انعقد في بغداد مهرجان للشعر للفترة بين السابع والتاسع من شهر ديسمبر 2012 وحضره بضعة شعراء من خارج العراق وبضعة شعراء من داخل العراق.
ومن داخل العراق أصدر عدد من الشعراء العراقيين بيانا يعلنون رفضهم للمهرجان. والمشكلة تكمن في أن المهرجان اقتصر على شعراء العمود الذي خبا ألقه أو لنقل بدأ يخبو ألقه منذ بداية الخمسينات، حيث فرض التطور التقني نفسه على العالم وعلى الثقافة والشعر، مع ان الشعر عندي هو الشعر بغض النظر عن شكل القصيدة، إلا أن عملية الإقصاء هي التي دعت الشعراء لمقاطعة المهرجان وإصدار البيان. وقد خرج وكيل وزير الثقافة العراقي ليدافع عن المهرجان وينتقد أصحاب البيان، لكن ذلك لن ينعكس على واقع ما حدث. فلا جمهور ولا شعراء!
وفيما كانت مهرجانات الشعر في العراق تزدحم بعشاق الشعر وتغص القاعات بالحاضرين وقوفا إلى جانب الجالسين، لم يتمكن المهرجان من استقطاب أكثر من أربعين شخصا بينهم الشعراء المدعوون الذين يبلغ عددهم أربعين!
المشكلة الثقافية العراقية لا تكمن في الانحياز للشعر العمودي دون قصيدة النثر أو الشعر الحديث. المشكلة الحقيقية هي في مفردة الثقافة ذاتها في مسار الحياة العراقية ما بعد الاحتلال وما قبل الاحتلال أيضا. حيث هنالك درب واحد مسيج مطلوب من المثقف العراقي المشي فيه وهو لا يعرف نهاية هذا الدرب فيما إذا كان يوصله لهدف أو حتى لا هدف وقد يجد نفسه في عالم ضبابي كأنه الأبدية فيسقط فيه دونما قرار. لذلك بكى المثقف العراقي وهاجر المثقف العراقي هجرة ثانية وثالثة وقتل المثقف العراقي، وأنزوى المثقف العراقي حتى أنني زرت رمزا من رموز الثقافة العراقية في بيته عام 2009 فقال لي أكتب ولا أنشر وأعيش ولا أمشي وأحلم ولا أسافر. ثم جلس ساكتا صامتا صافنا!
في العراق اليوم ثقافة أحادية المضمون مسموح فقط نشرها وهي أخطر ما يواجهه أي مثقف في العالم. والأكثر من ذلك عندما يصبح المضمون الأحادي، أحادي الشكل أيضا! ليصبح الخروج عن المألوف كفراً وزندقة!
لا أحد يدرك بأن سقوط الوطن يكمن في سقوط الثقافة وليس في سقوط السياسة.
عندما تسقط السياسة يسقط النظام. وعندما تسقط الثقافة يسقط الوطن!
هوية الوطن تكمن في ثقافته وليس في سياسته.
سابقا عندما يعاني مثقف واحد من اضطهاد سياسي أو فكري أو عندما يزج بمثقف في معتقل أو سجن أو عندما يموت مثقف بكاتم صوت، فإن مثقفي الوطن العربي وكتابه يهبون لنصرة المغدور، أما اليوم فإن الفوضى السياسية تسود مساحة الوطن العربي ولم يبق من يدافع عن أي من!؟
والمؤسف، أن صدى الكلمة المكتوبة بات خافتا أيضا وسط صخب القنوات الفضائية والأغاني المدوية وأصوات المدافع والهتافات. وبرامج الثقافة في هذه الفضائيات تمر مرور الكرام، أما برامج الثقافة الحقيقية فهي غائبة أو تكاد. كانت الأصوات ترتفع في الماضي عربيا وحتى دوليا بسبب اضطهاد مثقف واحد. اليوم بلغ عدد شهداء الثقافة والعلم في العراق منذ الاحتلال أكثر من أربعمائة وثمانين مثقفا بين سينمائي وصحفي وأكاديمي وعالم. ولا أحد يعرف حتى أسماءهم، هذا ناهيك عن الذين هجروا خوفا من كواتم الأصوات. ليست كواتم أفواه المثقفين بل كواتم أصوات فوهات المسدسات المتوجهة صوبهم كي لا يسمع صوت إسكات الوجع العراقي!
مطلوب منك أيها الشاعر أن تكتب قصيدتك بشروطنا. خذ منا هذه الفكرة. وخذ منا عمود الشعر. وخذ منا القافية. وخذ منا بحور الشعر. وخذ منا صالة المهرجان وخذ منا طريقة الأداء. حينها تأخذ منا شهادة التكريم!
كتب أحدهم يوما يقول عن حجم الشعر والشعراء في العراق قائلا «لو رميت حجارة في سماء العراق فلا شك أنها ستقع على رأس شاعر» واعترضنا يومها على كلمة «حجارة» وطلبنا استبدالها بكلمة «وردة» فصار المثل «لو رميت بوردة في سماء العراق فلا شك أنها ستقع على رأس شاعر»
يبدو لي أن صاحب الكلمات الأولى كان على حق وكنا على خطأ!
لم تعد ثمة بساتين نقطف منها وردة لنرميها في سماء العراق.
ليس ثمة سوى أحجار لبيوت مهدمة قبل الاحتلال وأثناء الاحتلال وبعد الاحتلال!
لو رميت بوردة!
sununu@ziggo.nl
- الرياض