الثقافية - نايف البقمي:
كثيرة هي المهرجانات والاحتفالات والفعاليات المسرحية العربية، وعديدة هي المسرحيات المقدمة من مختلف البلدان العربية، كل منها يختلف في طرحة وأسلوب إخراجه ولغة أدائه المسرحي، وفي كل مهرجان نرى عروضاً مسرحية لا يمكن أن تجد اتفاقاً في الطرح فيما بينها نظراً لاختلاف انتاجها واختلاف انتهاجها المسرحي من مخرج لآخر، وهذا يقودنا إلى سؤال عريض، هل لازلنا نمارس المسرح كما وصل لنا دون أن نضيف له روحاً عربية تميزه و يكون هناك صبغة مسرحية واضحة لهذه الأعمال، بمعنى آخر هل هناك هوية مسرحية عربية واضحة كما هو موجود في أوروبا وأمريكا؟ سؤال لن يجيب عنه إلا المسرحيون العرب أنفسهم ليبينوا لنا مدى ترابط وتباعد وتناغم هذه الهوية إن وجدت.
وقد طرح على عدة مسرحيين وإعلاميين ونقاد عرب أتت إجاباتهم متفاوتة ومتشنجة ومتقاربة في الرؤى لدى البعض. ففي البداية تحدث المسرحي المغربي عبداللطيف نسيب المسناوي قائلاً: (في تصوري أن البحث عن الهوية في المسرح العربي قد اختلقها النقاد لأن النقد كان لدينا كمسرحيين عرب أقوى من الإبداع العربي المسرحي من خلال العروض لذلك لا يجب إن نضع الهوية هدف نبحث عنه فهي ستأتي من خلال ما يتناول من أمور تخص المجتمع وحياة الإنسان العربي اليومية وكذلك الجوانب السياسية وأن لا ننساق وراء نظريات النقاد في جعل الهوية هي القضية الأكبر لدينا، بل يجب أن يتم التركيز على جوانب الفرجة المسرحية لأنها هي من ستصنع الهوية العربية للمسرح، وفي المسرح الغربي مثلاً لم تأت الهوية إلا من خلال الممارسة فتم ترسيخها عن طريق أرسطو ومن جاء بعده، وفي الواقع العربي الوضع يختلف فلا يمكن أن نجد هوية لاختلاف العادات والتقاليد وأشكال العروض المسرحية فمثلاً في الخليج العربي ليست كما هو موجود في المغرب العربي على الرغم من الاشتراك في الكثير من الجوانب الثقافية الأخرى ومتى ما كنا نمارس المسرح بالطريقة الكلاسيكية التي نقل عن طريقها المسرح إلى العرب إضافة إلى تقلب العروض بين التراثية والتجريبية فلن يكون هناك هوية. وحتى الاشتغال على التراث قد يوجد هوية إقليمية إلا أنها لن تصل إلى مستوى الهوية الموحدة للمسرح العربي) ومن المغرب أيضا يرى المخرج الحسين الدجيتي أن الهوية العربية للمسرح موجودة بشكل سطحي من خلال بعض الديكورات والأزياء المشتركة بين الدول، إلا انه يؤكد أن اختلاف المجتمعات العربية سياسيا واجتماعيا وثقافيا يصعب من إيجاد هوية موحدة للمسرح العربي ولن يأتي ذلك إلا إذا تم تناول الإرث الإنساني العربي من خلال الشعر العربي والتراث ومسرحة الرواية والقصة.
ويقول المسرحي التونسي المنصف السويسي: (الهوية العربية المسرحية تنطلق من تكوين المسرحي نفسه فهو سيفرز مسرحة بما في داخله فإذا كان عربياً في تأسيسه وتأصيله وكيانه فسوف يخرج النتاج عربيا، وفي حقيقة الأمر أن المسرح هو المسرح ظاهرة قومية نحن أخذناها عن الغرب وتبنيناها وتعاملنا معها لذا يجب أن تعامل بمنطق من صنعها واخترعها ونمشي على منوالهم ومرجعيتهم، فنحن لا نستطيع أن نقدم مسرحاً عربياً خارجاً عن ذواتنا وسلوكياتنا ومعاشنا وتفكيرنا وثقافتنا، ليس هناك جوال عربي أو سيارة عربية أو تلفزيون عربي أو طائرة عربية أو أي اختراع تكنولوجي عربي، بمعنى لماذا نطالب أن يكون هناك مسرح عربي ونحن لم نوجده كما هي الاختراعات التي أخذناها كما هي وتعاملنا معها ولم نطالب بوجود شبيه لها عربياً، لذا المسرح لا يمكن أن يشذ عن الحياة ولا يمكن أن يكون هو العربي الوحيد، فمتى ما كان هناك مفكرون عرب وفلاسفة عرب ومخترعون عرب وباحثون عرب وعلماء عرب سيؤدي إلى وجود اقتصاد عربي وتكنولوجيا عربية وعلوم ومخترعات عربية وبالتالي سيصبح لك إنتاجا فكريا وجمالياً عربياً، ونحن الآن لا ننتج أي شيء ونستهلك كل شيء لذلك لا يجب المطالبة بإيجاد هوية للمسرح العربي)
وللمخرج الجزائري محمد بالقاسم وجهة نظر أخرى فهو يرى أن الهوية لمسرحنا العربي موجودة وغير موجودة مستدلاً على ذلك في تراوح المسرح العربي في التعبير عن هويته من حين لآخر فهو يحاول أن ينتج بعض خصائص المجتمعات العربية ويرى ان هناك قواسم مشتركة في المجتمعات العربية يمكن أن يتم تكوين الهوية من خلالها وتبرز في ما يعانيه المواطن العربي مثل مشاكل الحدود والحرية وغيرها من العناصر التي تمس المواطن العربي.
وترى الإعلامية المصرية منى صابر أن المسرح العربي يعيش بلا هوية معللةً ذلك مروره بحالة من الاغتراب بشكل كبير جدا في الوقت الحالي فهو كما تقول يعاني من نصوص مغرقة في التغريب والتجريب مبتعدة عن الحياة الاجتماعية للمواطن العربي وما يدور في حياته اليومية، وترى أنه لا بد أن تكون النصوص مستوحاة من تراثنا وجذورنا العربية وإسقاطها على الواقع الذي نعيشه اليوم.
ويقول المؤلف المسرحي السعودي: (المسرح العربي يسير باتجاه خلق تكوينات تقوده إلى خلق هوية وخصوصية له، ومن خلال المهرجانات العربية استطاع هذا المسرح في بعض الدول العربية أن يصنع له هوية وملامح محدده، فالمسرح العراقي مثلا هو مسرح الكلمة ومسرح النص واستطاع من خلال اهتمامه بالصورة أن يخلق حالة من التوازن بحيث أصبح مسرحاً صوتياً بصرياً صوتياً متميزاً، بينما المسرح التونسي كان صاحب الاستفادة الأمثل من تقنيات المسرح الايطالي والفرنسي وأضفي عليها هويته المحلية فأصبح هناك تناغم بين الحركة ولغة النص وصولاً إلى سينوغرافية تميز هذا المسرح، فيما سعت تجارب أخرى في سوريا والأردن إلى خلق نموذج من مسرح اليوميات الذي يحول العادي والبسيط إلى مدهش، بينما كان المسرح في الجزائر والمغرب حالة اكبر من التأثر بمسرح (الاستاند كوميدي) ومحاولة خلق فرجة قد تعتمد على التراث الشعبي في بعض الأوقات. وباقي الدول تسعى لتكوين هوية مسرحية في تجارب غير مستمرة ومتوارثة، أما المسرح الخليجي فهو مسرح اللاهوية ولا يسعى إلى إظهار صورته من خلال التجارب المختلفة التي يمارسها اليوم ويأتي بغيرها غداً. وبذا لا توجد هوية توحد الاتجاه المسرحي العربي).
ويضيف الممثل المسرحي الجزائري سفيان عطية (حتى تستطيع صنع هوية لمسرحك العربي يجب أن يكون هناك ممارسة كبيرة للمسرح واستثمار بشري وفكري وإيمان بالمسرح كمعالج فكري للحالة الاجتماعية للشعوب العربية، ولن يكون هناك هوية طالما نحن ننسب مسرحنا إلى المسرح الغربي، فنحن لنا إنتاجنا المسرحي المستقل ذو الطابع المختلف، ومن هنا يجب أن نؤمن ببعضنا البعض كمسرحيين عرب، وان نهتم بتراثنا وتقاليدنا العربية لان ذلك سيتم إخراجه على أرض الواقع من خلال الأعمال المسرحية المقدمة).