الدكتور محمد عبده يماني وزير الإعلام الأسبق رجل من طراز فريد، بنى ثقافته على أصول عربية وإسلامية عريقة وراسخة، استمدها من قراءات جادة وواعية للتراث، ومن التصاق دائم بعلماء الحرم المكي الشريف، ومزجها بثقافة منتقاة من الغرب بحكم دراسته فيه وحصوله على الدكتوراه من الولايات المتحدة الأمريكية، وقد نشأ في مكة المكرمة متطلعاً منذ أيام الطلب الأولى وهو على مقاعد الدراسة إلى العالم الأرحب، عالم العلم والفكر والأدب، وكان له من المواهب ما يؤهله لولوجه، فهو من رعيل جاءوا على عقب الرواد الأوائل، يسيرون على خطاهم، ويضيفون لما أبدعوا إبداعات، كان لهم مجلس يضم نخبتهم من الذين كانوا بعد نجوماً في سماء الثقافة في بلادنا كالأديب الكبير عبدالله الجفري، وهناك الشاعران محمد إسماعيل جوهري ومحمد صالح باخطمة، والمثقف البارع محمد سعيد طيب وآخرون، ممن أثروا الساحة الثقافية على مدى عقود، كلهم كان ممن كتب آنذاك في صفحة دنيا الطلبة بجريدة البلاد السعودية، التي أشرف عليها وحررها أستاذنا الجليل عبدالرزاق بليلة، وكانت مدرستهم الأولى لولوج عالم الفكر والأدب، فاستغل الدكتور محمد عبده يماني بالكتابة الأدبية وكتب القصة، إلا أنه عندما التحق بالجامعة، وهو أيضاً من الأوائل الذين التحقوا بجامعة الرياض (الملك سعود) عند إنشائها، اتجه إلى دراسة الجيولوجيا فالتحق بكلية العلوم ليواصل بعد ذلك دراسته العليا في هذا المجال، فاستطاع أن يجمع بين الدراستين العلمية والأدبية، ولو جمعت كتاباته الأدبية لكانت سفراً يعيد إليه ذكريات الصبا، ثم كتب وحاضر في تخصصه العلمي (الجولوجيا) فكتب عن الجولوجيا الاقتصادية، وكتب عن بعض الظواهر العلمية كغزو الفضاء والأطباق الطائرة، ومارس العمل التعليمي والتربوي، فاشتغل بالتدريس في الجامعة، وعمل وكيلاً لوزارة المعارف (التربية والتعليم حالياً)، مديراً لجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وكان من أعضاء اللجنة الأهلية التي أشرفت على إنشائها ابتداء، ثم أصبح وزيراً للإعلام، وعمل في المجال الخيري بعد تقاعده من الوظائف الحكومية ولا يزال، وعبر كل هذه المراحل من حياته المديدة بإذن الله كان وطنياً مخلصاً يعمل لوطنه دون كلل أو ملل، يتقن عمله في كل منصب تولاه، ثم انصرف إلى الكتابة في الفكر الإسلامي والعمل في الدعوة إلى الإسلام، فكان له في هذا المجال صولات وجولات، حملته إلى شتّى بقاع العالم، حيث عرف الناس فضله، وأشرب قلبه وروحه حب هذا الدين الحنيف (الإسلام) وحب سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فكانت مؤلفاته العظيمة في المحبة تتوالى: علموا أولادكم محبة رسول الله ثم علموا أولادكم محبة آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قدم للناس شخصيتين نسائيتين مهمتين في حياة المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم، هما أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، وهي من آزرت إمام الرسل وخاتم النبيين سيدنا محمد بن عبدالله الأمين، وأنجبت له كل أولاده وبناته ما عدا إبراهيم، وسيرتها مثال يحتذى لكل امرأة مسلمة في كل الأزمنة، والأمكنة، ثم ابنتها فاطمة الزهراء أم أبيها وبضعته، ولم يفضل عن الدفاع عن صحابة رسول - صلى الله عليه وسلم - الأخيار فألف في ذلك كتاباً، أردفه بكتاب آخر عن أبي هريرة رضي الله، يدافع فيه عن رواياته، إن شخصية الدكتور محمد عبده يماني ثرية في كل جوانب حياته، ولا يمكن لعجالة تكتب مثل هذا المثقال أن تفيه حقه، أو أن تقدمه للناس بما يروي الظمأ لمعرفة كل شيء عنه، ولكنها تأتي في سياق التنويه بوطنية هذا العالم الأديب، فهو من رموز هذا الوطن الغالي، ومن عرفه عن قرب مثلي كان لا بد له من الإشادة به، فهو يستحوذ عليه بدماثة خلقه وتواضعه، حتى تشعر أنك مهما أشدت به فلن تفيه حقه، فأبا ياسر دوماً ملء السمع والبصر، تراه دوماً في الموضع الذي يحتاجه فيه الناس يبذل لهم من جاهه وعونه ما يمكنهم من قضاء حوائجهم دون منة منه عليهم، مدَّ الله في عمره وألبسه ثوب الصحة وغمره بالسعادة.