كنت حين ألتقي بشخص لم أره منذ تخرجت من الثانوية يسألني باستغراب: (لماذا تخصصت في التربية الفنية؟) كوني من وجهة نظرهم من المتفوقات المتخرجات من القسم العلمي، والشائع أو ما يعتقده الأغلبية أن ممارس الفنون (سواء أكانت فنوناً بصرية أو لغوية كالشعر والرواية.. إلخ) هو من لم يستطع التفوق في المجالات العلمية أو التفوق بشكل عام، إلا أن التجربة والتاريخ أثبتا عكس ذلك. وربما كان ليوناردو دافنشي مبدع الجيوكندا (الموناليزا) مثال واقع على هذا التصور، حيث كان عالماً مهندساً مخترعاً وفناناً، ولكي نكون أكثر قرباً بأمثلة محلية لنا في كل من الفنان الشاعر خالد الفيصل واللأديب الروائي غازي القصيبي مثالان حيان لهذا النبوغ الإبداعي بجانب النبوغ العقلي الذي ميزهما في المجال السياسي والإداري.
فهذان العظيمان نتيجة للعبقرية التي يمتلكانها والمهارات اللاإدارية استطاعا أن يكونا رمزين وطنيين في هذين المجالين، ولكن ما يهمنا هنا هو الفكر الفني.. فخالد الفيصل أطربنا بقصائده، ولا يختلف الفن البصري عن الأدبي أو اللغوي، فمن حالفه الحظ بمشاهدة إبداعات الفيصل التشكيلية يستطيع استيعاب ما أردت الحديث عنه، والحالة تتكرر لدى القصيبي الذي أثارنا برواياته وقصائدة مما يجعلنا دوماً في حيرة في محاولة لمعرفة من أين له الوقت للسياسة والإدارة والإبداع؟.. طبعاً النبوغ بشكل عام لا ينحصر في مجال واحد فمن يحمل درجة عالية من الذكاء يستطيع ممارسة عدد من المجالات بنفس الكفاءة، وإذا كان هناك تصنيف للذكاء فالبعض يمتلك عدداً من تلك الأنواع، ولقد شهدت بنفسي ذلك من خلال البرنامج الإثرائي الصيفي للفنون التشكيلية الذي رعته مؤسسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع، حيث تم اختيار عدد من الموهوبات من قبل وزارة التربية والتعليم بناء على الموهبة في المجال التشكيلي ألا أننا أكتشفنا أن غالبيتهن موهوبات في مجالات متعددة ويمتلكن مقومات الإبداع إضافة إلى نسبة عالية من الذكاء مما يؤهلهن على سبيل المثال ليكونوا طبيبات أو مخترعات وفنانات تشكيليات في الوقت ذاته.
خلاصة القول؛ الفنان ليس إنساناً لم يستطع التخصص في أي مجال آخر مما جعله إجبارياً يتجه للفن.. إنما هو إنسان يمتلك مهارات عالية وقدراً من الذكاء مما يؤهلة لحل إشكاليات المنظور والتكوين واللون وغيره من أسس العمل الفني، فهو موهوب!.
كما نوجه النظر إلى أولياء الأمور الذين لا يحبذون انخراط أطفالهم في هذا المجال أو التخصص فيه لاحقاً، إلى أن ميلهم ربما كان خيطاً دالاً على نبوغهم، ولا ننسى أن شدة الذكاء أو العبقرية التي لا تفصلها عن الجنون سوى شعرة هو ما ميز العظماء في تاريخ الفن.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب (7816) ثم أرسلها إلى الكود 82244
- الرياض
msenan@yahoo.com