ولكنه - في حقيقة الأمر - إنسان متصالح مع نفسه.. ومع مجتمعه..!
ولذلك.. فهو إنسان مثير للجدل.. لأن كل واحد - منا - ينظر إليه من زاوية معينة..! >>>
وقد لا تعجبني - شخصياً - قضية (التصالح) هذه.. عندما ترتهن نفسها في متاهات المصالحة.. ومزالقها.. ولأني أراها - في ذات الوقت - متناقضة - تماماً - مع ما ينبغي له (المثقف) في كل الأزمنة والأماكن..! ولكنها.. لا تتناقض - بالضرورة - مع ما يُعرف في الأدبيات السياسية بالمصالحة الوطنية والوئام الاجتماعي.
إن هذه - كما لا يخفى - من مقتضيات الوحدة الوطنية.. التي ينبغي أن تعلو على كل الاعتبارات والمصالح.. وأن تكون رائد الجميع وهدفهم..!!
ما علينا..! وما ذاك ما يشغلني أو يشغله اللحظة.!
إن علاقتي - بهذا الرجل النبيل - تمتد لأكثر من خمسين عاماً.. عندما - كنّا - في مكة المكرمة أثناء الدراسة الابتدائية والثانوية - في مرحلة واحدة - وإن لم نكن في مدرسة واحدة.
في الذاكرة.. عشرات المواقف والقصص.. وصور شتى للحلقة الذهبية من أعمارنا..!
منها: موقفه الإيجابي في أغلب المراحل - من تهامة - كدار نشر ومكتبات.. فقد أعطانا الصلاحية أن نستورد ما نشاء من كتب ومطبوعات.. على مسؤوليتنا.. أسوةً بالجامعات والمعاهد العلمية.
موقفه.. الذي لا يُنسَى.. عندما استطعنا - بعد محاولات مضنية - وبمساعدة الأستاذ الكبير عزيز ضيا - رحمه الله - أن نحصل على حق طباعة المحاضرة الشهيرة للرائد حمزة شحاتة.. (الرجولة عماد الخلق الفاضل).
وتقدمنا للمختصين في وزارة الإعلام لإجازة الطبع.
وظننت - واهماً - أن هذا مجرد إجراء روتيني.!
ولكني فجعت.. عندما عادت (المحاضرة).. وقد سوَّل (الرقيب) لنفسه.. أن يمسك قلمه.. ويشطب.. ويعدِّل.. وبراءة الأطفال في عينيه.!
اتصلت بالدكتور محمد عبده يماني.. وقلت له: يا معالي الوزير:
* هل تبلغ النزعة القمعية السوداء.. بالرقيب في الوزارة لديكم.. لأن يبيح لنفسه ويجرؤ على الشطب والحذف.. لقامة سامقة.. ومفكر عظيم في مستوى حمزة شحاتة..!؟
كيف جرؤ على ذلك.. شلت يمينه..!!
قال لي على الفور: شلت يمينه.. وشماله.!
اطبع.. ولا تبال.. وبالنص الحرفي والكامل.. وفعلنا.!
كان عادلاً ومنصفاً.!
* في إحدى المرات.. تقدمنا لإجازة طبع أحد الكتب وجرت الإجازة.. وطبعنا الكتاب. وبعد طباعة خمسة آلاف نسخة.. والاستعداد لعرضه في المكتبات.. اتصل بنا أحد المسؤولين في الوزارة.. وقال.. وبراءة الأطفال -أيضاً- في عينيه: الكتاب ممنوع.. رجعنا في كلامنا!
قلت له: يا معالي الوزير.. هكذا.. بكل بساطة.. وأين حق تهامة وحق المؤلف؟!
قال: نأسف.. سنستقبل كامل الكمية.. ونشتريها بضعف الثمن.. وقد فعلوا!!
المواقف - كما قلت - كثيرة.. ومتعددة.. ولعل أبرزها:
صدامي معه.!.. اصطدمنا فعلاً.!
أنا كرئيس لتهامة.. وهو كوزير للإعلام.. وتفاقم الخلاف.. إلى مرحلة درامية حقاً - رغم وساطة الوسطاء من أصدقاء الطرفين.
وبلغ الصدام ذروته.. بأن أمر - كوزير للإعلام - بإغلاق جميع مكتبات تهامة.. في جميع أنحاء المملكة، مكة، جدة، المدينة، الرياض، الدمام، أبها، تبوك.. إلخ.
كانت - في ذلك الزمان - أكثر من خمسين مكتبة ومركز توزيع.
وعندما أمر بفتحها - مرة أخرى - ركبت رأسي.. وأصررت ألا أفتحها.. لأني كنت موقناً - آنذاك - بأنهم مخطئون 100%.
وقلت للوسطاء: إذا كان من حقه - كوزير- أن يقفل المكتبات.. فإنَّ من حقي.. ألا أفتحها.! بل.. إن من حقي.. أن أغير المنتج المعروض إلى شيء مختلف تماماً: عطور.. أو كريمات.. أو بقول! إلا الكتب.. والمنتج الثقافي..!
وعليه أن يواجه المجتمع بأسره..!! فوجئت به - وبكل السماحة والنبل.. يدخل إلى بيتي.. ومعه الصديق الدكتور عبدالله مناع والصديق الأستاذ عبدالله فقيه.. مدير المطبوعات آنذاك في المنطقة الغربية: ليقول لي: لقد أخطأت في حق تهامة.. وتناولنا الشاي معاً.. وحان أذان المغرب.. فقام وصلّى.. وأتذكر جيداً.. ومعي الإخوان.. أنه - بعد الانتهاء من الصلاة - رفع يديه.. وقال: اللهم.. أخرجني مخرج صدق من وزارة الإعلام..!!
تلك أيام خلت..! انتهت علاقة - كل منا - بوظيفته.. وأصبحنا أكثر تقارباً.. وأقل اختلافاً - بل لم يعد هناك - ما نختلف عليه.. أو نخاف منه.!
كان هناك - دوماً - ولا يزال.. ما هو جدير بالمناقشة والحوار.. إلى أن وكما يقول الكاتب الكبير (تشيكوف).. تطفأ الأنوار.. وتهدأ الموسيقى.. وينصرف الجميع عائدين من حيث أتوا.!!