عن دار الانتشار العربي صدرت للروائي والقاص محمد المزيني رواية جديدة وسمها بعنوان (نكهة أنثى محرمة)، لنراه وقد استفاض كثيراً في شرح تجليات الشكل والمضمون لتلك العلاقة الأزلية والجدلية بين الرجل والمرأة، وإن شئت أن تعلو إلى سديميات الغيب، فإنك ستلامس جوهر تلك العلاقة بين الذكر والأنثى، وهو ما اختطه الروائي المزيني حينما رمز إلى الأنثى بوصفها الحالة العميقة التي تفيض سراً وغموضاً كلما حاول الإنسان فك مغاليق هذا الكائن العجيب.
يضفي الراوي المشبع بنكهة العاطفة على كل فصل من فصول الرواية ذلك البعد الذي اختطه للبوح من أجل أن يسجل أكبر وأدق التفاصيل على نحو المدخل الأول في الفصل الثالث حينما زاوج المزيني بين دهشة الراوي وبطل لم ير بعد .. حيث جاء الهجس مركباً، ومحملاً على ثنائي هذه الشخصيات التي يشدها التوق والهيام لأن تبوح بشكل حالم وهذا ما تملكه في ظل هذا العوز والحاجة إلى اللقاء.
الهاجس الوجداني هو الذي يسرد تفاصيل الحكاية في الرواية، دون عناء وهو يمسك بخيط لا مرئي يتصل بين أقطاب هذه الجدلية التي أشار إليها الكاتب بوضوح .. تلك التي تتمثل في العلاقة العاطفة بين الرجل والمرأة، ليدأب الراوي على سرد كل التفاصيل في هذا الهاجس، حيث نراه وقد وصف كل جوانب العلاقة السطحي منها والعميق، فمن يرى الراوي البطل قد عني بالشكليات يراه آخر وقد أجاد فعلاً في تقديم مشاهد الحكاية بكل تفاصيلها التي تمتعت بمسحة من الرقة والعاطفة الجياشة تجاه من يحب وهذا هو جوهر العاطفة دائماً. الروائي المزيني يعني كثيراً في بيان ما للذاكرة من قدرة فائقة على استمطار المواقف على نحو صخب المشاعر في الفصل الخامس حينما لوّح الراوي بأنه معني بسرد تفاصيل (الأنثى) تلك التي جعل بوحها يمر من خلال قناة واحدة هي رؤيته للأشياء التي يريدها للرواية، فلم تتخل عن هاجس واحد هو ملاحقة أصل الحكاية في أعماق الإنسان.
فالرجل الموكل له نقل التفاصيل الدقيقة عن حياة هذه المرأة يُقرّ يقيناً بأنّ وراء هذه القصة السطحية المكررة لهذه المرأة قصة أخرى أشد قوة وأكثر تأثيراً وعمقاً.
غمامة القلب لا يمكن لها أن تبقى عالقة في الأفق الحالم إنما آن لها أن تنقشع لنرى وجه الحقيقة الذي عني فيه الكاتب وصاغه على نحو شيق وآسر ليثبت للقارئ أنه كاتب قادر على جلب كل التفاصيل من أعماق تلك المجاهل التي تسكن قلب تلك الأنثى التي حضرت بقوة ووضوح، فأرادت أن تكون متناغمة في بوحها مع الراوي فلم تبخل بأي إشارة ترمي إلى الحقيقة فكان لها التواجد الكامل في ثنايا الرواية.
اعتمد الراوي الذي ظل يدفعه الكاتب على ومضات حديثه جداً تتمثل في الرسائل الأولى التي تخبئ خلفها قيماً عالية، وتفاصيل أكثر وضوحاً .. فالزمن الذي عنى فيها الكاتب هو هذا الزمن الآني، لكن ما أهّلَهُ ربما يكونوا هم أولائك الذين عاشوا التناقضات، فأضحوا مخضرمين ولديهم أكثر من تجربة، لتكتظ هذه الرواية في فصولها الثلاثة عشر بهذا الفيض الوجداني الذي عنى بهموم الإنسان الذي لا يرى الناس منه إلا وجهاً نمطياً واحداً؛ في حين أنه حمّال لأوجه عدة كما أشار الكاتب في ثنايا سرده..
(نكهة أنثى محرمة) رواية عمدت إلى استقصاء حالة ما وراء دهشتنا وقد تقبع خلف الحكاية الأولى لعنائنا أو فرحنا، فالوجه الآخر هو ما يريده القارئ، وهو ما ذهب إليه الروائي محمد المزيني الذي سجل حضوره القوي بوصفه ملهماً لهذا الراوي الذي عني بأدق التفاصيل لامرأة يسكنها الحنين، وتتوق للبوح على لسان رجل يتقن فن الحكاية العاطفية.
***
إشارة:
نكهة أنثى محرمة (رواية)
محمد المزيني
دار الانتشار العربي - بيروت - 2009م
تقع الرواية في نحو (100 صفحة)