قال امرؤ القيس:
أَلا لَيتَ شِعري كَيفَ حادِثُ وَصْلِها
وَكَيفَ تُراعي وَصلَةَ المُتَغَيِّبِ
يتمنى امرؤ القيس أن يعلم حال صاحبته بعده؛ إذ يقلقه أن تواصل غيره فهو لا يعلم ما الجديد في وصالها، ولا يعلم أتذكره وهو بعيد عنها فتراعي ذكراه وهو غائب عنها، ومنذ العصر الجاهلي إلى يومنا هذا يستعمل الناس (ليت شعري) ولكنهم لكثرة استعمالهم ولقلة مراجعة أصول لغتهم صار استعمالهم له استعمالاً وظيفيًّا أي يعلمون أين يضعونه من كلامهم، وإن جهلوا معناه المعجمي، فقد صار مسكوكة جامدة. وأما الناس اليوم فاختلطت عليهم الأمور فظنوا أن (الشعر) في هذا التركيب يقابل (النثر)؛ إذ نجدهم يقيسون عليه تركيباً آخر هو (ليت نثري). ونجد شواهد هذا الخلط في نصوص كثيرة، منها ما جاء في خطبة الجمعة في موقع وزارة الأوقاف في الكويت قال عن الراحل الشيخ جابر الأحمد: (فيا ليت شعري أيذكر الذاكرون خيرية مستقرة في نفسه الطاهرة؟ ويا ليت نثري أيصف الواصفون خيرية امتدت إلى أصقاع الأرض العامرة؟. وجاء في قصيدة لهيفاء اليافي في(موقع بشير أبونجم):
ليت نثري.. ماذا دهاني..
يعاقبني دهري.. أم يراودني زماني..
قلت له اذهب.. فلماذا أتاني..
وقال محمد محمود مرسي في (موقع الشاعر عبدالرحمن يوسف):
ليت شعرى ليت نثري
يقتفيكَ إليكَ يسْري
بالردى إنِّي أُحاجِجُ
إذْ عساكَ الآنَ تَدْري
والطريف أن يستعمل عنوانًا لكتاب (ليت نثري: كلمات لها قضية تربوية وما أتت من فراغ كتبه: علي محمد العيسى، نشر في (1417هـ1996م).
وأما الأصل اللغوي للكلمة (شِعْر) فهو كونه مصدرًا للفعل شَعَرَ، فكما نقول: علم عِلْمًا، نقول: شعر شِعْرًا. جاء في معجم (العين): (وشعرت بكذا أَشْعُرُ شِعْرًا لا يريدون به من الشِّعْر المبيَّت، إنّما معناه: فَطِنْتُ له، وعلمت به. ومنه: ليت شعري، أيْ: علمي).
ومن أجل هذه الفطنة سمي الشاعر بذلك، جاء في معجم (الصحاح): (قال الأخفش: الشاعِرُ صاحب شِعْر. وسمِّي شاعِرًا لفِطْنته). وفي كتاب (الاشتقاق) لابن دريد: (وقولهم: ليتَ شِعري، أي ليت عِلْمي، ليتني أشعُر بكذا وكذا). والذي ننتهي إليه أنه لا صحة لاستعمال (ليت نثري) إلا في سياق ساخر حيث تغتفر المفارقات.