سهام القحطاني
(أمريكا بنية أعدت للبيض...هذا بلد للبيض وحدهم)
- مالكوم إكس
كونه رجلاً أسود وغير مسيحي فهذا تحدي للديمقراطية الأمريكية، وفوزه ودخوله إلى البيت الأبيض، يعني تثبيتا لمصداقية ديمقراطية أمريكا التي تصدرها للعالم وتدعو من خلالها إلى نبذ التمييز العنصري، ولكن لا شك أن هناك حسابات سياسية ومرجعيات اجتماعية تجعل الأمر غير سهلا حتى في أمريكا التي نتوهم بأنها رائدة الديمقراطية في العالم، طبعا وفق مواصفاتها الخاصة واعتباراتها النفعية، ولذا فلا ضامن للنتائج المثالية.
يتوسط السيد أوباما بين مأزقين قد يهدمان طموحاته السياسية، مأزق الدين ومأزق العرق واللون، وهما مأزقان، لأنهما يتعلقان بحسابات سياسية ودينية ومرجعيات وأعراف اجتماعية وثقافية معقدة وموغلة في القدم تعود جذورها إلى 218 سنة، كان رؤساء البلاد خلالها رجالا بيض مسيحيين، ولذا فالسيد أوباما يقود حملة تحدي ضد التراث والتاريخ الاجتماعيين الأمريكي في المقام الأول، اللذان ظلا يُحرمان على السود الاقتراع والانتخابات حتى الستينات من القرن الماضي، حملة تحدي لمرجعيات الناخب الأمريكي الذي كان يعتبر السود مجرد خدم وعمّال ومزارعين، وأنهم أدنى درجة من البيض، وأنهم متخلفون وراثيا، فهل سيختار الناخب الأمريكي رئيسا من فئة مازال بعض الأمريكيين يعتقدون أنهم مواطنين من الدرجة الثانية؟.
على العموم (الانتخاب ليس ضمانا للاختيار الصحيح) لعله درس تعلمه الناخب الأمريكي في ظل ولايتي السيد جورج بوش الابن، لكن الاختيار هذه المرة والقرار صعب بالنسبة للناخب الأمريكي لأنه سيتحدى ميراث عقله الجمعي، لكنه ليس مستحيلا خاصة في ضوء حالة الإحباط التي يعيشها المواطن الأمريكي نتيجة السياسة الأمريكية الخارجية ومآسي الجنود الأمريكيين في العراق وأفغانستان والبحث عن منقذ له ولم يعد يهمه لون ذلك المنقذ أبيض أو أسود، إضافة إلى قوة الخطاب السياسي لأوباما وتجاوزه لنمطية الخطاب السياسي الذي تعود عليه الناخب الأمريكي، والكاريزما التي يمتلكها السيد أوباما، مع عدم الإغفال للصورة السيئة لمنافسته السيدة هيلاري كلينتون عند الناخب الأمريكي، فلعنة خيانة زوجها ستظل تطاردها، فلن ينسى أنها المرأة التي كان يخونها زوجها، وأنها لم تستطع أن تحافظ على بيتها وزوجها، فكيف يثق بها لتتحمل مسئولية الحفاظ على دولة مثل أمريكا؟، وأخيرا السمعة السيئة للحزب الجمهوري في ذهن الناخب الأمريكي بفضل الممارسات السياسية للسيد بوش الابن، كل هذه عوامل بلا شك قد تقلب نتائج المعادلة المعروفة لتحولها لمصلحة أوباما، وهو ما يتطلب من السيد أوباما كفاءة وتفوق مضاعفين لمواجهة تحدي التاريخ الاجتماعي الأمريكي.
إنه تاريخ وذهنيات ظاهرها رحمة وباطنها عذاب، تعبر عنه السيدة كوندوليزا رايس من خلال تجربتها وهي طفلة في العاشرة من عمرها عندما وقفت هي ووالداها يتأملون البيت الأبيض، حينها قالت الفتاة التي تبلغ العاشرة من عمرها (أبي الآن يمنع عليّ الدخول إلى هناك بسبب لون بشرتي، لكنني سأصبح داخل هذا المبنى في يوم من الأيام) -7، كوندي، أنطونيا فيليكس، الدار العربية للعلوم - ومراهقة عانت من التمييز العنصري وأدركت بوعي مأزق ذلك التمييز في المجتمع الأمريكي وصعوبة تجاوزه الذي يحتاج إلى مجهود مضاعف لتحديه وتخطيه، وكان هذا قانون كل العائلات التي تنتمي إلى العرق الأسود قانون مفاده (ضرورة دفع الأولاد إلى التفوق بما يعادل ضعف تفوق الأولاد البيض، وذلك كي يصلوا إلى مستوى متعادل معهم)-48 السابق- كان يقتضي على كل أسود أمريكي أن يثبت بطلان إدعاء أنهم متخلفون وراثيا، الادعاء التي جعل كوندي فتاة الخامسة عشرة تحتج على تطرف أستاذ مدرستها وترويجه الاعتقاد بأن التفوق الحضاري من خصائص الجنس الأبيض وأن السود متخلفون وراثيا وتثبت له خطأ ذلك الاعتقاد عبر قدرتها على التعليم والتعلم والتفوق المضاعف على المستوى الفكري والمهاري بهذا المنطق ردت كوندي على أستاذها الذي يرى أن السود متخلفون وراثيا (أنا أتكلم الفرنسية، أنا أعزف مقطوعات لبيتهوفن، وأنا أعرف عن ثقافتك وحضارتك أكثر مما تعرف أنت، فهذه كلها أشياء يمكن تعلمها)-75، السابق- أرادت أن تثبت له أن الكفاءة مرتبطة بقدرة الفرد لا بلونه أو عرقه، وبعد خمس وعشرين سنة من وقوف تلك الطفلة ذات العشرة الأعوام أمام البيت الأبيض والحلم الذي نطقت به، دخلت إلى البيت الأبيض كمستشارة لرئيس البلاد لشؤون الاتحاد السوفيتي، ولم يكن تحقيق حلم كوندي بالدخول إلى البيت الأبيض سهلا ويسيرا لأن الأمر كما تصفه كوندي (يتعين عليك أن تبذل جهدا مضاعفا عندما تكون أسود اللون أو من الجنس اللطيف)-74، السابق، أنظر الفصل الثاني والثالث والرابع من المرجع السابق-.
والفرق بين كوندي وأبام ا أنها دخلت إلى البيت الأبيض مستشارة للرئيس، وليست رئيسا، وهو يريد أن يدخله رئيسا، وهنا الفرق، الفرق بين الكفاءة الضامنة، والاستحقاق الضامن، فالكفاءة والتفوق ضامنان لأن تصبح أي شيء في أمريكا ما عدا أن تصبح رئيسا للبلاد فذلك استحقاق له حسابات أخرى متشابكة مع مرجعيات التاريخ الاجتماعي الأمريكي ومصالحه السياسية ومعتقداته الدينية، ولذا يصبح رهان ارتباط الناتج بالكفاءة والتفوق المضاعف للوصول إلى القمة، لا يحسب على علاته، لأن هناك اعتبارات لا يتضمنها جدول الضرب ولا منطقيات القسمة، ففي السياسة واحد زائد واحد له أكثر من ناتج.
قد ينجح السيد أوباما فيصبح أول رئيس ملونا لأمريكا، بما يعني بلا شك مرحلة مفصلية في تاريخ أمريكا الحديث، ولو فشل، ففشله يعادل نجاحه؛ لأنه سينضم لأبطال ثورة الزنج، بعدما مهد الطريق لملونين غيره ليحلموا بالوصول إلى البيت الأبيض ودخوله، وإن لم يتم للسيد أوباما فقد يتم لغيره، وفي الحالتين هو غيّر وأضاف بمعنى من المعاني، وحطّم أسطورة الرجل الأبيض.
ومع أن أمريكا دولة علمانية إلا أن دستورها يشترط عرفا، أن يكون رئيس البلاد أبيض اللون مسيحي الديانة بروتستانتي المذهب، وكل رؤساء أمريكا ينتمون إلى هذا المذهب ما عدا الرئيس جون كنيدي الذي كان كاثوليكيا، لكنه صهيوني الفكر، وهو ما سمح له للوصول إلى البيت الأبيض، باعتبار أن 60% من الأمريكيين تابعين للمذهب البروتستانتي، وهو المذهب الذي دُمجت تعليماته مع تعاليم الفكر اليهودي بفضل العديد من المفكرين الأمريكيين مثل مارتن لوثر، وهناك 40% من الأمريكيين أي 100 مليون أمريكي يؤمنون بالتعاليم اليهودية وأرض الميعاد.
ولا شك أن هناك علاقة دينية سرية وخفية يحملها الدستور الأمريكي وتعاليمه الخفية التي تؤثر في اختيار رئيس البلاد كما تؤثر في صناعة السياسة الأمريكية، وهي علاقة تقلق السياسيين الأمريكيين العلمانيين أمثال مادلين أولبرايت التي تقول: (يشعر الناشطون السياسيون وليس الديمقراطيون فحسب، بالغضب بشأن تأثير اليمين الديني المتطرف على البيت الأبيض والكونغرس).- ص25، الجبروت والجبار- ولذلك فهي تخصص قسم من هذا الكتاب لتحليل دور الدين في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية، وتستنتج من خلال قراءة تحليل السيدة أولبرايت لهذا المحور أنك أمام دولة دينية متطرفة ربطت مصيرها منذ مرحلة التأسيس بتراث ديني متطرف، على اعتبار أن (الدين هو من يشكل العالم) كما يقول جيمي كارتر، أو الاعتراف الذي ذكره الرئيس الأمريكي كولدج بأن (تنصير الإنسانية هو الغاية الوطنية لبلده، وأن الدولة العليا التي تسعى أمريكا إلى الحصول علي تأييد كل البشر لها ليست ذات أصل إنساني وإنما إلهي) ومن يتابع ما يحدث في العراق سيكتشف الحركة النشطة للتنصير في العراق، بعد دخول الجيش الأمريكي، إن المبادئ الأمريكية تظل واحدة وثابتة رغم اختلاف الرؤساء واختلاف أحزابهم السياسي، إنه جذر التأسيس الذي قامت عليه أمريكا، أو كما وصفه الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان (شعب آمن بوجود أرض موعودة، وشعب آمن بأن الله اصطفاهم لإنشاء عالم أعظم) - للتعمق في هذه النقطة أنظر كتابنا (قراءة في الخطاب السياسي الأمريكي)-.
ولا شك أن مسألة الدين مأزق معقد يعرقل خطوات أوباما للوصول إلى البيت الأبيض، أكثر من مأزق اللون والعرق، فهو رجل غير مسيحي، يعني أنه لا يتمثل بشرط جذري أُسست عليه أمريكا ومرجعيات الشعب الأمريكي، وكونه غير مسيحي فهذا ليس في مصلحته، على الأقل سيصبح الرهان عليه من قبل المندوبين والمتحكمين في صناعة السياسة الأمريكية أمرا ليس سهلا، وخاصة كونه لأب مسلم، ويحمل فكرة إيجابية عن الدين الإسلامي قد تقلق صنّاع مواقف السياسة الخارجية الأمريكية، وسواء أكان أوباما مسلما أو مرتدا عن الإسلام أو مسيحي الأم أو ملحدا، فتلك أمور لن تحميه من الجرّ إلى دائرة الاتهام بالإرهاب لكونه ينتمي لأب مسلم، كلما أراد أعدائه أن يُعثّروا خطواته، مثل الاتهام الأخير له بأنه مناصر لحماس، رغم استماتته لإرضاء إسرائيل والنطق بما تريده ومشاركته لأحلامها وأوهامها، لأنه يعلم جيدا أن رضا إسرائيل يمنحه فرصة الدخول إلى البيت الأبيض، ولذا.. فليذهب العرب إلى الجحيم، ولذا فعلينا كعرب ألا نراهن على أحد.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7333»
ثم أرسلها إلى الكود 82244
seham_h_a@hotmail.com
- جدة