التاريخ يمنح المرأة فرصة جديدة لتكون شيئاً آخر غير المرأة ودار الفاربي تتولى إصدار كتاب (المعجم الشامل لعلماء والمخترعين) المنطوي على زهاء ثلاث آلاف اسم مبرّز في مجالات الكشف العلمي واللافت وغير اللافت هو غياب حضور المرأة ضمن هذه اللوائح الممتدة إلاّ في ثماني تجارب اكتشافية وهي على النحو التالي: جارنود آليوت وهي طبيبة أمريكية اكتشفت أصنافاً دوائية مشاركةً مع طبيب. والثانية مرغريت باري عالمة فيزيائية فرنسية اكتشف عنصر الفرانسيوم. والثالثة رزواليند فرانكلين عالمة أحياء بريطانية نالت جائزة نوبل والرابعة رينا ليفي مونتا ليشينى وهي طبيبة أعصاب وباحثة إيطالية نالت جائزة نوبل مناصفة مع رجل. والخامسة هنرييتا عالم الفلك الأمريكية قدمت دراسات مرصدية فلكية مهمة في هذا الحقل. والسادسة برباره ماكنتوك وهي اختصاصية وراثية أمريكية حائزة على جائزة نوبل. والسابعة كارل جانر ميردال المسؤولة السياسية السويدية قدمت بحوث متميزة في الأزمات الاقتصادية والتوازن المالي. ووفق هذا التناسب يكون هناك عالمة أو مخترعة إزاء 375 عالم مكتشف.
هذا المعجم الدقيق يقدم مادة ثرّة لمزيد من البحث في شأن إنجازات المرأة العلمية وخلفيات الضعف المروع في إسهاماتها لإنجاز المجتمع العلمي الحديث وهل التطور العلمي المذهل في ظل غيابها يشي بمُكْنة تقدمات إنسانية أخرى تظل فيها المرأة غائبة أيضاً ومن المحسوم به أن ظهور المرأة أخذ منحاه التصاعدي مع الثورة الفرنسية ونهوض الحس الحقوقي الذي شمل كثيراً من المناحي والمكونات التي كانت مهمشة ومن هذه المكونات المرأة والطفل والفقراء والأقليات. ونهضت الدولة الحديثة على تأمين الحق الطبيعي لكل هؤلاء ولكن عند تتبع هذا الصعود في اكتساب الحقوق نلحظ أن المرأة مكونٌ لم ينل حقه بنفسه بل بحالة من التحدي تبناها رجلٌ ضد رجلٍ. وبصرف النظر عن خلفيات هذا التحدي إلاّ أنه نجح في الانتزاع القسري نجاحاً لم تشارك فيه المرأة لأنها لم تطالب به فالثورة الحقوقية شملتها أو عصفتْ بها أو جرفتها لأن قدرها أن تكون في طريق هذا الطوفان. إذاً النمو الحقوقي للمرأة لم يكن طبيعياً لأنه لم يكن مقصوداً لذاته فكانت النتيجة على نحو ما طرحه هذا المعجم حيث كرس لغياب حقيقي عن النظرية.
يطرح البعض سبباً لهذا الغياب ذا صلةٍ بملابسات الأمومة ومباشرة الطفل وعقله ما ينعكس سلباً على صنع وتداول أدوات التفكير النظري في منظومتها الذهنية وهذا ما ينسحب بالضرورة على العبيد الذين نالهم شيء من خير الثورة الحقوقية إلاّ أن العبد أبعد ما يكون عن التنظير للسبب ذاته الذي مس المرأة والمتعلق تحديداً بالملابسات ومباشرة همّه العبودي الذي لا يفتأ يلح عليه ويستولي على مشروعه النظري لديه. إذاً لماذا أبدعت المرأة والعبد (الحر فيما بعد) في الفن السينمائي والغنائي والتشكيلي وسائر الحقول منبتة الصلة بالاكتشاف والاختراع ذي التحديد العلمي الصارم. وللتجاوب أكثر مع هذا المعطى يجدر بنا أن نحدد درجة القدرة أو العبقرية المتطلبة للتبريز في هذا الصنف الفني وهذا لا يتأتي إلاّ برصد معجمي للمتفوقين في هذه الفنون والذي سيجيب على توافر هذا الزخم المهول من النساء وغيابهن عن الاختراع إلى درجة الصفر وكأن ما تتعبقر فيه المرأة يتعقبر فيه الرجل والعكس غير صحيح. إن أمام المرأة أسئلة جدّ محرجة بشأن دورها في التقدم العلمي والتقني وما تطالعنا به هكذا معاجم يشي بعدم اكتراث مسيرة البحث العلمي بالمرأة وما تحاول أن تقدمه للعلم والعقل بل هذه التهمة قد تحجم أهميتها ودورها في مسيرات الإنسانية كافّة وما أنجزته المرأة في حقل الفنون السينمائية والغنائية لا يتطلب القدرة والجهد والمثابرة بل مهارة سهلة في ثقافة سهلة والمهارة شيء والعبقرية والقدرة المكتشفة شيء آخر.
إنني أجد المرأة في حالة تراجع حقيقي في حقل الاكتشاف العلمي فآخر مبتكرة ولدت في (1909) وتوفيت في (1975) كما ورد في المعجم والبقية القليلة بّرزْنَ في مفتتح هذا القرن أي أن اكتساب المرأة مزيداً من الحقوق ينعكس سلباً على انجازها في حقل التقدم العلمي على الرغم من أن المشتغلات بالبحث العلمي تضاعفْن مئات المرات دون ثمرة على مستوى الجديد النظري والعلّة تؤول إلى الخلفية الثقافية التحريضية لدعم حقوق المرأة التي تتخلص من علّة الطارئ الإنساني وأبقت المرأة في حيز التوتر واللاطبيعي واستمرت خانتها مستهدفة لأي مشروع تغيير وتحولت المرأة من طرف إصلاحي إلى مادة إصلاحية شغلتها ثقافة التحدي إلى الاشتغال بالقوة والاكتساب والانتصار وسيطرت هذه الهواجس الدخيلة على اكتساب أدوات التلقي والمعرفة إذاً المرأة مشغولة بالمرأة وليس التقدم العلمي وهذا سبب مهم لهذا العزوف عن الاندماج مع النظرية.
مشاركة المرأة في التقدم العلمي يتطلب تلقائية حضورها في ميدان المعرفة وهذا ما يصعب تحققه لأنها لازالت تشعر أنها دخيلة على مختبر الطب والكيمياء وكيف تتحقق التلقائية وأصل هذا الحضور أُسس على تحدٍ والتحدي طارئ بطبيعته والطارئ غير تلقائي.
إن بروز بعض النساء في حقول مهنية محّددة جاء لأن القدرة المهنية والمنطوية على الحكمة المهنية تتطلب قدرة ثقافية طارئة لأن الطارئ ينجز الطارئ فضلاً عن صياغة بيلوجية معينة تتحكم بحالة التلقي لدى المرأة يؤكدها هذا المعجم. تنعت رئيسة وزراء مارجريت تاتشر ب (المرأة الحديدية) وهذا إمعان واضح في وصف الطارئ فلو كانت رجلاً لما كانت (رجلاً جديداًَ). إذ الحديد تعبير عن القوة وكأن القوة حالة طارئة على المرأة فارتد هذا اللقب المدحي إلى ذَمّي ارتداداً تتحكم به ثقافة الطارئ المتحدر من خلفيات الطارئ الذي عالجته سلفاً.إن تغييب المرأة عذرٌ ساذج وغير واعٍ ولم يُعد مقبولاً عصرياً وعلى أنصار المرأة - وكلنا أنصارها - أن يُعملوا ويكدوا قدراتهم لكشف ضعفها في المجال التقدمي فالعلم يتقدم وسيتقدم دون الحاجة إليها وهذه حقائق عينية ترصها وسائل الإعلام يوميّاً أمّا نجاحاتها في مجال الكتابة والرواية فهذه فنون تحليقية والعصفور يستطيع التحليق فهو يطير ويحط دون أن ينجز أي تقدم إلاّ لنفسه وعشه فضلاً عن أن الأدب منبت معرفياً عن العلم وغير محسوبٍ عليه وعمل إنجاز أدبي لا يصب في مسيرة تطور الإنسان.إن الأدب والفلسفة خارجان عن نجاحات الإنسان ومحاولة تواجدهما في المنجز التقدمي هو محاولة متطفلة مؤذية بل هما معطِلان حقيقيان للتقدم العلمي الحقيقي.
الرياض
hm32@hotmail.com