اليامي
انتهاك
عاد إلى عُشه في المساء ليجده كومة من الرماد
جمع العديد من الأغصان المتناثرة تحت الشجرة الأم، سقطت عينه على ساق أحد صغاره حملها بمنقارهِ
حلق في الفضاء لتشهدها أعين, لا تبصر أبعد من قدميها.
الهوى
اختلت بمشاعرها بجوار جب قديم, وشجرة عارية من الورق
تساقط الذباب على جسدها
تحاملت على أوجاعها, اغتسلت بما تبقى من ماء البئر المجاور لبيتها
حل المساء مارست غوايتها داخل تلك الأطلال, شربت من كأس الذل إلى أن تورم جسدها، قذفها خارج أسوار حياته ساقتها قدماها إلى مكانها فلم تجد إلا شجرة عارية.
و(جب) عقيم فمال جسدها بجوارهما.
حمى
حضر الطبيب كشف عليه بحرص، عجز عن اكتشاف مرضه، فاض عجزه أمام تلك اللوحة الثلجية الماطرة الساخنة، قرر في قرارة نفسه أن يستخدم له الطب البديل، لم يجد ذلك نفعاً، سأله عن سبب تلك الحمى التي أكلت من جسده الكثير؟
رد عليه التنائي، فرد عليه: إنه داء ليس له دواء.
نبذ
نُبذت في العراء تحت جنح الظلام لأنها لفظت كلمة ضج لها قاع المحيط الميت
فنمت الحياة بعيدة عن جذورها الميتة!!
أسقط قلبه في ماء مالح تحلل من الخير لكن الشر ظل في مكانه
ضربها ألبسها (خيشة) البؤس
أوقفها وسط مزرعتهُ لتهش الطير وترهبهُ بجناحيها المنكسرين
فلا يقترب من ثماره الدانية أحد
طفح المرض تكدست الأموال في خزائنه ولم يقنع إلى أن اتخذت زاوية
مظلمة تتذمر بها أثناء غيابه من ظلمة وجشعه
غيّبه المرض بينما هي غيّبت صوت أنوثتها تحت وطأة جبروت رجل آخر
قصص مشعل حظيظ المطيري (العبدلي)
غابة
فيما كنّ منشغلات في معركة إثبات وجودهن، انتهوا من اقتسامهن.
جوع
قايضوني بلساني، وأنا أريد أن آكل.
رقم 1
تكلّم فأسكتوه. كتب فسحبوا قلمه، ومنحوه إجازة مدفوعة.. ولما عاد وتجاوز الحدود، لم يجدوا بُداً من أن ينفوه من الوطن.. وقبل أن يقطعوا لسانه، أو يبتروا يمناه، سبقهم برسالة للآلاف عبر الشبكة: للاشتراك، أرسل رقم1
عين ثالثة
تحوّلت الهبة الربانية إلى ابتلاء ماحق؛ فلهذا الطفل عين ثالثة في سرّته، مقلوبة إلى الداخل، تتمتع برؤية ما يجري في غيابة الأحشاء من جريان شلال الماء الرقراق، والحليب الصافي في المريء، وهبوطه إلى الأمعاء، وتحوله إلى زلال أصفر يجول في مثانته، وشخبه وهو ينطلق ليراه مداعباً خد الأرض.. ولما كبر وتعلَّم الكلام والالتهام، أصبح المنظر مقززاً، يلاحقه برؤاه المهيجة، جالساً ومستلقياً أو ماشياً. إفرازات كيميائية، أخلاط كريهة، وعصارات هدارة تحوّل اللقم الصلبة إلى خماج لزج. كان يستفرغ دائماً، حتى كاد يقيء روحه مرة.. ولما لم يجد بُداً من إنقاذ نفسه، تحاملَ عليها واخترق سرّته بسكين، وفقأ بها عينه الباطنية.. وما أن تلاشت غمامة الألم، وفتح عينيه حتى عانق العمى السعيد
الشيخ
يصيح فينا الشيخ قاطعوا الأمريكان, فنعزم ألا نشرب (كوكا كولا) بعد اليوم, يلعن أمريكا, يدعو عليها, ونحن نؤمن, وبعد أن تنتهي الصلاة, نسير إلى البيوت سيراً على الأقدام, ويغادر الشيخ مسرعاً بالكاديلاك.
المؤشر
يرتفع المؤشر, وترتفع الرقاب, يجزّ سهم غادر كل الرقاب المرتفعة, وتتطاير, تصمت القاعة, تتدلى الرقاب, وتشكّل دائرة, وترقص بهبل: «طاح السوق.. طاح السوق».