حبة لؤلؤ
في أقاصي البحر سكنت قوقعة بين صدفتيها لحم رخو، القوقعة تسبح، تمد عنقها الصغير، وطرفان صغيران لقرني استشعار، تنزل قاع البحر، في خاصرتها وخزة تتحملها لكن لحمها اللدن لم يتحملها، قامت خلاياه بنسج حاجز، الحاجز يعيق حبة الرمل التي دخلت وعلقت.
كلما تألمت القوقعة زادت الخلايا من عملها.
زعق قرني الاستشعار: شبكة صياد في الطريق، حثت القوقعة سباحتها هروباً. لكن الشبكة أقرب.
لم تحس القوقعة بشق صدفتيها، ولا بزعيق فرح عن دانة تلمع.
الدانة زهت على صدر حسناء رقصت لسارق كبير.
حبة رمل
صرخت حبة الرمل وصديقاتها (آه) كانت قدم محتل كبير تطؤها، جاءت ريح مسرعة على الصوت الرملي، هزت الرمل، وهزت القبعة، سقطت القبعة، علقت الرمال بها، سارت متجهة لعين المحتل. دخلت كلها، حبة حبة، لكن حبتنا الأولى هي التي انغرست بالقرنية، وحفرت، لم تنفع الأدوية ولا العمليات الجراحية، فكل ما قرب المبضع دخلت أكثر حتى أخذت عين المحتل وخرجت بها. عندما وصلت مع العين لمرمى القمامة خارج المدينة أقامت رمال الصحراء حفلا، رقصت به كل جنيات الرمال. فقيل (رمالا موسيقية).
قبلات الصباح
من نومها صحت الورود، كانت أكمامها تلفها، مدت بتلاتها بتلة، بتلة، وتنفست رياح الصباح، وجدت قطرات ندى تبللها بالحب الإلهي، فانفتحت الدنيا أمام ناظريها. مرت صبية جميلة، رأت وردة بلون خد ضرجه الخجل، مدت يديها، حضنتها، قبلتها قبلة الصباح، وهمست لها باسم حبيبها، وغادرت يزغرد فرحا صدرها لمدرستها الثانوية، نزلت الأم سقت الحديقة، وقبلت الورود الجديدة، جاءت يدها لتقطفها، صاح قلبها إنها بالحديقة أجمل. عادت وقبلتها باعتذار.
رطب
بلون الشمس المشرقة كان البلح، تأتي الشمس كل صباح وتعانقه، ينصهر بها عشقا وحبا، فيسخن الجو بالعشق الأزلي، يغضب الناس من الحر، يتنادون (جاء طباخ الرطب) لكن العشق يستمر، حتى ينثر لون العسل على عذوق كل النخل.
طفل مريض من حصار ودمار، تمرس أمه حبات الرطب تقطرها قطرة، قطرة في فمه يفتح عينيه، تغني أمه أغنية حب للتمر والرطب.
ليل ونهر
بات الليل يغطي النهر، النهر يمتد يعانق الأراضي القريبة يبعث بالنداوة لمن بعد، يعرف النهر أجساد محبيه فيبادلهم عشقا وحبا، للأجساد المتعبة حضن يزيل الشقا، ويلين العضلات، وللعشاق ستر مدلهم، يعرف أغنية البلام، وأهزوجة السقاة، قرب النسوة المثقلات بالعشق والحدب وأطفال تتحسس أفواههم الأثداء المنتصبة بالحليب البكر.
لأجساد المقموعين والعاجزين رائحة يعرفها النهر، يقدم لهم فيما يقدم، هزهزة توقظهم، ترفض الخنوع فيهم، يعلمهم ان الصبر اسبرين العجزة، يجعلهم يفيقون.
لأجساد المحتلين والمجرمين رائحة لا يخطئها النهر، وتعرفها جيدا اسماكه، لذا يبلع منهم ما يشاء، ويرسل بعضهم بعيدا حيث يتعانق مع نهر آخر. عندما يرخي الليل سدوله تأتي الأخبار بغرقى النهر الكبير.
حبة رز
غمر الماء شجيرات الرز الصغيرة، جاءت الرطوبة ونثرت نفسها وغشتها بغطاء كثيف طوال الليل. كثر أزيز البق، لم تبال الفلاحات، توسدت كل واحدة ذراع زوجها ونامت، جاء الصباح فتحت الفلاحات بوابات الماء من جديد، وفتحت بوابات التصريف لماء البارحة، خاضت بالمياه، تشققت أرجلهن.. يصيح الأطفال فيلقمنهم خبزا حافا وأغنيات الحزن والتعب تقصر اليوم الثقيل.
الشجيرات تكبر تبدأ سنابل الشلب* تتكاثر، وتحمر، يجفف الماء ويأتي زمن الحصاد، تغادر السيارات محملة بالرز، بضع نقود يمسكها الرجال جيدا، يتعالى في سماوات الليل دخان سجائر اللف وتنام النساء مثقلات بالتعب.
تبقى بضع حبات متناثرة، حبة واحدة تقفز أمام زكية، تحدثها وتحثها على تحطيم بيت الخوص.
بندول الساعة
وصل لجهة اليمين ووقف، لم يتحرك، جاءت العجوزة، لفت المفتاح كثيراً، الساعة ممتلئة قالت في نفسها، لكن البندول لم يتحرك، في السماء طائرة، تنتظر الزمن يعبر بحركة البندول، كي تسقط حموتها، في الأرض البندول ثابت يمينا، جاءت العجوز، وجدت البندول يصلب الوقت، حركة الساعة يمينا وشمالا، البندول ثابت، فكت الباب الزجاجي للساعة القديمة، أخرجت البندول وحركته، ثم أعادته، بقي ثابتا، خافتا واستعاذت بالله من شياطين الجن والإنس، نادت حفيدها، ضرب البندول بقوة، تأوه البندول ألما وتحرك إلى الوسط، وهطلت القنابل.
حلم ليلة القدر
كان حلم جميل، في السابع والعشرين من رمضان انفتحت أبواب السماء، هطل كالمطر ملائكة بثياب بيض ناصعة، وبثياب سندسية، نزلت أرجلهم للأرض، ملئوا الأرض حبا وصفاء، جاء عيد الفطر كأجمل الأعياد، رقص الناس جميعا. الحدائق توردت، والعصافير غردت، والمراجيح حملت الصغار لأعالي السماء، نور غشى كل مكان، لا شمس تحرق ولا ظلام، لا أشباح ولا جن ولا سحرة، كل الناس أحبة.. عشش الحلم الجميل، عندما سمع صاحبه الضرب القوي ظنه مدفع الافطار، فتح عينه وجد الحلم قد طار.. ووجد الأقدام الثقيلة تدمر المعابد والكنائس، تصمت الصوت في المآذن.
بحث عن ليلة القدر، بحث كثيراً، لكن هاجس آخر قال له أوقف حلمك يا رجل، ازرع بالصغار أغنيات الغد علمهم، كيف يبنون في ذراتهم حبا لا يموت.
خيط فكرة
تخطت الجموع، قفزت، طارت، وصلت رأسه، عششت في دماغه، كبرت، توزعت، دقت كثيرا حتى كاد ينفجر دمه، عندئذ تشعبت، وحركت يداه، وسطرها، دفقات كالودق الوسمي، ونزفها عشقا على الورق، وصلت للرقيب، ذبحها وألقمها سلة الزبالة. ماتت الفكرة وكفنها الورق، لكنها راحت تعشش من جديد في دماغه وتتوالد.
صوت..ورأس
يحمل صوته، صوته يخرج مبحوحا مذبوحا، صوته يطير، تصادره ريح غربية، يبحث عن صوته في الهضاب والمرتفعات، يسأل في قاع النهر والسمكات، الكل لا يرد، يناشد البعوض والقملات، والتراب الرمادي، الطرق والمنعطفات، صوته لا يسمعه أحد، يحمل لافتة يكتب عليها (أعيدوا لي صوتي).. يسير، يكتشف ان الطريق ظلام والبيت ظلام، يبحث عن عينيه، يتحسس رأسه، لا رأس له، غادر رأسه الرقبة، يتمدد على الأرض، تنزل به الأرض، تضمه لحضن دافئ، يمر زمن القحط، وأزمان اليباب، تمطر السماء رذاذا، ثم مطرا مزنا ثم ديما، ديم قويا ينبع له رؤوس تنتشر بالتربة الخضراء وتتحرك.
القصص من مجموعة (مدينة الغيوم) ستنزل الأسواق قريباً إن شاء الله