رائعة الأستاذة سهام القحطاني في ردها على ما قاله الدكتور عبدالمحسن القحطاني في مقالها الذي جاء تحت عنوان (لا للتمييز ضد المثقفة) في العدد رقم 264 من المجلة الثقافية، رائعة بكل المقاييس لأنه لم يمنعها من أن تطرح رأيها الحضاري والعقلاني، أن من تخالفه به هو من أبناء قبيلتها، ومن المحسوبين على الثقافة وصاحب درجة أكاديمية كبيرة، وهي بذلك تؤكد على أكثر من أمر إيجابي ثقافي واعي، وفي مقدمة ذلك أن القبلية يجب ألا تكون في المقدمة إذا تعلق الأمر بنصف المجتمع، إن لم يزد عن ذلك، وأن مسألة الحصول على شهادة الدكتوراه لا تعني بالضرورة بلوغ كل الوعي الحضاري والثقافة الكاملة كما يتوهم البعض، وبذلك فإنه ليس كل ما يطرحه الحاصل عليها يجب القبول والأخذ به كمسلمة أو صواباً لا يحتمل أي نقص.. ولهذا فإنه يجب ألا تقف القبلية أو الشهادة الأكاديمية الكبيرة أمام الوعي والضمير إذا تعلق الأمر بقضية مصيرية، أو شأن من شؤون الوطن وشعبه، كما هو الأمر مع التمييز والعنصرية، ساء تجاه المرأة أو تجاه الإنسان والهوية الوطنية سواء كان ذلك يختص برجل أو امرأة أو مجموعة.
وفي تصوري أن أصحاب الأفكار والأقوال التي تجيء على حساب المرأة كإنسان وكمواطن، وسواء انطلقت من منظور ديني أو تبعاً لبعض العادات والتقاليد البالية، لا يختلفون في ذلك عن أولئك الذين يمارسون التعصب القبلي المتخلف البغيض، الذي بعثته وأظهرته على السطح بعض البرامج والمسابقات التي تبدو على شكل مهازل.. فأولئك يلتقون مع هؤلاء بنفس نمط التفكير وإن أنكر البعض منهم تعصبهم القبلي أو (الجهوي) أو الاجتماعي، لأن النظرة القاصرة للمرأة وكينونتها ودورها في المجتمع ومن ثم الوقوف ضدها في كثير من مجالات الحياة، هي نظرة تنطلق من فكر منغلق، ولو تأملنا في سلوك المتضادين مع المرأة، لوجدنا الكثير من التصرفات والتعاملات الشخصية التي تشير إلى نرجسية واستعلاء على الآخر ونظرة فوقية، وهي أشياء تنطلق من الذات لتنسحب على ما هو أشمل وأكثر، فمن يرى بأنه أعلى أو أفضل فكراً من المرأة، مهما بلغت من شأن ثقافي، هو في نفس الوقت يرى أنه أفضل من فلان وعلان من أبناء مجتمعه، وعائلته أفضل من هذه العائلة وتلك، ونفس الأمر ينطبق على قبيلته أو منطقته.. وهذا الأمر لا يسلم منه حتى من ينطلقون في أقوالهم وأحكامهم وقوانينهم ضد المرأة من منظور ديني..وقد قالت الأستاذة سهام في كتابتها تلك: (أعتقد أن الحكم على قيمة ومستوى أفق الإنسان يعود إلى قدرته على التفكير والتخطيط والعطاء والإنتاج والتغيير) وهو ما اتفق معه تماماً به، لكني أشك في أن من تشربوا ثقافة التمييز، سواء ضد المرأة أو ضد الآخر أو ضد فئة أو قبيلة، يمكن أن ينظروا بعين مستوعبة وفكر يعقل وضمير يقدر، إلى الإنجازات والعطاء أو الدور المهم والفاعل لمن يقفون ضده وضد حقوقه سواء الإنسانية أو الوطنية، تماماً كما هو الأمر مع عين السخط ذات النظرة الظالمة والتي لا ترى إلا المساوئ.
وفي تصوري أن المرأة السعودية، سواء كانت ذات حضور وطني ثقافي مهم أو كانت مجرد ربة بيت، ستظل تعاني من تلك النظرة القاصرة والبائسة لها، وذلك لأن هناك (شرعنة) مستمرة للتعاملات المتخلفة مع المرأة، وبذلك فحتى لو حدثت لمجرد السلطة الذكورية أو تبعاً للعادات والتقاليد الجاهلية، فإنه يوجد من يدخلها تحت مظلة الشريعة ويلبسها لباساً دينياً يحشرها كيفما اتفق ضمن ما تعنيه الآية الكريمة (الرجال قوامون على النساء) ولعل ذلك هو ما جعل كثيرا من نساء الوطن يتقبلن كل ما يتعرضن له من استبداد ويتعايشن مع معاناتهن المستمرة، بدون أي اعتراض أو احتجاج، بل إن بعضهن تثور ضد من يطالب بحقها كإنسان وكمواطنة، وذلك لأنهن مؤمنات، ومن منطلق ديني، بأن تلك التعاملات البائسة هي فعلاً ما اختاره الله والإسلام للمرأة. وبذلك فإنه مع وجود قليلات مثل الأستاذة سهام ممن يدافعن عن حقوق وكيان المرأة، فإنه في نفس الوقت يوجد كثيرات يقفن بصف من يقف ضد المرأة! بمعنى أنهن يقفن في الجانب المضاد لحقوقهن وكيانهن، وبذلك يظهرن كالضحية الذي يساعد الجلاد ضد نفسه!.. ولذلك فإني أعتقد بأن المرأة السعودية لن تستطيع أن تحصل على كل حقوقها كإنسان وكمواطنة إلا بعد أن تتخلص من عقدة الشعور بالنقص تجاه الرجل أو عقدة التبعية له، إنها لا تساوي شيئاً بدونه، ولا بد أن يبقى صاحب الكلمة والرأي الأول والأخير، وأن هذا التفكير هو ضمن الإيمان وطاعة الله.. وبما أن الجاهل عدو نفسه فإن المرأة ستظل عدوة نفسها - وهنا أتحدث من منطلق عام وحسب الشريحة الكبيرة من صاحبات التفكير النمطي - لعدم وعيها بأن العصر ليس عصر الجواري والحريم ليظل الرجل هو سيد الموقف في كل أمور الحياة، لأنه حتى وإن وجد كثير من الرجال ممن يتفقون وهذا التصور، ويسعون لتطبيقه في كافة نواحي الحياة بما يأتي على حساب المرأة، فإننا في عصر لا يستطيع فيه الرجل مهما حاول أو إدعاء أن يظل هو سيد الموقف في كل الأحوال، فهو عملياً وإن بقي سيد الموقف في بيته أو في بيئته، لن يكون كذلك خارجهما، وفي نفس الوقت فإن حياة الرجل في العصر الحاضر والمستقبل ستكون في غاية البؤس بدون أن تكون المرأة حاضرة بها، ليس كتابعة له أو كمكملة حياة، وإنما كشريك حياة ومصير على المستوى الشخصي والعام، له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، هذا الأمر وإن لم يؤمن به أصحاب الفكر المنغلق، ولم يستوعبه أصحاب الإحساس المتبلد، فإنه سيكون واقع الحال العام والتام في يوم ما، وسيكونون شواذاً فيه، وعندها لن يكون لعدم الإيمان به أو عدم استيعابه أي معنى أو تأثير. إنني إذ أردد مع الأخت سهام جملتها (لا للتمييز ضد المثقفة) فإني أفعل لأن ذلك يدخل ضمن مواجهة التمييز ضد إنسانية المرأة المواطنة بشكل عام، مختتماً بالتقدير الكبير للأخت الأستاذة سهام القحطاني، والتي أتابع أطروحاتها المتميزة في (المجلة الثقافية) بإعجاب.. وأتمنى للمجلة العزيزة ولمدير أنهارها وأمطارها العزيز الدكتور إبراهيم التركي، ولكل القائمين عليها، المزيد من التوفيق والتألق والنجاح.
محمد صلاح الحربي
www.mdaalbar.com