قلنا إن النص المعاصر بما يتبدى من تقدميته يمر بالمراحل الفنية التي تمر بالعمل الفني. وأن اللغة لا تتطلب كمادة للفن أكثر من اتباع النص للحالة الفنية أكثر من النموذج الأدبي. نقول أيضا إن اللغة في تعبيراتها الشعرية وفي تركيباتها قادرة على توليد بنائية فنية تربط مابين أثر الفكرة وأيقونة التعبير الجمالية والحالة التجريدية العامة لحركة المعنى في السلالم المتعددة لنسيج النص.. وإذا كانت المفردة تمثل بعثا لحياة العمل الفني فإن قدرة الفنان في هذا السياق لتطوير قدرته ماثلة للوعي وتواجه بتقنيتها ما يواجه أي عمل فني من إمكانية اختزال الحلم أو الفكرة في واقع.. بما يتناسب وقداسة النص المتمثلة في رصد حركة الفنان الذي يتحرك في مطلق اللغة بخطوات جمالية يمكن وصف حالتها التعبيرية ب» عنف» نقاء تفضيلاتها المتولدة من روابط الإيقاعية مابين الجمل وبعضها ومابين الفكرة وتعبيرها المكتوب.. في مشهدية تسطر أسلوبها وعمق ربطها الحالة الفنية بالبعد السحري للغة.
يمكننا القول أيضا إن اللغة وهي تمارس على الفن نفسه سلطتها وسيطرتها التعبيرية على شطر تعبيراته لهي تمارس حالة فنية من طبيعة خاصة ليست ودودة ربما إنما تنقل عمق التجربة الجمالية إلى عمق حياتي تعكس فتنة التطبيق الفني المعاصر وهو يخترق بخصوصيته ممتدا باتجاه مركزية الذات الإنسانية دون رفق، ليغزل فكرة الوجود من ربطه أدوات الوجود والتوترات التي خلفتها في دواخل الإنسان. لذلك فالفنان وهو يمزج التفاصيل المرئية بالمفردات لرفع الحجاب عن الغاية من وجود العمل الفني لهو وعلى مدى تجربته يقرر حضورا يعيش ويطلق تعبيراته عن نفسه من عمق حالة وجوده في أثنائها..
ويبقى على الفنان بنحته لغته أن يعتني بإمكانات الإضافة في هذا السياق وأن يجعل الحالة الفنية تعيش بداخله حتى إذا أطلقها على شكل عمل فني لغوي امتلك دعائم الجرأة الفنية في صدق استحقاقه التعبير بحيث ومن خلاله يعلو صوت الإمكانات المضافة إلى العملية الفنية مع الفضاء الذي يمنحه الفن المعاصر بمبادئه وأحاسيسه وموضوعاته التي من شأنها أن تنقلنا إلى مستقبل الفن بثقة.
إن النص اللغوي الفني يمكن أن يشكل نوعا من الاندماج بالجوهر الجمالي الذي يؤكد مبدأ القصدية الواعية في طريقة بناء العمل الفني المعاصر وتحويله إلى عالم الاستنتاج والملاحظة بل وإلى الجدل وربما الإيهام بموقع الجمال في كافة الموضوعات. أسوة بما يجري في عالم التعبير الفني من تبدل في روح تقديمه وغايته من هذا التقديم. إنه كالعمل الفني في قصدية إثارته الفكرية التي تشكل بعض الحقيقة لموجودات تفترض من التلقي ما يكمل باقي العمل على نحو ديناميكي مؤثر بين العمل الفني وجمهوره، الأمر الذي يجعلنا ننظر إلى اللغة هنا بصفتها مؤثرا حيويا يبني المعنى من عمق النفس المعاصرة المتوترة في غلالاتها العقلية. وهي - أي اللغة- في هذا النوع من النصوص في محاولتها الحثيثة للإيحاء بأبعد من حالتها المبسطة تأخذ في مشهدية فنية الدور المخلص للمفاهيمية وتخترق قالب البساطة نحو انتقاء عمق معنوي تتدفق منه الرموز في إطار غير مرئي.. تماما مثلما يفترض العمل الفني المعاصر في بحثه عن التحولات وفي بحثه عن الظاهرة الفنية النموذجية للفكر. فإذا أخذنا اللغة بصفتها عمارة لامرئية تستدعي الذاكرة بكل تفرعاتها الشكلية والرمزية يصبح النص هيكلا عاما من النظم التعبيرية التي ترعى بالضرورة عالما فنيا فسيح الأرجاء.
إن مناقشة اللغة في تكوين الفكرة في ذهن الفنان ثم في سردها للمناقشة بما في ذلك ما تخلص إليه من تطبيق فضلا عن استخدام اللغة كطريقة للتعبير الفني أصلا ثم كطريق لتأويل ومناقشة العمل واستقباله لدى المتلقي لهي حالة جديرة بتوسيع البحث فيها من حيث الإمكانية البنائية لشبكة من الرؤى التي تتدثر بها موضوعات واقعية تتعلق بصميم الفن ترتبط بمتانة مع ضرورة إبراز السلطة الجمالية الجديدة على نحو يغذي العجلة الفنية بالفلسفة.
الرياض