الثقافية - نايف البقمي
الجميع يعلم أن أساس انطلاق العمل المسرحي تبدأ من النص ونوعيته وما يحتويه من فكرة ومدى تماسك خطوطه الدرامية، انطلاقاً من البداية إلى العقدة ثم النهاية. وفي مسرحنا السعودي نجد هناك نصوصاً مسرحية لعدة كتاب سعوديين وغير سعوديين، ولكن السؤال الذي يطرح دائماً في وسطنا المسرحي والثقافي بشكل عام: هل هناك أزمة نص أم أزمة كتاب أم الاثنتان معاً أم هناك أزمة في نوعية الكتابة؟ ولإيجاد إجابة شافية عن هذه الأسئلة التقت (الثقافية) ببعض المسرحيين السعوديين لمعرفة آرائهم حول نص المسرح وكاتبه.
في البداية تحدث الكاتب المسرحي سامي الجمعان: (علينا الاعتراف أولاً بوجود أزمة نص مسرحي محلي، وسيكون اعترافنا هذا هو منطلق رؤيتنا للقضية من جوانبها المتعددة؛ فكتاب المسرح لدينا قليلون، خصوصاً في النص المسرحي القابل للتجسيد على خشبة المسرح؛ فأنا لا أجمع أبداً بين النص المسرحي المقروء والنص المسرحي بمفهومه الأدبي الذي ربما قراءته مطبوعاً أكثر من مشاهدته على منصة المسرح؛ كونه يعلي من درجة الأدبية في النص، إلا أننا حين نفتش في مشهدنا الأدبي عن النصوص المسرحية المتوافرة على شروط التنفيذ الفني على منصة المسرح فلا نكاد نعثر إلا على النزر اليسير الذي يضطرك لجلب النصوص العالمية وتعريبها أو النصوص العربية وسعودتها.
أما قلة الكتاب المسرحيين فهي - كما أتصور - قضية عائدة إلى ضعف الموقف الذي يتخذه المسرح المحلي اجتماعياً؛ حيث إن تأثيره الاجتماعي الضعيف انعكس سلباً على كسب الأقلام القادرة على إنتاج النص المسرحي الاحترافي؛ فالنصوص إن توافرت فكثير منها هزيل لا يرتقي إلى مستوى المأمول، ولا يحقق المستوى المطلوب، وذلك عائد إلى قصر زمنية التجربة الكتابية عامة، وإلى عدم امتلاك الكاتب المسرحي لأدواته الفنية في الكتابة.
كما أننا - من جهة ثالثة - نقف على نتاج لكتاب وجدوا في الكتابة للمسرح مضيعة للوقت؛ فاتجهوا إلى الدراما بجاذبيتها المادية والسرعة الفائقة في إيصال الاسم إعلامياً؛ فهضم الحق الإعلامي للكاتب المسرحي وهضمه مادياً يدفعه للهرب من ساحة المسرح إلى ساحات الدراما التلفزيونية مثلاً.
يبقى النص المسرحي جزئية مغيبة عن مشروعنا في المسرح وهو تحصيل حاصل إن حضر وإن غاب فلا ضير، وتبقى كثير من التجارب الساعية للكتابة المسرحية على موعد من البطء والتكاسل والاستحياء في طرح مشاريع كتابية قادرة على تأصيل النص المسرحي السعودي وأخذه إلى آفاق جديدة، وهنا لن أتردد في القول إن الثقافة معين الكاتب المسرحي وهذا ما لم يحرص على تنميته بعض كتاب المسرح لدينا على الرغم من قلتهم - كما أسلفت -؛ فما لاحظته على المسرحي السعودي قلة القراءة والكاتب أحد هؤلاء.
بذكرنا للنص المسرحي السعودي لا بد أن نأتي على ذكر القضايا السابقة؛ كونها متداخلة التأثير؛ فالمناخ غير المهيأ للمسرح اجتماعياً، وقلة وعي الكتاب، وافتقارنا إلى مشروعنا التأليفي الخاص عوامل أسهمت بامتياز في خلق أزمة نص مسرحي سعودي، وكرست بعض العجز في عجلة التأليف؛ فكم نعاني سنوياً في البحث عن نص لكاتب سعودي، وإن وجدنا فعلينا أن نقبله بعلاته، وهذه بحد ذاتها تعطيل لولادة النص المأمول؛ فكونك تشجع الكتابة في مستواها الأدنى فأنت تداهن النص المسرحي السعودي وتبقيه في حيزه الضعيف).
وللمخرج المسرحي بادي التميمي وجهة نظر أخرى حيث يقول: (على الرغم من وجود العديد من الكتاب المسرحيين ولكن الكتاب البارزين والمميزين لا يتعدون أصابع اليد الواحدة وكأنهم عملة نادرة والنصوص المسرحية متوافرة وبكثرة ولكن قد لا تجد من بينها سوى القليل من النصوص المسرحية الجيدة والمتوسطة؛ لذلك نرى بعض المخرجين يكتبون مسرحياتهم بأنفسهم؛ وذلك لعدم وجود النص الذي يستفزهم للعمل المسرحي، نعم هناك أزمة نص لا نستطيع تجاهلها ولكن المشكلة في الكيف وليست في الكم، والحلول لمعالجة هذه الأزمة الحقيقية بتفعيل ورش النص المسرحي وتكثيف الدورات والاهتمام بمسابقات التأليف المسرحي وتحفيزها مادياً وإعلامياً).
ويقول الكاتب المسرحي محمد العثيم حول هذا الموضوع: (دائماً ما يتحدث المنتجون عن وجود أزمة نص ولكن لا توجد هناك أزمة في النص وإنما هي أزمة عائد وجدوى؛ فلو كان النص يجدي لتهافت كل كتاب النصوص وكتاب الأدب على كتابة النصوص الدرامية لوجود كم وافر من كتاب القصة والدراما، ولكن نتيجة عدم الجدوى وحالة ذهاب الكتاب إلى شركات الإنتاج والتي أرى فيها مهانة للكاتب - مع الأسف - هي التي أدت إلى وجود أزمة في النص بشكل عام، كذلك هناك مسببات تتعلق بعدم وجود حفظ لحقوق الكاتب؛ وذلك لعدم وجود شركات وسيطة تقوم بضمان النص وبيعه بالطرق الصحيحة).
ويرى العثيم أن التلفزيون سحب كتاب المسرح وقبلهم الممثلين من الساحة المسرحية والكتابة لها؛ نظراً إلى عدم وجود جدوى مادية وإعلامية من المسرح، كما يقول، موضحاً أن المسرح في جميع دول العالم لا يقدم الدعم المالي للكاتب المسرحي كما يتم في التلفزيون والسينما.
ويقول الكاتب المسرحي فهد الحارثي: (أعتقد أنه لا توجد هناك أزمة نصية لدينا وإنما هناك أزمة في طريقة التعامل مع هذه النصوص؛ فالنص المسرحي في المملكة - مع الأسف - لا يتم تناوله وتقديمه أكثر من مرة، وهذا ما تقوم به أكثر الفرق المسرحية لدينا؛ وبذلك نجد أن النص يقدم مرة واحدة بطريقة واحدة ويموت، مع أن النص المسرحي ممكن أن يتم عرضه بعدة رؤى مختلفة كما حدث مع مسرحية (ابن زريق ليمتد) التي عرضت ثلاث مرات بطرق إخراجية مختلفة، وخير شاهد على ذلك على المستوى العربي نصوص سعدالله ونوس التي قدمت في جميع أنحاء الوطن العربي وتم تناولها بطرق متعددة).
وتضيف الأديبة حليمة مظفر قائلة: (أعتقد أن أزمة النص هي أزمة الكتاب؛ ذلك لأن الكتابة للمسرح تكون وفق خطوط درامية ورؤى ممسرحة يتميز بها المؤهلون في المسرح من خلال احترافهم الكتابة له، ولكن ما يوجد في المملكة عكس ذلك؛ لأن كتابنا المسرحيين هواة وغير متخصصين وغير دارسين للمسرح؛ فهم يقدمون نصوصاً اجتهادية وفق قراءات فردية وخاصة جعلت النص المسرحي يقدم فاقداً للمبادئ والخصائص الدرامية التي يقوم عليها؛ فالنص المسرحي - على وجه التحديد - من أصعب النصوص التي يستعصي على أي كاتب تناولها والخوض في كتابتها؛ لأنها تتطلب خلفية تامة لمبادئ وخصائص الكتابة المسرحية؛ حتى نستطيع إطلاق اسم كاتب مسرحي؛ فهي تختلف اختلافاً تاماً عن الكتابة للرواية والقصة).
وترى مظفر أن كتاب المسرح لا يزالون متمسكين بالكتابة له ولم يغرهم العائد المادي من الكتابة للتلفزيون أو السينما، وتستدل على ذلك بأن الكثير من كتاب التلفزيون لدينا هم من خارج المملكة أو ممن لم يكتبوا للمسرح، وإن كان هناك من اتجه للتلفزيون من أبناء المسرح فهم الممثلون كما تقول.
وتضيف: (وكما أن هناك أزمة في الكتابة للمسرح هناك أزمة في الكتابة للتلفزيون؛ فلا يوجد لدينا كاتبو سيناريو متخصصون أو كتاب للدراما الاجتماعية التي تكون غالباً باجتهادات فردية غير مدروسة، وما أستطيع أن ألخصه أن الكتابة للمسرح من أصعب أنواع الكتابة التي لا يستطيع الكاتب الخوض فيها وهي قد تكون أحد أسباب أزمة الكتاب لدينا).