أعلم أنني في هذه الورقة، بالرغم مما يبدو من بساطة عنوانها، قد ارتقيت مرقىً صعباً، لا قِبَل لي بتبريره وتحمّل تبعاته التوثيقية، ذلك أن من الصعب الإحاطة بكل أسماء الراحلين والعثور على تراجمهم ومعرفة تواريخ وفاتهم.
أما المسألة الأصعب فإنها تحديد المفهوم من مصطلح (الريادة)، التي تظل قضية نسبية وخلافية، ينظر إليها كل فريق من منظور مغاير لما عند الفريق الآخر، لكنني عنيت بها في هذه الورقة: الدور البارز، وربما غير المسبوق، الذي بقي تأثيره في مسيرة الإعلام، على النحو الذي ستوضح الصفحات القادمة مكمنه عند كل شخصية يرد ذكرها.
إن الالتزام بهذا التصنيف، وبمفهوم (الريادة) الذي اختطته الورقة، قد يخرجان العشرات من الذين يُتوقع ذكرهم، حيث صعُب وضعهم ضمن هذا المفهوم، وإن كان اجتهادي هذا لا يقلل من منزلتهم الفكرية والثقافية والأدبية.
وكنت في محاضرة سابقة، ألقيتها منذ عامين، تحدثت عمن سبقنا إلى الدار الآخرة قبل تاريخ إنشاء وزارة الإعلام عام 1382هـ (1962م) لكونه تاريخاً مميزاً، يأتي - تقريباً - في منتصف العمر السابق للإعلام السعودي (85) عاماً.
إن من المعروف أن البداية الفعلية للإعلام السعودي، تؤرَّخ مع دخول إقليم الحجاز في الحكم السعودي المعاصر (سنة 1343هـ - 1924م) حينما صدرت الجريدة الرسمية (أم القرى)، غير أن جذور هذه البداية تمتد إلى مطلع القرن الرابع عشر الهجري (1300هـ - 1883م) بجلب أول مطبعة إلى الحجاز في أواخر العهد العثماني.
ثم مرَّ الإعلام السعودي إدارياً بثلاث مراحل، لا بد من إيضاحها في مقدمة هذه الورقة:
المرحلة الأولى: إنشاء أول مديرية للمطبوعات، صدر بها أمر الملك عبدالعزيز مطلع سنة 1345هـ (1926م)، ما لبثت أن سمّيت (قلم المطبوعات)، وارتبطت بوزارة الخارجية بعد إنشاء الوزارة عام 1349هـ (1930م).
وفي تاريخ لاحق من هذه المرحلة، أُنشئت مديرية الإذاعة عام 1368هـ (1949م) تابعة لوزارة المالية، ثم أصبحت مديرية مستقلة بعد أربع سنوات (في أواخر عهد الملك عبدالعزيز).
المرحلة الثانية: دمج هاتين المديريتين في كيان جديد سمي (المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر)، صدر بإنشائها مرسوم ملكي في مطلع عهد الملك سعود (1374هـ - 1955م)، ودامت ثماني سنوات.
المرحلة الثالثة: تحويل تلك المديرية في أواخر عام 1382هـ (1962م) إلى وزارة الإعلام، وذلك قبل عامين من نهاية عهد الملك سعود.
وبما أن المحاضرة السابقة قد غطَّت فترة ما قبل تأسيس وزارة الإعلام، فإن هذه المحاضرة ستركز على تراجم أبرز الراحلين من رواد الإعلام بعد ذلك التاريخ، وقد تم تقسيمهم إلى مجموعتين: مجموعة انحسر نشاطها الإعلامي أو انقطع مع ذلك الفاصل الزمني، لكنهم توفوا بعده.
والمجموعة الثانية: استمرت أو بدأت بعده، وتوفوا قبل تاريخ إعداد هذه المحاضرة.
المجموعة الأولى:
لقد اخترت من جيل هذه المجموعة وهم عديدون، ومن مختلف قطاعات الإعلام، الرواد الآتية تراجمهم، مرتبة حسب تاريخ وفاتهم:
1- عبدالله بن سليمان المزروع (المتوفى عام 1385هـ - 1965م) ولعله من أشهر من احترف جلب المطبوعات الصحفية وتوزيعها في وقت مبكر، في مكة المكرمة، وقد تعاون مع الإذاعة أيضاً، تحدث حمد الجاسر عنه وعن إسهاماته الثقافية في كتابه: من سوانح الذكريات (1427هـ - 2006م)، وقد سار على نهجه في مجال التوزيع، وفي مختلف مناطق المملكة، شخصيات كثيرة مثل هاشم نحاس المتوفى عام 1405هـ (1985م)، وكان وكيلاً لدار الهلال المصرية، ومحمد علي خزندار المتوفى عام 1427هـ (2006م)، وكان يركز على الصحف الأجنبية والعربية.
2- محب الدين الخطيب (المتوفى عام 1389هـ - 1969م) سوري أقام في الحجاز ثم مصر، كان محرر جريدة (القبلة) الهاشمية، ثم أصدر مجلتي (الزهراء والفتح) في مصر، وتولى تحرير مجلة (الأزهر) وأنشأ المطبعة السلفية، التي طبعت عشرات الكتب على نفقة الملك عبدالعزيز.
3- عبدالعزيز العتيقي (المتوفى عام 1389هـ - 1969م)، وكان أول مسؤول من أصل سعودي تولى منصباً إعلامياً، إذ اختاره الملك عبدالعزيز نائباً ليوسف ياسين في رئاسة مديرية المطبوعات عند إحداثها مطلع عام 1345هـ (1926م)، وكان شخصية تعليمية وسياسية مثقفة، (وقد كتبت عنه بحثاً مستقلاً).
4- محمد سرور الصبان (المتوفى عام 1391هـ - 1971م)، وهو أديب ومفكر تنويري أشرف -من موقعه في وزارة المالية -على الإذاعة في السنوات الأولى من عمرها ودعمها بالميزانية والموظفين، وكان من قبل قد أسس - مع آخرين - الشركة العربية للطبع والنشر، وأنشأ أيضاً - مع آخرين - شركة مصحف مكة المكرمة، (طُبع المصحف بخط محمد طاهر الكردي المتوفى عام 1400هـ (1980م) الذي صدرت له مؤلفات تعرّف بالخط العربي وتاريخه)، وقد نشرت عن الصبان بحثاً مستقلاً.
5- محمد صالح نصيف (المتوفى عام 1391هـ - 1971م)، أشرف على تحرير (بريد الحجاز) الهاشمية التي صدرت في جدة عام 1343هـ (1925م)، وحصل في العهد السعودي على امتياز أول مطبوعة صحفيّة أهلية (صوت الحجاز) التي صدرت عام 1350هـ (1932م)، ورأس تحريرها عبدالوهاب آشي المتوفى عام 1405هـ (1985م)، وكان نصيف استورد مع عبدالفتاح قتلان (المطبعة السلفية) التي كان أسسها محب الدين الخطيب في مصر لطباعة الجريدة في مكة المكرمة.
6- حمزة غوث (المتوفى عام 1391هـ - 1971م)، دبلوماسي ومستشار سياسي أشرف عام 1334هـ (1916م) على جريدة (الحجاز) التي نقلها الأتراك من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة في ذلك العام.
7- مصطفى أندرقيري (المتوفى عام 1391هـ -1971م) الذي أصدر - إبان عهد الملك عبدالعزيز، وفي إطار جهود الدعاية للحج - مجلة باللغتين العربية والجاوية باسم (النداء الإسلامي 1356هـ - 1937م)، استمرت نحو عام ونصف.
8- فؤاد شاكر (المتوفى عام 1392هـ - 1972م)، أديب أصدر في القاهرة عام 1349هـ (1930م) جريدة سعودية باسم (الحرم)، وشارك في العام نفسه مع جميل داوود المسلمي في تأليف كتيّب بعنوان: كيف تكون صحفياً.
9- عبدالله عريف (المتوفى عام 1397هـ - 1977م)، وهو من أبرز من تولى رئاسة تحرير جريدة (البلاد) بعد عودة صدورها عقب الحرب العالمية الثانية، وقد أدخل فيها - لأول مرة - الصور الصحفية، وأهّلها للصدور اليومي لأول مرة أيضاً في تاريخ الصحافة المحلية.
10- أحمد قنديل (المتوفى عام 1399هـ - 1979م)، رأس تحرير (صوت الحجاز)، ثم استمر واحداً من أبرز الكتاب المتعاونين مع الإذاعة والتلفزيون لاحقاً.
11- محمد حسن عواد (المتوفى عام 1400هـ - 1980م) وهو أحد الثلاثة الذين تولوا تحرير (صوت الحجاز) في بدايتها (وهم عبدالوهاب آشي ومحمد حسن فقي وحسن عواد)، ويعد أحد الرموز الأدبية المتميزة في أيامه.
12- أحمد إبراهيم الغزاوي (المتوفى عام 1401هـ - 1981م) تولى تحرير صحيفتي (أم القرى وصوت الحجاز)، وكان شاعراً ملحمياً مجيداً، ارتبط معظم شعره بملوك هذه البلاد.
13- إبراهيم الشورى (المتوفى عام 1404هـ - 1984م)، تولّى إدارة الإذاعة (ثلاث فترات) بين افتتاحها (عام 1368هـ) وحتى قيام الوزارة.
14- أمين مدني (المتوفى عام 1404هـ - 1984م) وهو أديب ومؤرخ، تولى تحرير جريدة (المدينة المنورة) عند بداية صدورها عام 1356هـ (1937م).
15- أحمد السباعي (المتوفى عام 1404هـ - 1984م)، وهو مؤسس مطبعة قريش ومطبعة الحرم بمكة المكرمة، ومنشئ جريدة (الندوة) عام 1377هـ (1958م) ومجلة (قريش) عام 1379هـ (1959م)، وكان أحد من رأس تحرير (صوت الحجاز) عام 1354هـ (1935م)، وأصبح مديراً للشركة العربية للطبع والنشر التي اقتنت امتياز (صوت الحجاز)، وأصدرتها باسم (البلاد السعودية) بعد الحرب العالمية الثانية.
16- أحمد عبدالغفور عطار (المتوفى عام 1411هـ - 1991م)، حصل على امتياز جريدة (عكاظ) سنة 1379هـ (1960م)، ومجلة باسم (دعوة الحق)، وقد خلّف العديد من الكتب والمقالات في التاريخ وفي الفكر السياسي.
17- محمد حسين زيدان (المتوفى عام 1412هـ - 1992م)، رأس تحرير (البلاد) ثم (الندوة)، ومن أبرز الأدباء المسهمين في برامج الإذاعة والتلفزيون لاحقاً.
18- أحمد عبيد (المتوفى عام 1414هـ - 1994م)، الذي أصدر في القاهرة عام 1370هـ (1950م) مجلة (صرخة العرب)، ثم أنشأ في عام 1373هـ (1953م) مؤسسة الطباعة والصحافة والنشر، التي أصدرت في جدة، - في العام نفسه - أول مجلة سعودية ملونة هي (مجلة الرياض) وكان مدني بن حمْد رئيس تحريرها.
19- محمد سعيد باعشن (المتوفى عام 1415هـ - 1993م)، اشترك مع عبدالفتاح أبو مدين في إصدار مجلة (الأضواء) عام 1376هـ (1956م) في جدة.
20- إبراهيم أمين فودة (المتوفى عام 1415هـ - 1995م)، تولى منصب مدير عام الإذاعة (بين عامي 1371هـ و 1374هـ)، إبان نقلها إلى مكة المكرمة حيث شهدت في عهده كثيراً من التنظيم والتطوير.
21- محمد علي مغربي (المتوفى عام 1417هـ - 1997م)، رأس تحرير (صوت الحجاز)، ورأس شركة مصحف مكة المكرمة، وقد أصدر عدداً من كتب السير والتراجم.
22- عبدالله العلي الصانع وصالح السليمان العمري، اللذان أصدرا جريدة (القصيم) عام 1379هـ (1960م)، وقد توفي الصانع عام 1418هـ (1998م)، وتوفي العمري عام 1411هـ (1991م).
23- هاشم زواوي (المتوفى عام 1419هـ - 1998م)، رأس تحرير مجلة (الحج) في بداياتها، وعمل في الإذاعة منذ سنتها الأولى، وربما كان هو أو قاسم فلمبان أول صوت سعودي ظهر فيها.
24- عبدالله بن سليمان العويّد (المتوفى 1421هـ - 2001م). عمل في مقتبل عمره مع الجيش التركي في سوريا، متخصصاً في اللاسلكي، ثم اشتغل في مبرقة الرياض، واقتنى في مطلع الثمانينات الهجرية مرسلة حوّلها إلى إذاعة محلية عرفت باسم (إذاعة طامي) توقفت قبيل إنشاء وزارة الإعلام.
25- عبدالله عمر بلخير (المتوفى عام 1423هـ - 2003م) وهو شاعر وسياسي وإعلامي، حظي بثقة الملك عبدالعزيز والملك سعود، وتولى شؤون المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر، (وقد نشرت عنه بحثاً مستقلاً).
وأختم هذه المجموعة من الرواد بالحديث عن حافظ البارودي - وهو سعودي من أصل سوداني - أول رئيس تحرير لمجلة (قافلة الزيت) التي صدرت في الظهران عام وفاة الملك عبدالعزيز (1373هـ - 1953م)، وما زالت تصدر إلى الآن عن أرامكو، غير أنني لم أعثر على معلومات إضافية عنه، وقد أعقبه في تحريرها كل من شكيب الأموي وسيف الدين عاشور، وكان الأخير ممن عمل مع الإذاعة. وكما سلف، فإن الالتزام بمعايير الريادة الإعلامية، قد أخرج من هذه القائمة مجموعة من أبرز الأدباء والكتاب الذين مروا على وظائف الإعلام مروراً سريعاً، ومنهم على سبيل المثال:
1- عبدالسلام عمر (المتوفى عام 1395هـ - 1981م)، وكان أحد الرؤساء الأقدمين لتحرير جريدة (أم القرى).
2- محمد شطا (المتوفى عام 1401هـ - 1981م)، تولى إدارة الإذاعة بالنيابة عام 1370هـ (1950م) ولمدة عام ونصف تقريباً.
3- محمد سعيد العامودي (المتوفى عام 1411هـ -1991م)، أسهم في تحرير (صوت الحجاز).
4- حسين عرب (المتوفى عام 1423هـ - 2003م)، عمل مبكراً في تحرير جريدتي (صوت الحجاز وأم القرى).
5- محمد حسن فقي (المتوفى عام 1425هـ -2005م)، شاعر مجيد، تولى رئاسة تحرير (صوت الحجاز).
6- حسن عبدالله قرشي (المتوفى عام 1425هـ - 2005م)، وهو شاعر مجيد أيضاً، عمل مذيعاً في السنوات المبكرة من عمر الإذاعة، ثم انتقل إلى وزارة المالية، والتحق - فيما بعد - بالسلك الدبلوماسي.
كما أن هناك عدداً من أبناء هذه البلاد الذين أصدروا صحفاً في الخارج أو أسهموا في الكتابة في الصحف العربية، ومنهم:
1- سلمان الصفواني (المتوفى عام 1410هـ - 1989م)، وهو واحد من السعوديين الذين أقاموا في العراق، واشتغلوا في صحافته، وقد رأس تحرير صحيفة (المعارف) العراقية، وعمل في تحرير جريدتي (اليقظة والمنبر العام) عام 1343هـ (1924م)، ثم أسس جريدة (صدى اليقظة)، وكان أحد رموز الحركة الفكرية في العراق.
2- محمد سعيد المُسلم (المتوفى عام 1414هـ - 1994م)، أسهم في الكتابة الصحفية في صحف العراق والبحرين وأخبار الظهران.
وقد تطول القائمة، إذا ما أضيف إليها كل من أصدر مطبوعة أو رأس تحريرها في تلك الفترة، أو كان له أثر مؤثر في مسيرة الإعلام، فضلاً عن رواده من غير السعوديين.
* ألقيت في منتدى الجمعة (بمنزل معتوق شلبي بالرياض، مساء الجمعة16/1/1429هـ
25/1/2008م) وكان الجزء الأول ألقي في ندوة الوفاء(ندوة عبدالعزيز الرفاعي) بمنزل أحمد باجنيد بالرياض، مساء الخميس 7/4/1427هـ (4/5/2006م)