- في رأيه أن كلَّ مهنة تحمي نفسها من الأدعياء إلا الأدب؛ فالكهرباءُ تصعق المتطفلين، والمنشار يمزّق العابثين، أما الأدب فبابه مفتوح، واستشهد فأنشد:
تعسَ الزمانُ لقد أتى بعجابِ
ومحا رسومَ العلم والآدابِ
وأتى بكتّاب لو انبسطتْ يدي
فيهم رددتُهم إلى الكُتّابِ
- (فقط) تردُّهم إلى الكُتّاب يا أبا بندر؟! هذه روحُك الطيبة: تسامح وتصافح؛ فلعلّك ستوعز إلى معلّمي الصبية أن يقوموا بدور المصدات، وفرز النكرات، ولجم الافتئات.
- فقط.. يا أبا بندر..! لكن المبدع يولد كذلك ولا ينفعه تعليم أو تقليم، كما لا يطفئه تعتيم أو تكميم، غير أن من يُخْلون الأمكنة للأدعياء ليسوا بمنجاة من الحساب، فأين أنت من الساحة؟ لقد أخليتها وثلةٌ تشبهك، فامتلأ الفراغ وفق قوانين الفيزياء في (الحيِّز) الذي لا يمكن أن يشغله جسمان معاً.
- إذن فهو ليس الادعاء وحده، بل معه الانكفاء؛ فالمدعي يشغل مكان المنكفئ، ولو عاد هذا لاختفى ذاك، فلعلنا لا نختلف يا أبا بندر!
- (عبد الرحمن بن فيصل المعمر) رئيس التحرير الماهر، والكاتب الساخر، والناشر غير التاجر، وفيٌّ ،حفيٌّ، يرتبط اسمُه باسم الأستاذ عبد العزيز الرفاعي 1342-1414هـ ؛ فقد عرفه قبل خمسين عاماً (1380هـ) في الديوان الملكي، ولم تحل دون صداقتهما تراتبيّة الإدارة بين موظف ناشئ ومسؤول كبير، وتعزّزت علاقتهما بدار ثقيف، ومجلة عالم الكتب، وظل - إلى يومه - يذكره ويذكِّر به، ويشير إلى تميِّزه (خلقاً وصمتاً وخصومة وتواضعاً)، وهي سماتَّ أبي بندر.
- يشير الأستاذ عبد الرحمن في تواقيعه إلى (الطائف) المدينة التي تسكنه، وإلى أنه من (عصبة الأدباء)، وهو - في الحق - يسكن جميع المدن؛ فله في كل مكان أصدقاء، كما أن مجلسه - حيث حلّ - ملتقى الأدباء، وقد سكن لندن، ويعشق، (حمص)، ويدعو محبيه كل صيف لأن يلتقوا على نهر العاصي في مقهى (ديك الجن) - نسبة إلى الشاعر عبد السلام بن رغبان 161- 235هـ، الذي تسببت غيرته في قتل زوجته (ورد)-واللقاء بأبي بندر في مثل ذلك الجو كفيل بإثارة مشاعر، وإضاءة مشاعل، وتأمل الحياة بين القتيل والقاتل.
- المعمّر تنويريّ بوعي جميل، وموقف أصيل، وهو من النماذج النادرة في الكتابة الساخرة الراقية، ومن يعرفُه يدرك كيف يشخصن الواقع برسوم هازلة، ومن يقرأ عناوين أبحاثه: (المضيفات والممرضات في الشعر المعاصر)، (البرق والبريد والهاتف وصلتها بالحب والأشواق والعواطف)، (مراكب الغيد في الشعر الجديد)، يدرك كيف يقتنص المعاني الهاربة فيمنحها السكن والوطن.
- يبدأ غيره بالسلام ؛ فلا كِبْر ولا تجهم، ومرةً نادى أحدهم فدكتره، وهو ليس كذلك، وحين أُخبر قال: لا ضير؛ فإن كان حقاً فكفى، وإن لم يكن فقد أربى؛ فلعل (الأصل - في الإنسان - أن يدكترا)، في زمن لم تعد كثير من الشهادات تحمل شرف تواقيعها.
- امتلأ الفضاء بالأدعياء يا أبا بندر؛ لنعيدك إلى النقطة الأولى؛ فأنت سبب، فهل تقبل العتب؟
الحيِّز الثقافي لا يملأ.