على إيقاع الشعر والكلمات الشعرية أقف على كلمات الشاعر الأمريكي والت وايتمان حيث يقول:
أيها الغريب العابر هناك
لماذا لا تكلمني وأكلمك
على إيقاع الغربة في أمريكا تبدأ الوحدة والشعور بالكآبة، وأحيانا يمشي المرء الآتي من الشرق إلى آخر العالم وهو يجهل المصير والحياة وما الذي ينتظره -فالسعادة أحياناً مرهونة باللحظة همسة أو صوت من بعيد يناديك باسمك ويتضح أن لا أحد يناديك في أمريكا إلا ذاتك المتجولة معك حيثما ذهبت- الشتاء لائحة شعرية جميلة أذهلت الأبصار وأصحاب الأذواق المرهفة ففي الشتاء البارد تتساقط الثلوج بلا موعد والكل في انتظاره وهو فصل جديد تتوج فيه الأرواح عندما تشعر بالدفء في الليل الطويل الساكن بصمت النجوم ونزول حبات الثلج التي أشبهها كالقطن. تتساقط الثلوج وتكسوا الأرض بياضا ناصا وتشتعل المدافئ في البيوت والمدارس وكل المباني في ولاية مينيسوتا التي تعتبر من أكثر الولايات الأمريكية بروداً. ففي ذكرى الشتاء لعام 2002 ويبدو الشهر العاشر أو الحادي عشر كان أول نزول للثلوج وأنا في مدينة سانتبول بولاية مينيسوتا في بيت (آن) الوقت كان الظهيره وكنت أنظر للثلوج المتساقطة بصمت وبغربة كغربتي وأحاسيسي حينها- لم أتفوه بكلمة ولكن نظراتي ربما لها عدة تعابير وعلامات استفهام أدركتها (آن)- فسألتني، هل لأول مرة تشاهد نزول الثلوج في حياتك؟ - فأجبتها نعم أول مرة أرى الثلوج فقالت بصوت شاعري اكتبها في مذكراتك اليومية- ولا أتذكر ماذا أجبتها واستمريت في مشاهدة المنظر الرهيب الذي أشاهده لأول مرة في حياتي – ومضى الوقت والأيام ولم أكتب ما قد نصحتني به (آن) وأدركت بعدها وخاصة عندما عدت إلى الشرق الأوسط أننا شعب لا يملك ثقافة كتابة المذكرات اليومية إلا ربما القلة منا، فالمذكرات اليومية ثقافة وهواية ممتعة تحفظ ذكريات المرء بالكلمات كما تحفظها الكاميرا بالصور. والشعراء الأمريكان تبلورت الثلوج في أشعارهم وهو جزء من حياتهم لأن الثلج يبدأ بمسح خرائط الطرقات وربما البيوت ويتعثر الإنسان في طريقة أو الوصول إلى المكان المقصود، وتغطي الثلوج لوائح الأرشادت وكذلك الطرقات تبدأ تطمس بأثر الثلج ويضيع الإنسان الذي اعتاد الطريق ولكن في فصل الشتاء حكاية أخرى كما تقول الشاعرة الأمريكية» لأيسل مولر» (1) في ديوان يحمل عنوان «قصائد جيدة للأوقات الصعبة»(2)حيث قالت في قصيدتها المعنونه ( ليس فقط الأسكيمو)(3) حيث تقول عن الثلوج أو كما تنطق باللهجة الأمريكية ( سنو):
سريالية الثلوج في داكوتا،
عندما لا تجد منزلك، شارعك،
على الرغم من أنك لست في المنام
أو فيلم الخيال العلمي.
فالثلوج فيها الضياع وربما هذا الضياع قد يؤدي في بعض الأحيان إلى الموت بسبب الحوادث في أيام الشتاء وتساقط الثلوج التي تجعل الأرض كالسماء الكل ناصع البياض، فكل شيء يطاق في ولاية مينيسوتا إلا الشتاء الذي يكون فصل ثقيل وتعيب بالنسبة لي وخاصة للكثير من العرب الذين لم يتعودوا على أجواء ثلجية وباردة مثل شتاء ولاية مينيسوتا بحيث توصل درجة الحرارة إلى ثلاثين تحت الصفر. والثلوج لا تطمس أماكن البيوت أو الشوارع بل تعلق الحياة والنشاطات أثناء تساقطها وتكون الحياة في انتظار يوم جديد وأنتظار ذوبان الثلوج وجرفها عن الطرقات والممرات ويستمر الشتاء ما يقارب الستة شهور وفي هذه الشعور امتزجت الثلوج بالأرض، والشمس دائما خجولة أمام البياض الناصع.
***
هوامش
1- lisel Mueller لايسل مولر شاعرة أمريكية من أصل الماني غادرت إلى الولايات المتحدة في سن مبكر وحصلت على الجنسية الأمريكية.
2- قصائد جيدة للأوقات صعبة good poems for hard times) ) إعداد وتقديم الكاتب الأمريكي أيرسون كيلير ( Garrison Keillor ) من مواليد ولاية مينيسوتا ومقدم برنامج إذاعي في راديو مينيسوتا العام والآن يعيش في مدينة سانتبول.
batawil@gmail.com
- جدة