يطلق العرب على لغتهم مفتخرين لقب لغة الضاد، وبهذا تغنى شعراؤهم منذ المتنبي الذي قال:
وَبِهِم فَخرُ كُلِّ مَن نَطَقَ الضا
دَ وَعَوذُ الجاني وَغَوثُ الطَريدِ
ولكن هذا الحرف من العربية على الرغم من احتفاء الناس به هو من أقل الحروف استعمالاً في ألفاظها، ومن أثقلها على اللسان، ولم يستطع أحد المحافظة على نطقه كما وصفه القدماء بل اختلط أداؤه بأداء صوت آخر هو الظاء. ولعل الاحتفاء به مردود إلى أمرين أحدهما ارتباط الضاد بفصاحة الرسول صلى الله عليه وسلم فروي أنه قال: (أنا أفصح من نطق بالضاد)، والأمر الآخر توهم القول بتفرد العربية بالضاد. وأما أهل الحديث فينكرون هذا القول فيجمعون على أنه موضوع. وأما الأمر الثاني فالخليل أكد في موضعين من معجم العين على أن الظاء هي الخاصة بلغة العرب، وابن فارس يقول إن الظاء والحاء للعرب. واختلف القدماء في وصف الضاد، فالخليل وصفها بأنها تخرج في شجر الفم أي وسطه، وأما سيبويه فغاية ما نفهمه من وصفه أنه صوت مطبق يصاحبه اقترابُ اللسان نحو الأضراس من جهة الفم اليسرى أو اليمنى. والذي نميل إليه أن الجانبية أو الشدقية صفة لها. والأمر الذي يكاد يتفق عليه اللغويون هو اختلاط الصوتين الضاد والظاء. والمحدثون أشاروا إلى هذا، ولكنهم يشيرون إلى صورتين صوتيتين للضاد إحداهما وقفية كالدال والأخرى غير وقفية وهي المطابِقة للظاء. وما زلنا في البلاد النجدية وما جاورها لا نسمع غير الظاء، فكل ما يكتب بالضاد ينطق ظاء. ولم تعرف الضاد الوقفية في نجد إلا بعد توافد القراء من مصر والشام ونشرهم لطريقتهم في أداء الضاد، ومع ذلك ظل التمييز بين الصوتين غائباً وآية ذلك تظهر في تدوين أسماء الناس (الإعلام). وأما الضاد التي وصفها سيبويه، وألح المجودون على وجوب إتقان أدائها فهي في نظر الدارسين المحدثين كما هي في نظر القدماء من نحاة ومجودين قريبة من الظاء. ولم يسلم من الخلط بين الضاد والظاء قراء القرآن حتى رأينا علماء القراءات يؤكدون على وجوب الفصل بينهما، بل إن أمر اختلاط الضاد بالظاء يُرد في بعض الروايات إلى عهد الصحابة. والذي نريد الانتهاء إليه هو أنه ما كان لهذين الصوتين أن يختلطا لو أن لكل منهما مخرجه المباين لمخرج الآخر. وهذا مؤشر قوي إلى أن الضاد في حقيقتها ظاء مع صفة إضافية هي الجانبية، فإذا فقدت هذه الصفة عادت إلى أصلها فاختلطت بذلك الأصل. وقال ابن زياد الأعرابي اللغوي المشهور (توفي سنة 231 هـ) إنه يجوز عند العرب أن يعاقبوا بين الضاد والظاء. وجاء في كتاب (بغية المرتاد لتصحيح الضاد) للمقدسي (1004هـ) أن من أفاضل الناس في القاهرة من ينطق الضاد ممزوجة بالدال المفخمة والطاء المهملة، وينكرون على من ينطقها قريبة من الظاء بحيث يتوهم بعضهم أنها هي. وذكر المقدسي اثني عشر دليلاً على أن اللفظ بالضاد كالظاء هو المقبول. وننتهي إلى أن الضاد ليست سوى الظاء ولكنها رسمت برسم يختلف عن الظاء، أي هما صوت واحد رسم برسمين (ظ/ ض).