لم تكن شخصية ستغلق الفضائيات لأجل عينيها ثلاث ليال! ولكنها شخصية (رفعت) لأجلها أكف الكثيرين بفيض الدعوات منذ كانت على سرير أبيض إلى أن التحفت برداء أبيض صباح الجمعة 16-5-2008م!
هديل الحضيف، بمجرد كتابة اسمها في محرك بحث على الانترنت، سيجد القارئ 52.900 نتيجة! تلك الفتاة التي وقف عالم التدوين السعودي عند بابها في قلب العناية المركزة، وتساءلت عن وضعها الصحي أعمدة تسكن صحفنا المحلية، الفتاة التي مررت لأجلها مئات الدعوات عبر رسائل ال SMSوتابع أخبارها الأربعة أسابيع الماضية قراء الصحف ومرتادو المدونات الإلكترونية، لم تكن إلا عشرينية كان (باب الجنة) عنوان مدونتها الإلكترونية الباب الذي لجأت له لتبث للعالم فكرة وتحركاً راكداً وترسم بحرية تؤمن بها، لتتحدث عن الغلاء والأدب عن القضاء والشعر، عن قضايا كبرى وعن أختها الصغرى.. كانت تعلم أن التدوين هو منبر يستحق أن تجتهد لأجله، وكأنها كانت تعلم أنه ذات المنبر الذي سيتابع مرضها، سيتطلع لعودتها وسيدعو لها (بالرحمة)، كتبت يوماً (بنيتُ غرفتي الخلفية، لأودع أشيائي الصغيرة، وتفاصيلي التي لا يأبه بها أحد.. ولئلا أموت!)..
اعتدنا أن نعرف الشخصية ومن ثم نتابع الحدث، إلا أن هديل علمت الكثيرين أن يتابعوا الحدث ومن ثم يفاجؤون بمتابعتهم للشخصية!، هناك من لم يعرف باب جنتها ولم يسترق السمع قرب غرفتها الخلفية، و(كثر) هم من آمنوا بها وتابعوها. هي التي وصفها الدكتور (نجيب الزامل) في صفحة الرأي بجريدة اليوم عدد 12738 30-4-2008 بأنها (ظاهرة أدبية فكرية ثقافية من بناتنا السعوديات، وهي فارقة لامعة في رأس الصنعة الثقافية العصرية، عصرُ الإنترنت والمدونات. ومن وراء هديل تثقفت، وتمرنت أذهانُ آلاف البنات والأولاد).
كانت هديل مثار نقاش أثناء مرضها، هول المفاجأة أقلق الشارع التدويني، وبث والدها عبر الإنترنت خوفه على حبيبته ورجاء شفائها جعل من حالتها الصحية تقرير يومي يتابعه الكثيرون، في تلك الأيام كان الأغلب يصحو ليتابع وكثير تابع ليصحو!.
رحمها (الله) كانت ومازالت مثارا للنقاش، تجلى ذلك في اختلاف بين أروقة موسوعة ويكيبيديا، توالت فيها أسئلة المشتركين هناك، هل تصنف كمدونة مشهورة تستحق الإدراج في الموسوعة، هل تضاف أم لا تستحق سيرتها ذلك! بعيداً عن الأجوبة وقريباً جداً من حرف توجهت به نحو الأعلى: (شكرا لك يا الله، لأني في كل مرة أحاول الصعود إليك، تنزل إليّ، وتهمس في أذني: (لستِ وحدكِ).
الحديث عن هديل يعني الحديث عن التدوين، وحتماً الحديث عن التدوين سيروي لنا حكاية هديل، بها ومن قلب حكايتها، يُرسم لنا ملامح مجتمع المدونين، ولن نقول مجتمع التدوين السعودي فحسب بل مجتمع التدوين العربي. الذي أضحى فيه المدونون رؤساء تحرير ومحررين وطاقما بأكمله، لكل شاب أو شابة منبره و(مساحته) أبجدياته وألوانه.
لم تكن هديل واقفة على باب التدوين فحسب بل كانت نشطة، جادة، مؤمنة بالأرض التي سكنتها، سافرت في عام 2007م لمسقط لتلقي ورقة عمل تحمل عنوان (المدونات في السعودية: تطورها.. ودورها في التعددية الإعلامية، وحرية التعبير)، ضمن فعاليات الحلقة الدراسية: (نحو إعلام مستقل ومتعدد)، برعاية اليونسكو.
استحق التدوين أن يعد سمة جيل، أضحى بقوته مساوياً ك(مصدر) و(محرك) و(متابع) أقوى وسائل الإعلام (التقليدية) وكما عبرت هديل يوماً (أن المدونين استطاعوا أن يجذبوا أنظار مؤسسات إعلامية ضخمة، إلى صفحات (شخصية)!
كما شهدت أرض التدوين اتحادات أبرزها اتحاد المدونين العرب، ومجتمع التدوين السعودي (أوكساب)، وامتدت نشاطات الشارع التدويني لتضم اعتصامات جماعية، حملات ساخنة تلاحق المسؤول، وترسم علامات استفهام كبرى علها تجد إجابات لجيل أصبح شريكاً في الحدث، يناقش، و(يعمل) ويرد. كما أنشأ المدونون (مرصداً) يتابع الغائب منهم، معلنين بذلك أهمية وجودهم وقوة تواصلهم رغم أن الرابط الذي يجمع الأغلب (كيبورد) نشط وفكر شبابي فاعل. كما أنتج التدوين كتباً جمعت صفحات أصحاب منابر إلكترونية لم يتبرؤوا من النشر الورقي. بل سعوا لأجله وقطفوا ثماره أمثال رائحة الموت للمدون (عبدالله الداوود)، وضوء مر للمدونة (غادة خالد) وآخرون.