خطوة متميزة أن تقدم جريدة الجزيرة على إصدار ملف عن معالي الدكتور محمد عبده يماني وزير الإعلام الأسبق والمفكر الإسلامي المعروف يتم من خلاله -الملف- تسليط الضوء على ما قدمه معاليه للوطن خلال عمله في وزارة الإعلام، وكذا إسهاماته الاجتماعية والإبداعية وذلك وفق ما جاء في خطاب أخي الأستاذ صالح الخزمري محرر الجزيرة الثقافي بجدة.
وبادئ ذي بدء فإنني أقدر ل(الجزيرة) ولرئيس تحريرها أخي الأستاذ خالد المالك هذه الخطوة الرائدة بتوثيق منجزات ومعطيات رجالات بلادنا وإني لأرجو أن تواصل الجزيرة هذا العمل بإصدار ملفات تؤرخ وتوثق منجزات المسؤولين والمفكرين من أصحاب العطاء المتميز ليكون ذلك مرجعاً للباحثين والمؤرخين، فإن مما تفتقر إليه مكتبنا السعودية مراجع لتاريخ الرواد ومنجزاتهم البناءة في مجال التنمية أو الفكر.
وأعود ثانية لموضوع الملف فإن ما عندي عما أنجزه الصديق الكريم أخي معالي الدكتور محمد عبده يماني في وزارة الإعلام لا يذكر وأعتقد أن أفضل من يستطيع تسجيل ذلك هو الدكتور عبدالعزيز خوجه، والأستاذ أحمد القحطاني وبقية الأساتذة الذين عاصروا الدكتور اليماني خلال توليه وزارة الإعلام.
كما أن هناك محطات أخرى يجب أن لا يغفلها الملف ومنها قيامه بالتدريس في الجامعة، ثم توليه وكالة وزارة المعارف، ثم إدارته لجامعة الملك عبدالعزيز وكيلاً فمديراً.
ولذا فسيقتصر حديثي عن معالي الدكتور محمد عبده يماني على ما عرفته عنه في مطلع عهدنا بالحياة.. ثم ما هو قائم من أعمال إنسانية قد تفرغ لها يدعم من الرجل الكريم سعادة الشيخ صالح عبدالله كامل. إلى جانب اهتمامه بالسيرة النبوية وحرصه على تلقين شبابنا لها من خلال مؤلفاته التي أثرى بها المكتبة الإسلامية، وكانت منهلاً لتلقين الناشئة محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته عليهم السلام وصحابته رضوان الله عليهم.
كان أول لقاء لي مع محمد عبده يماني بمكتب الأستاذ الكبير عبدالرزاق بليلة المشرف على صفحة (دنيا الطلبة) بجريدة البلاد السعودية التي كان يرأسها الأستاذ الكبير عبدالله عريف -رحمه الله-.
ففي مكتب الأستاذ عبدالرزاق بليلة، ثم في مكتب الأستاذ عبدالغني قستي الذي تولي الإشراف على صفحة دنيا الطلبة بعد الأستاذ عبدالرزاق، كان يتجمع هواة الأدب من الجيل الجديد سعياً لنشر ما تدبجه أقلامهم من محاولات بداية.. وإبداعاً بعدما نضجت أقلامهم.
أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: محمد جميل فضل، محمد باخطمة، محمد سعيد طيب، عبدالله جفري، محمد عبده يماني، عبدالكريم جمال حريري، درويش جستنية، وكاتب هذه السطور، بالإضافة إلى محمد مليباري، وعبدالله الداري، لكونهما يعملان في قسم التصحيح بالجريدة ويشاركان المجموعة التجمع بالمكتب المخصص لمحرري صفحة دنيا الطلبة.
ولعل الغريب أن المجموعة لم تكن من طلاب مدرسة واحدة فمحمد عبده يماني كان من طلاب الفلاح.. ومحمد سعيد طيب، وعبدالله جفري، ومحمد صالح باخطمة، من طلاب المدرسة الرحمانية.. وعبدالكريم جمال، ومحمد جميل فضل، من طلاب البعثات.
وكانت محاولات محمد عبده يماني يومذاك مقتصرة على كتابة القصة القصيرة.. وقد استمر في محاولاته إلى أن انتقل للدراسة بجامعة الملك سعود بالرياض فانفتل عنا وعن الكتابة بالصحف حتى انتهاء دراسته الجامعية وسفره إلى أمريكا لتحضير الدكتوراه ليعود إلينا خبيرا جيولوجيا.
ومما يرويه زملاؤه أنه عندما وصل إلى أمريكا والتحق بالجامعة صادف موسم هطول الأمطار بعد أسبوع من وصوله، فلم يذهب إلى الجامعة يوم ويومين وثلاثة.. فسأله زملاؤه عن سر تغيبه عن الجامعة فقال: المطر.. ما هو عندنا لما ينزل المطر تتعطل الدراسة؟!
فقيل له: إذا كنت ستغيب عن الدراسة بسبب الأمطار فإنك ستبقى في السكن أكثر من ثلثي العام.. قوم يا صديقنا وواصل دراستك فالمطر هنا لاتتوقف إلا في بعض أشهر الصيف.
ولما تخرج من الجامعة وعاد إلى الرياض بقي فيها حيث كان من قبل قد اقترن بزوجته الفاضلة ابنة الشيخ عبدالله كامل الذي كان بطبيعة الحال بحكم مركزه في ديوان الأمير -الملك فيصل بن عبدالعزيز- يقضي معظم العام بالرياض.. فالتحق الدكتور محمد عبده يماني مدرساً بجامعة الملك سعود.. ثم تعين وكيلاً لوزارة المعارف.. ثم أختير وكيلاً لجامعة الملك عبدالعزيز بجدة.. وعندما تحول المسمى إلى (مدير) أصبح هو مديراً لجامعة الملك عبدالعزيز، ومنها أدركته الثقة الملكية في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز طيب الله ثراه، وتولي وزارة الإعلام التي أترك الحديث عنها وعن منجزاته فيها لزملائه الذين ذكرت أسماءهم آنفاً.
وبعدما انتهى دوره في الوزارة وجاء إلى جدة التقيت به يوم وصوله إليها.. وكانت مصادفة طيبة إذ كان صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة يومذاك -تغمده الله برحمته- قد تفضل بقبول دعوة أخي الأستاذ محمد صدقه خياط -رحمه الله- مدير ا لعلاقات العامة بالإمارة لتناول طعام الغداء بمنزله.. فاقترحت على الدكتور محمد عبده أن يرتفقني لدار الأخ صدقه الذي رحب بالدكتور يماني وما أن شرف صاحب السمو الملكي الأمير ماجد، حتى أقبل على الدكتور يماني وهو يقول: لو كنا نعرف أنك ستشاركنا المناسبات هنا لطلبنا من الدولة إعفاءك من الوزارة من قبل. رحم الله الأمير الإنسان فقد كان كريماً بخلقه وباستقباله البشوش وتعامله الإنساني مع جميع محبيه.. والله يشهد أن الجميع كان محباً لسموه رحمه الله وتغمده برحمته.
ومن ذلك اليوم أصبحت حريصاً على التلاقي المتواصل بمعالي الدكتور محمد عبده يماني الذي أشهد لله أنه قد سخر كل وقته لخدمة من يعرف ومن لا يعرف سواء بالسعي لدى الإدارات الحكومية لإنهاء من تكون له قضية، أو السعي بين الناس لإصلاح ذات البين بين من يختلفون في قضايا عائلية أو قضايا مالية.
هذا إلى جانب حرصه على مشاركاته عامة الناس مناسباتهم المختلفة إن في جدة أو مكة المكرمة، أو المدينة المنورة التي يتردد عليها كثيراً للتشرف بالسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والصلاة في مسجده الشريف، وكذا زيارة سيد الشهداء وأهل البيت رضي الله عنهم.
كما كان من عادته ومن يرتفق من الأصدقاء في السفر إلى المدينة المنورة الوقوف ببدر والسلام على شهدائها الذين نصر الله بهم الإسلام في معركة بدر الكبرى يوم الفرقان.. ولكن وقوف رجال الهيئة غفر الله لهم مع الجند لمنع الناس من السلام على الشهداء حال بينه وعامة الناس وبين ما حض عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكر بالآخرة.
وقد جاء في الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور شهداء أحد، والبقيع، ويدعو لهم وقد أوصى أمته بالاستمرار في ذلك في أكثر من حديث صحيح.
وأختم بما استجد من خطى معالي الدكتور محمد عبده يماني الذي عهدناه كاتب قصة، وكاتب سيرة، وكاتب مقالة، وباحث جيولوجي ففاجأنا مؤخراً بمداعباته لمعالي الدكتور غازي عبدالرحمن القصيبي بقصائد شعرية تفيض عذوبة.
وليس هذا فحسب بل لقد اتخذ زاوية أسبوعية يكتب فيها من زاوية معالي السيد أحمد عبدالوهاب نائب الحرم رئيس المراسم الملكية السابق ما يستمع إليه من مرويات تاريخية، إلى جانب ما أدركه من مواقف بحكم سنه، أو عمله بوزارة الإعلام وإلى جانب الملك خالد بن عبدالعزيز تغمده الله برحمته.
تحية لمعالي الدكتور محمد عبده يماني وشكراً ل(الجزيرة) على ما فعلت.