في محيطنا التشكيلي الكثير من كنوز الإبداع والمبدعين تجعلنا في مأمن وأمان كبيرين على مستقبل هذا الإبداع الثقافي الذي يحظى بالتقدير العالمي ويجد الدعم في محيطنا المحلي، ومبعث هذا الاطمئنان يأتي نتيجة ما نشاهده بين فترة وأخرى من نجوم لها لمعانٍ مختلف عمّا يزين سماء الساحة من نجوم هذا الفن من الجنسين، رجالاً ونساءً مع احتفاظنا بحقوق الجميع بأن الفن لا يقيد أو يتعلق أو يخصص لجنس دون آخر وإنما نجد في التسمية تمييزاً في الاسم وليس الفعل الإبداعي، ومن هذا المنطلق ومن خلال ما يلفت نظرنا في الساحة من أعمال تستحق الإشادة والدعم الإعلامي عوداً إلى ثقتنا في هؤلاء المبدعين بأن لديهم ما يجعلنا نقدمهم بكل اعتزاز مستشرفين مستقبلهم القادم بما يحملونه للساحة من تميز وتطور وتجديد يسعدني في هذا الأسبوع أن أقدم الفنانة نادية الحميد كنموذج من نماذج الجيل الجديد من التشكيليات مع وعدنا بأن نستمر في تقديم أسماء أخرى ننتقيها من بين الأسماء الكثيرة من التشكيليات والتشكيليين الذين يضيئون الساحة التشكيلية بشموع إبداعهم.
سيرة ذاتية
الفنانة نادية حميد محمد الحميد محاضرة في جامعة الرياض. تحمل درجة الماجستير تربية فنية من جامعة الملك سعود عام 1426هـ، حالياً طالبة دكتوراه في جامعة الرياض للبنات تخصص رسم وتصوير. شاركت بمعارض كلية التربية للاقتصاد المنزلي والتربية الفنية. ومعارض الفنون التشكيلية بمهرجان الجنادرية (15- 16-20-21) والمعارض التابعة لمؤسسة الفن النقي.
والعديد من المشاركات في معارض داخلية.
حصلت على جائزة المركز الأول في معرض الفنانات الواعدات عام 1419هـ وحصلت على العديد من الجوائز وشهادات الشكر والتقدير.
شاركت في عدد من الفعاليات منها ورشة العمل الخاصة بالطفل التابعة لمؤسسة الفن النقي.
ومشاركة في محاضرة (دور التربية المتحفية في تفعيل المتاحف) المقامة في المتحف الوطني.
عضو هيئة تدريس في الملتقى الصيفي الثاني للموهوبين بالفن التشكيلي في مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين.
تلقت العديد من الدورات منها دورة في التصوير الفوتوغرافي. ودورات التصميم في الحاسب الآلي. والورشة الفنية للتشكيليات والحرفيات 1428هـ.
اختزال زوايا الجمال
تحمل الفنانة نادية الحميد عشقاً مبكراً لجمال البيئة والتراث، باعتبارهما عنصرين يشكلان الهوية الحقيقية للمشهد البيئي في محيطنا العام، كان لي نصيب من مشاهدة أعمالها في عدد من المعارض وكان أقربها معرض التشكيليات مع ما شاهدته عند مشاركتها في مسابقة السفير خلال عملي كعضو في اللجنة المنظمة للمسابقة، والفنانة نادية الحميد تجمع المعاصرة والتراث من خلال تعبير فني عالٍ تحرك من خلال اللوحة برموزها وإشاراتها بإيقاع جمالي تعيد فيه صياغتها بشكل جديد لتكمل به عناصر الجمال في الطبيعة.
نجحت في الجمع بين التقليدية في التنفيذ وبين التعامل مع العناصر بتوجه أقرب إلى السريالية والرمزبة تنشغل كثيراً في بعض أعمالها بالتفاصيل سعياً لإثبات ما تمتلكه من دقة في التكنيك ومعالجة اللون وتقريبه للعين وللذاكرة، استحضرت في ألوانها الدفء في كثير من الأحيان باستخلاصها الألوان الساخنة، تزاوجها في أحيان أخرى بالألوان الباردة وجعلت للنخلة والمصنوعة الشعبية قيمة جمالية بتوظيف عصري غير مكرر أو مستنسخ بل بصياغتها الخاصة، تلامس وجدان المتلقي وتدفعه للحوار.. استطاعت الفنانة نادية الحميد أن تعقد علاقة بين متطلبات الجمال ولغتها الفنية للبحث عن مستلزمات الأسلوب، وقدمت بذلك أعمالاً فنية ذات مضمون تراثي بيئي ثابت وإنساني عبر الأثر والشكل دون اقحام للجسد، بهذا يمكن القول: إن أمام الفنانة نادية تجارب قادمة تحتاج إلى أن تحتفظ بما اكتسبته فيما سبق وتلمس الجديد دون قفز أو تجاوز لمراحل دون أخرى فمكتسباتها الحالية تؤهلها لتحقيق النتائج.
بحث عن أعماق الفكرة
تنوعت أعمال الفنانة نادية الحميد بين الإيحاء وبين المباشرة ففي لوحاتها التي نختار منها لوحة المزرعة كنموذج لمرحلة من تلك المراحل مع أن التسمية أحياناً تقتل الفكرة، نرى نصاً بصرياً يقارب بين الواقع وبين ما ترمي إليه الفنانة خلف الشكل بمضمون يلامس وجدان المتلقي عبر رموز يعرفها مباشرة فإيحاء الخشب وتعتيق المسامير وتوزيع المساحة يوحي بالعلاقة بالقديم من خلال الثابت في الأبواب أو نوافذ البيوت العتيقة في قرى نجد، بينما نجد طرف سعف النخلة يطل كجديلة تمد أطراف ذوائبها تجاه زنبيل التمر المزين بقطعة نسيج طرزتها جدتي أو جداتكم وفي طرف اللوحة الآخر أخذت أوراق شجرة طرية اللون تشعرنا بالحياة والارتباط بالقائم حالياً وتؤملنا في المستقبل ليستمر النظر في هذا الاتجاه خروجاً نحو الداخل المحيط الحقيقي في معترك الحياة. أما في لوحة انتظار فالأمر قد تبدل نحو البحث عن أعماق الفكرة دون مباشرة برز فيها الرمز في الكتلة على حساب بقية العناصر اللونية والخطية مع ما أضفته تلك العناصر من بناء مكتمل في اللوحة في محاولة من الفنانة نادية للوصول إلى أسلوب يختص بها مع أن الأسلوب يأتي طواعية وتلقائياً من خلال التجارب المدفوع بالموهبة التي يمتلكها الفنان وصولا إلى مرحلة النضج وهو تحقيق الخصوصية مع أن الأمر لا يأتي كما نتوقعه في أقرب الفرص أو من تجربة عابرة.. بل من تصاعد مستمر نحو التكامل وهذا الأمر أصبح قريباً من خطوات الفنانة نادية التي تخطوها بفاعلية نفسية وتقنية، تشكل غذاء التجربة التي تسعى لتجاوزها نحو تطور فني سريع. إذ إن لديها ما تريد قوله نحو عالمها التشكيلي المطلق.
في أعمالها ما يدفعنا للنظر بتكرار لا يمل بحثاً عن نهاية للكثير من الإيحاءات التي تجبرنا على التواصل والاستمرار في الانغماس في ثناياها، وجدلية عطائها. كقصيدة لأي شاعر يترك لك المشاركة في إعادة صياغتها، هكذا هي لوحات الفنانة نادية الحميد كما أراها، وضعت فيها المهارة في التقنية، مستلهمة الحياة بكل أشكالها بإيجاز محكم ومدروس، جعلت من فنها سبيل بحث واستقصاء لمكامن الجمال، عبر توغل غير مغامر أو مرتجل، جمعت فيه الإحساس البصري والشعور النفسي معاً، ومع أنها قدمت لنا نموذجا جديدا في تجاربها إلا أنها لا تعني أية نقلة غير منطقية في خط سيرها.
بقدر ما تكشف لنا توتراً إيجابياً في وجدانها، يؤكد بناء تكوينها الإبداعي الذاتي والموضوعي، بين ما تسعى للتعبير عنه وبين الشكل الذي تريد تكوينه.
اسم يضاف للسابقين
ما يمكن الختام به أن الفنانة نادية الحميد ستكون أحد الأسماء التشكيلية الفاعلة والمهمة في ساحتنا التشكيلية مع ما نراه من الأسماء المتميزة التي تبرز من بين الكثير من الأسماء التي امتلأت بها الساحة اليوم من العنصر النسائي نأمل أن نجد الوقت لاستعراضها والتعرف على تجاربها والتعريف بها للساحة في هذا الوقت الذي تتلقى فيه هذه الساحة الكم الكبير من خريجات أقسام التربية الفنية بكلياتنا وجامعاتنا، مما يعني أن اقتناص المتميز سيكون صعباً والتعرف عليه سيكون أصعب خصوصا أن هناك من المبدعين والمبدعات من يتردد في التواجد والمشاركة أو تقديم إبداعه للإعلام عودا إلى عدم قناعتهم بالواقع الذي أصبح يعج بكل المتناقضات وبالمستويات الغالبية فيها لا يصلح لأن يطلق عليهم أو عليهن صفة الفنان.