Culture Magazine Monday  26/05/2008 G Issue 249
تشكيل
الأثنين 21 ,جمادى الاولى 1429   العدد  249
 

في معرضه بالرياض
نجا مهداوي ينثر حروفه عبر نوافذ حوار

 

 

يقيم الفنان نجا مهداوي معرضا لنخبة من أعماله المستلهمة من الحرف العربي في قاعة حوار بالرياض، تضمن المعرض مجموعة تنوعت فيها النماذج التي اختارها من بين العيد من أعماله التي اشتهر بها عالميا من خلاله استكشافه للرمز في تكوينه للوحة، استطاع من خلالها أن يمزج الحرف بمختلف الفنون البصرية ويوظف تلك الفنون لتحريكه وانتشاله من شكله الصامت المجرد إلى إيقاع حركي كعمل مسرحي في تجربته في الرقص والكتابة الجسدية، إضافة إلى نقله الحرف من الورق واللوحة والعبارة أو الجملة إلى فضاء اكبر اتساعا حينما فازت تصاميمه لتجميل طائرات عدد من شركات الطيران في البحرين وعمان والإمارات العربية المتحدة، كما حظي بدعوات في مختلف المهرجانات التشكيلية واقتنيت أعماله في كبريات المتاحف الفنية العالمية. يقول الفنان نجا مهداوي انه اتخذ قراره في استخدام أجزاء من الحروف أو الرموز في أعماله نابع من رفضه العفوي لتجليات قيمة الحروف في فن الخط التي تكتسب الحروف المكتوبة مكانة رمزية إلى أن تصبح حاملة لمعنى ما ولكن حين تفقد الحروف تحديداتها الخارجية يصبح القارئ مضطرا للجؤ إلى خياله ليتمكن من فك الرموز لبلوغ المعنى الكامن من الكلمة.

الهوية في نظر مهداوي

التقيت بالفنان نجا مهداوي قبل افتتاح المعرض وتحدثت معه عن متابعتنا له وعن جولاته العالمية وكان لحديثي له عن تجربته في هوليود وعرض إبداعه بالليزر على ابرز جبل فيها كان بمثابة الوميض الذي أشعل ذاكرته فأتحفني بالكثير من المواقف المماثلة كان فيها المشاهدين لعروضه المتعددة الخامات والوسائل مثار إعجاب واندهاش الغرب، يقول مهداوي عن عدم تواجده في المحيط العربي مقابل كثافة شهرته العالمية أن الأمر يتعلق بالدعوة فلا يجوز أن يقوم المبدع بطرق أبواب الجهات المسؤولة عن الثقافة والفنون، مستشهدا بما يتلقاه من دعوات عالمية في متاحف وقاعات عالية المستوى ثقافيا وإعلاميا، وحينما أشرت لي ما يتم القيام به من أعمال توصف بالحروفية قال ليس كل ما نراه فنا حروفيا وليس مجرد تحريك الحرف أو حشره في اللوحة يعد حروفية ولهذا تساقطت الكثير من التجارب. وعن معرضه الحالي قال ستشاهد أنني مرتبط بكل أطراف وطننا العربي وتفاصيله ومنها المملكة ففي المعرض لوحات مستوحاة من عسير ومن غيرها.

أما عن الهوية العربية فقال بكل ثقة أنها الدين والعقيدة.

الفنان نجا مهداوي ليس غريبا على المتلقي التشكيلي السعودي فبعض أعماله تزين الكثير من الجهات ويقتنيها الكثير من عشاق هذا الفن كما هي في مطارات المملكة ومنها مطار الملك عبد العزيز بجده.

إبصار وبعد نظر

المتمعن في لوحات الفنان نجا مهداوي يمكنه الوصول إلى مفهوم واحد وهو أن الفنان لا يتعامل مع إبداعه بمنظور جمالي فقط بقدر ما يعنيه ابعاد هذا الشكل وكيفية صياغته والتفرد به كفكرة لا يمكن أن تمر على لعبن أو الذاكرة دون أن تبقي لها اثر نتيجة ما فيها من جاذبية تتمثل في سيطرته على جموح الحرف وايقافه عن هروبه كما نراه في كثير من أعماله التي يطل الحرف فيها من حيز الشكل بحثا عن امتداد آخر ليبدأ الحراك ويعيد للمضمون حيويته بدلا من السكون، وجد الفنان مهداوي منفذا نحو الحركة في الجسد الإنساني من خلال البالية والموسيقى الجسدية نفذ منها ثلاثة باليهات أطلق عليها (النحت المتحرك أو النحت الحي(قام بعرضها في كل من باريس وأمريكا وتونس.. جمع فيها الحرف وجماله بالنحت وتصميم الرقص..

اشترك مع ميريام موتييه في عمل مسرحي قوامه حروف عربية صممها لها على لوحة مساحتها 45 مترا مربعا.. كما عمل مع المتخصصة في حركات الجسد وأقنعة الوجوه لممثلة المكسيكية كوادالوبي بوكانكر لوبيز.

إيقاع يسمع بالعين

لا يمكن أن يقف المشاهد أمام أي من أعمال الفنان نجا مهداوي إلا ويجد أن عيناه تتابعان كل التفاصيل بحثا عن معنى منفرد فينتهي بها المشوار إلى القناعة بأن اللوحة بهذا الإيقاع المسموع بالعين لا يمكن إلا أن تشكل جمعا يحرك الوجدان ويدفعه للرقص مرحا وعشقا لهذه الكيفية التي يتعامل بها الفنان مع عناصره المعروفة عند كل عربي في المعنى والجديدة في الشكل والتشكل، يمتلك الفنان نجا مهداوي حسا مفرطا في فهمة للحرف وكيفية استخلاص زوايا الجمال فيه، تارة يمنحك الفرصة لمعرفة بداية الحرف ونهايته وتارة أخرى يأخذك في مسارات ودروب تبدأ من طرف اللوحة نحو افق بعيد لا نهايات له.

قدسية الحرف مصدر الهام

قبل سنتين أقيم في المتحف البريطاني اعرق المتاحف العالمية وأشهرها وبدعم سخي من شركة (دبي القابضة) معرض يحمل عنوان «الكلمة في الفن» وهو من الإضافات الحديثة على المجموعة الدائمة للمتحف، قدم فيه أعمال لفنانين استقطبوا من مختلف الدول الإسلامية من شمال إفريقيا غربا إلى إيران شرقا فاق عدد المشاركين الثمانين فنانا،،والحقيقة وكما أشار إليها الكثير من النقاد ومشاهدي المعرض أن ما لفت الأنظار ليس إبداع الفنانين المشاركين فقط بقدر ما كان الحرف العربي النجم المحتفي به فهو البارز والأكثر تألقا عودا إلى ما حظي به من اهتمام على مدى العصور من المبدعين في مختلف دول العالم منهم اليابانيين والصينين والإيرانيين والأتراك الأكثر شهرة في هذا المجال والأوروبيين إلا انه لم يجد منهم من التوظيف والتكريم والاهتمام مثل ما وجده من الفنان العربي.

المعرض قسم إلى أربعة أقسام حسب المسارات والصياغات التي اتخذها اللوحات والأعمال الفنية من خلال الحرف والكلمة العربيان، استهلت بنماذج للمحاولات الرائدة التي أغرت المتحف البريطاني لاقتنائها في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، كما شمل هذا القسم أعمالا، نفذ اغلبها على الورق، تبين العلاقة بين الخط العربي والدين الإسلامي، وتظهر ما ابتدعه الخطاطون من أساليب أصبحت مدارس فنية، في قواعد الخط وتوظيفها للعبارة والجملة الدينية كالآيات والأحاديث، تنوعت في هذا المعرض الأساليب والتقنيات منها الحبر المذهب على ورق ملون. أو على أطباق فخارية، إضافة إلى قسم للتراث الشعري باعتباره عنصر هام في بناء الشكل في العمل الفني.اقتبست مواضيعها من قصائد لشعراء كبار مثل ادونيس. والسياب، مع ما اشتمل عليه المعرض من تحولات لعدد من الفنانين من اساليبهم المرتبطة بعناصر تشخيصية أو بيئية إلى الاستعانة بالحرف في بناء العمل الفني. هذا المعرض وغيره من المناسبات التي كان ولا زال الفنان نجا مهداوي حاضرا فيها مع بقية الفنانين المخلصين للحرف الحريصين على أن يتجلى بكل ما له من قدسية وقيمة تراثية وأهمية في تشكيل المعنى ما جعل لهذا الحرف حضورا جماليا إبداعيا من خلال القدرة على التعامل معه لخدمة الفكرة بعيدا عن ابتذاله للتزيين أو التجميل فقط.

قاعات العرض إثراء للساحة

هذا المعرض الأحدث والأقرب إلى ذاكرت المتلقي المحلي يعيدنا إلى معارض سابقة أقامتها قاعة حوار مشكورة استقطبت فيها أسماء وتجارب عربية المنشأ عالمية الشهرة كان الجميع يسمع عنها ويرى إنتاجها عن بعد فأصبحت بين عينيه مباشرة وهذا الأمر يحسب للفنانة شذى الطاسان مدير عام القاعة ولوالدها معالي الشيخ إبراهيم الطاسان الداعم الأول لها لمساهمتهما بهذه القاعة ودعمهما للثقافة عامة وللفنون التشكيلية بشكل خاص، نحن بالفعل في حاجة ماسة لنكون قريبين من تجارب الآخرين وحينما لا يستطيع الأكثرية الوصول إلى هؤلاء لأسباب كثيرة منها عدم معرفتهم أين ومتى تقام لهم معارض في دولهم أو أين يكون تواجدهم العالمي مع ما يتبع ذلك من صعوبة السفر والترحال التي قد لا تتحقق للكثير فتصبح مثل هذه القاعة وبما قامت به من استضافة هؤلاء الفنانين فرصة للاطلاع والتعرف على أعمالهم عن قرب لنصل إلى مرحلة أهم وهي كيف لنا أن نستفيد منها وكيف سيكون تأثيرها على الساحة وهل يتحقق للشباب الاطلاع على هذه الأعمال وما هي سبل التوعية التي تضعهم أمام حقيقة أن التأثر مطلب هام لكن البحث عن الذات التشكيلية المطلب الأكثر أهمية، إذا علينا أن نستفيد من هذه المعارض وان نشاهدها مرات ومرات لنكتسب منها الخبرات ونجعل منها جسرا نحو إبداع جديد يحقق لنا التميز ويمنحها البقاء.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة