عادة في لحظات في تاريخ الشعوب والأمم تبدو المشاكل في بعض الأحايين أكبر من حقيقتها وأضخم من واقعها، وأحياناً أخرى أقل من حجمها الحقيقي وتأثيرها. والتغيير تمر به لحظات قاسية وصعبة، بل قد تكون متوحشة لدرجة كبيرة، مثل فعل الانقلابات الثورية، أو خروج الشعوب للشارع؛ فإن ذلك يرافقه انسداد شديد لمسالك وطرق وأساليب الحوار، وتضيق السبل بأصحاب القرار. وربما في بعض الأوقات تغلق معظم أبواب النجاة من تلك التحولات وأزماتها المفاجئة، والمجنونة في كثير من حالاتها. فمن يحمل العبء هو القادر المتمرس على إخراج الأزمة من عنق الزجاجة، التي قد تكون محشورة لوقت طويل تنتظر اللحظة للخروج والانفجار، بعدما صبرت كثير على كل الضغوطات المختلفة. وتحديد الأولويات في معالجة أية أزمة هي الكفيلة بتحقيق المخارج الصحيحة. تكون تلك المخارج متسلحة بجدار سميك ومتماسك يصعب هدمه من الخارجين على الأزمة؛ حتى لا يحلق العطب والهدم، والتدمير والتكسير بمكتسبات ومقدرات الوطن.
ومن الضرورة أن لا يستعجل أصحاب القرار وعبر إدارتهم للأزمة وأن لا يتسارعوا في قطف الثمار؛ فلا بد من الانتظار قليلاً؛ لأن لكل أزمة تبعات وتوابع؛ فقد تفجر تلك التوابع أزمة جديدة ما لم تولد أزمة من أزمة؛ فهذا الأمر يبعث الخوف في النفوس، ويفقدها طمأنينتها.
والانطباع الذي يخرج منه المرء بعد الأزمة أن هناك شعوراً عميقاً لديه أن الأزمة لم تحل بعد. وهذا التفكير صحيح؛ لأنه يرفع من مستوى ثقل المسؤولية التي وجد نفسه يواجهها، والتي أُلقيت على عاتقه دون أن يسعى إليها.
وفي لحظات ومرحلة التغيير ترافقه أزمات، من أخطرها.. [الانفلات الإعلامي].. وهذا الخطر لم يكن موجوداً بقوة في القرون الماضية. مثل حالنا اليوم فإن الإعلام هو أخطر أدوات إشعال نيران الأزمات أثناء التغيير؛ فتظهر علينا مختلف.. [المبالغات الإعلامية].. المثيرة والمقلقة والمزعجة، التي تقلب كل القواعد والموازين والشروط والمعايير المهنية؛ فتقلب من حالة التأييد المطلق إلى الهجوم الأعمى والحاقد والبغيض، بل يصبح الإعلام.. [إعلاماً تعبوياً].. و.. [إعلاماً تحريضياً].. وهذا برز بشكل لافت للنظر في ثورة شباب 25 يناير بمصر؛ فاختلط الحابل بالنابل، وأصبح الخط المستقيم متعرجاً ملتوياً. عندها يمر الوطن ويحيط به أزمة عصيبة وشديدة القتامة. يفعل الإعلام تلك الأعمال الإثارية الخبيثة دون النظر إلى ما يحيط بالوطن والأمة من أخطار. لقد فعلها نجوم الإعلام الشرس والحاقد الذي يبحث عن الجنازات ليأخذ دور.. ((المعددة)).. دون وعي لخطورة ما يفعلون من إثم وجناية على الوطن.
وعادة - في نظري - أن بعض الأزمات في أمسّ الحاجة إلى القبضة القوية الحازمة والمستبدة الطاغية؛ حتى تستقر الأمور، وتعود إلى نصابها ووضعها الطبيعي.
كما أن.. (التغيير).. يواجَه بتجار، وأولئك التجار لهم أجندات شخصية، تكون على حساب استقرار الوطن؛ فبعضهم يتجه إلى خلق أزمة الاعتصامات والاحتجاجات الفئوية هنا وهناك بهدف صرف النظر عن أساسات ومطالب ومكونات التغيير. وأولئك - وأعنى تجار التغيير - يتجهون إلى تسرب العدوى في المطالب إلى أكثر من شريحة في المجتمع؛ حتى يسود القلق والاضطراب؛ فيقع الانفلات الأمني، وتتغذى وسائل الإعلام على كل ذلك؛ لأن تجار الأزمات والتغيير يتجهون لجعل القوى الشعبية مطية للمتسترين بشعارات زائقة؛ فلذلك نجد أن تجار الأزمات يفصلون المطالب والاحتجاجات على قدر أهدافهم ومقاسات مصالحهم، وينقلون كل تصعيد إلى الشارع بهدف تعطيل مصالح الدولة والشعب؛ فينقم الشعب على التغيير. وقد يقع.. [فراغ سياسي].. نتيجة حركات التصعيد المختلفة، الذي ينفذ عبر أساليب ملتوية للتعبير عن أطماعهم.
وفي مرحلة.. [التغيير].. تظهر عمليات غريبة، تلفت النظر بشكل كبير، مثل الاتجاه إلى تحريك مستنقع.. [البنية التحضيرية].. حيث تقوم وسائل الإعلام من صحافة وتلفزة وإذاعة إلى نبش معاني ومفردات التحضير لعملية التغيير والقائمين عليها؛ فتظهر التهم الباطلة، وتعلو الكلمات البذيئة، وتنتشر الجُمل الهجومية.
تظهر العقلية القديمة التي لا تستطيع استيعاب المتغيرات فتتصرف على أساس موروثها السياسي والفكري والثقافي، وتتحدث بخطاب عفا عليه الزمن، ولم يعد مقبولاً لدى الشارع، بل إن الشارع يستخف به.
إن التغيير يفرض أسلوباً جديداً ومغايراً لما كان قبله؛ فهو قادر بمقدرة جيدة على كسر الكثير من الحواجز النفسية، وبخاصة الخوف والإحباط، ولكن يتصدى.. [عواجيز].. الدين والثقافة والسياسية والفكر لذلك التغيير خوفاً على مكانتهم وأهميتهم ودورهم في الحياة العامة، وقد يقوم بعضهم بأساليب مقاومة مكشوفة ومعلنة، مثل إلصاق تهم كبيرة بالأسماء التي قامت بعملية التغيير، مثل: الكفر والعلمانية والخيانة العظمى، والخروج على القيم والثوابت والأخلاق، في محاولات منهم يائسة بائسة لإسكات وإرهاب وتخويف الشعب، هكذا تعودنا من أعداء التغيير.
إن التغيير يرفض وبشدة الأفكار المتخشبة، ويهمل تماماً الهيمنة من فئة ليس لها من التغيير غير حب شهوة السيطرة والتحكم في الأمور؛ لأن الأفكار المتخشبة تكون متهالكة، ولا تلبي الحد الأدنى من متطلبات وأهداف التغيير، وهي غير قادرة على فهم واستيعاب التحولات الداخلية والخارجية؛ لأنها أفكار ذات انفصام ثقافي، ينعكس سلباً على علاقات المجتمع والمتغيرات.
والإصرار والإبقاء على التغيير يعطيه زخماً قوياً في فرض واقعه وأهدافه؛ فيقبل به المخاصمون له طوعاً أو كرهاً.
وينبغي المحافظة الجادة على.. [أهداف وفلسفة التغيير].. حتى لا يصبح شعاراً فارغاً من محتواه، وإلا فسيعطي الفرصة لأعدائه.. للمزايدة.. والمراهنة على نجاحه وتنفيذه.
إن محاربة.. [التغيير].. ليس إلا وهماً يعشعش في أذهان أعداء التطور والرقي والارتقاء والترقي والتحضر.
إن.. [التغيير].. و.. (([كنز استراتيجي])).. لا يفني، ولا يخيفه التظاهر والاعتصامات، فعين الريبة والخوف تطل على أعدائه، لعدم الإفساح لخروجه بصورته الحضارية وإنجاز برامجه التطويرية، ودفع عجلة التنمية والتقدم، والخروج السريع من دائرة المراوحة، وإلا فسوف ينقلب السحر على الساحر.
علينا أن نعي أن محاربة ومقاومة.. ((التغيير)).. هي كبيرة من الكبائر التي لا تُغتفر.
والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، وساعة العرض، وأثناء العرض.
Zkutbi@hotmail.com / www.z-kutbi.com
- مكة المكرمة