بدت البلدة في الصباح الباكر مقيتة، شاحبة، وكأنّ هواء أصفر لفحها، فقد طُليت الجدران كلّها باللّون الترابيّ، وكذلك درّابيّات الدكاكين، وأبواب البيوت، ونوافذها، وأسوارها. ولم تنجُ حواف الأرصفة من تلك اللّوثة الصفراء التي أصابت البلدة.
أمّا أطفال تلك البلدة فقد بدا منظرهم مضحكاً بلباسهم المدرسيّ الجديد، ذي اللّون الأزرق القاتم، فبلدتهم على تخوم البادية، التي لوّحتهم شمسها الحارقة، هذا فضلاً عن بشرتهم البنيّة أصلاً، فزاد لباسهم قتامتهم قتامة، بشكل يغمّ نفس ناظرهم، ويحزنه على طفولتهم الداكنة في الوقت ذاته.
لكنّ الوضع الأكثر غرابة الذي انتاب البلدة، هو حالة الإسهال العامّة التي أصابت الناس، فتجمهروا أمام المستوصف، وعيادة الطبيب، والصيدليّة، أمّا من سافر منهم إلى المدينة قاصداً مستشفى، أو طبيباً، فقد عانى الأمرّين نتيجة التوقّف المتكرّر على الطرقات، لقضاء حاجة ملحّة جرّاء الإسهال. ولم يكن سبب الإسهال وباء، أو جرثومة، أو موجة برد، بل هو زيت الخروع، إذ نشطت في الآونة الأخيرة الدعاية لفوائده العظيمة، في تقوية الشعر والأظافر، وإذابة الشحوم، وتنعيم الجلد، وزيادة الذكاء، وشفاء العلل...
وبناء على ذلك، تمّ طرحه في سوق البلدة، ولم يقتصر الناس على الادّهان به، بل راحوا يتناولونه، ويستخدمونه في الطبخ، بدل زيت الزيتون!
في الحقيقة، لم يكن وراء تلك الظواهر الغريبة في البلدة سوى العمدة، الذي ساهم في صفقة طلاء كسد فيها اللّون الترابيّ، ثمّ أبرم ابنه صفقة قماش، فبارت تجارته في اللّون الأزرق القاتم، وأخيراً وليس آخراً، جاءت صفقة زيت الخروع!
*****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7875» ثم أرسلها إلى الكود 82244
* مدرّس الأدب العربيّ الحديث والآداب العالميّة في جامعة حلب