أصبحت الريادة صفة مشاعة في زمن غدت فيه ممارسة الفنون تقليدا لكل هاو لا يفرق بين الهواية والإبداع، لكن ربما يغيب عن البعض أن الريادة الزمنية التي تعتمد على تاريخ البداية قد يصاحبها تاريخ لانتهاء الصلاحية، وهي تختلف بالتأكيد عن الريادة الإبداعية التي لا تزول.

فقد ظهر في مراحل مختلفة من تاريخ الفن السعودي المعاصر (إذا صح لنا التعبير) نماذج استحقت تلك الريادة الزمنية تبعا للجنوسة أو جغرافية المكان أو خامة الممارسة الفنية أو مجالها، ولكن أعمالهم لم تصل لمرحلة الإبداع الفني أو الابتداع لاتجاه أو أسلوب فني متميز ومختلف وجديد يؤهلهم لهذا التصنيف، فهم في الغالب ممارسين، أعمالهم قد تكون جيدة بل قد تكون (جيدة جدا) ولكنها تخلو من الابتكار!، والبعض منهم يستمر في نهج واحد (دون تغيير) بينما البعض الآخر يحاول ويحاول، ويتغير أسلوبه ما بين معرض وآخر ولكن دون جدوى، فأعماله لا تزال تندرج تحت فعل الممارسة لا الإبداع.

وهو ما يجعل هؤلاء في مراتب الرواد ذوي التاريخ القابل للانتهاء إذا ما استمروا في هذا النهج، مما يؤخرهم في التصنيف الفكري (الفني) لفسح المجال لشاب أو جيل واعد تحمل إعماله سمات ابتكارية في الأسلوب أو الموضوع أو العنصر وربما الخامة والإطار.

ولكن هناك آخرون استحقوا الريادة الإبداعية تماما كما استحقوا تلك الزمنية، بل سوف يخلدون في كتاب تاريخ الفن السعودي إن لم يكونوا هم صانعي هذا التاريخ.

فعلي سبيل المثال يستحق الفنان محمد السليم (رحمه الله) لقب الريادة لا لتاريخ البداية، بل بسبب حضوره الإبداعي، فقد قام بفعل لم يصل إليه الكثير حتى يومنا هذا، وهو ابتداع أسلوب فني محلي له سماته المميزة، وذلك من خلال البحث والتجربة والممارسة حتى وصل إلى الذروة حين صرخ كما صرخ (أرخميدس) (وجدتها)! حين أوجد (الأفاقية) التي نرى خيالاتها في أعمال الكثير من فناني الجيل الثاني والثالث حتى وإن أنكروا ذلك.

لذا فإن من يستحق الريادة الإبداعية (لا الزمنية) من بالفعل قال وجدتها وسمع أو قرأ بعدها (ثُلّة) تقول (نعم)، وأقصد بال(ثُلّة) المتخصصون من الكتاب والباحثين والدارسين والعاملين في هذا المجال مدة زمنية تسمح لهم بقول هذه (النعم) لا الأقرباء والأصدقاء وحديثي الدخول إلى مجال الفن التشكيلي أو الإعلاميين غير المتخصصين.