(لا تضع هذه البلطة جانبا حتى تفنيهم)
توماس جيفرسون
قبل الإجابة عن هذا السؤال وفق النموذج التفسيري الذي يقدمه الزمل، نعود إلى إيما نويل تود الذي يحلل أسباب اختيار أمريكا للعرب ليكونوا أعداء المستقبل فالأسباب حسبما يرى وحسبما هو واقع تعود إلى أنه لا يوجد في المنطقة العربية - الإسلامية أية دولة قوية بسكانها أو بصناعتها أو بقوتها العسكرية...
وقد قدمت إسرائيل فضلا عن ذلك عدة مرات البرهان على عدم الكفاءة العسكرية حاليا للبلاد العربية التي لا يساعد مستوى نموها ومنظمات السلطة فيها، في الوقت الراهن، على بروز آلة عسكرية فعالة، المنطقة إذن، هي حقل تجربة مثالي للولايات المتحدة، تستطيع أن تحقق فيه انتصارات سهلة تذكر بألعاب الفيديو... إن اختيار العرب من قبل الولايات المتحدة، هو الحل السهل، إنه ينتج عن العديد من المؤشرات الموضوعية، ومن ضرورة أن تحتفظ أمريكا بما يشبه العمل الامبريالي... وتُساء معاملة العرب لأنهم يعانون ضعفا عسكريا، ولأن لديهم البترول... وتساء معاملة العرب أيضا لأن لا وجود لدولة عربية فاعلة في اللعبة السياسية الداخلية للولايات المتحدة، وأيضا لأنه لم يعد ممكنا للولايات المتحدة التفكير بطريقة تتسم بالعمومية والمساواة. (165 ما بعد الامبراطورية)
والأهم ممن أورده إيمانويل، هو الحلم (بعودة المسيح) أو ما يعتقده الفكر الميسوديتي الذي يمثله السيد بوش، فما هي العلاقة بين ذلك الفكر والعراق؟ سأحاول تلخيص الإجابة التي ساقها الزمل على هذا السؤال، يعتقد الفكر الميسوديتي أن عام 2000 هو الموعد الذي يقرّب ظهور المسيح، وحتى يتحقق ذلك الحلم لا بد من تمهيد لذلك، أوله هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه، فالمسيح لن يخرج إلى النور طالما ظل المسجد الأقصى قائما، وقد تبرع الكثيرون لاتمام هذا المشروع منهم السيد بوش الابن والسيد بلير من أجل صناعة أعمدة هذا الهيكل وتزيينه، بل ويرى بوش أن ظهور المسيح لن يتم فقط بهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل بل لا بد من تهيئة الشرق الأوسط بأسره لاستقباله في عودته الجديدة من خلال نشر المسيحية وإقامة دعائمها في أكثر من دولة في هذه المنطقة، ويرى بوش وفقا لمعتقداته أن الخطر الأكبر على ظهور المسيح سيكون من خلال العراقيين حيث إنهم الأكثر تأهيلا لقتال إسرائيل ، وأن أي ضعف ديني أو سياسي لإسرائيل سيؤدي إلى تأخير ظهور المسيح، وأن كل يوم يمضي دون ظهور المسيح ستُلعن فيه طائفة الميسوديت أن هذه اللعنة ستجعلهم يعذبون يوم القيامة.
كما يرى تيار بوش أن الدول العربية هي التي تشكل الخطر الأكبر على إسرائيل. (185 لماذا يكرهوننا؟)
إضافة إلى ما تحمله كتب الميسوديت من اعتقادات منها أسطورة (الذهب) الذي تقوم على زعم أن المسيح مثل الذهب النقي الخالص، وأن لا بد أن يحيط به الذهب الخالص عند عودته ويعتقد طائفة الميسوديت أن هذا الذهب يتوافر في العراق، ولن يتم الحصول عليه إلا بعد اقتتال عنيف مع أصحاب هذا الذهب، وترى كتبهم أن هذا الذهب ذو مواصفات معينة لن يوجد في أية دولة مسيحية إلا في دولة يدين أهلها بالإسلام، وتقول كتب التيار التجديدي للميسوديت إن العراقيين إذا نجحوا في السيطرة على هذا الذهب، فسوف يسيطرون على المنطقة ويحاربون إسرائيل وأنهم سوف ينتصرون ويسيطرون على المسجد الأقصى بدلا من هدمه، وهو ما يعني تأخير ظهور المسيح إلى مئات الأعوام الأخرى حتى يتحقق الانتصار من جديد للعالم المسيحي اليهودي المشترك. (186 السابق) وما نعتقده هو الذي يحرك تفكيرنا وأفعالنا لذا تصبح هرطقات كتب الميسوديت ليست خيال، بقدر ما هي جوازم (يؤمن بها بوش وغيره من طائفة الميسوديت. (186 السابق) ولذا يرى بوش أن العالم الآن مهيأ للانقضاض على العراق قبل أن تستفحل قوته من جديد، وبذا تصبح السيطرة على العراق خططا مستقبلية للسيطرة على العالم، وأن يكونوا هم رفقاء المسيح في حياته الجديدة، وأن السيطرة الأمريكية لا بد أن تكون دائمة لضمان السيطرة النهائية على تطورات الأوضاع في هذه المنطقة. (187 السابق).
ولا بد أن نذكر في النقطة الأخيرة أن أفكار هذا التيار تعود إلى القسيس المسيحي (أوزالد شامبرز) الذي عاش أوائل القرن الماضي، وهو أول من دعا إلى قيام تحالف بين اليهود والمسيحيين ضد المسلمين، وأيد حق اليهود في القدس، وحذر من سيطرة المسلمين عليها، كما تنبه تعاليمه على أن القدس هي أفضل بقعة في العالم، وأن حساب الآخرة يبدأ من خلالها، وحذر من أن نهاية العالم ستكون في الـ50 سنة الأولى من القرن الحالي، وأن هذه الفترة ستشهد إعادة تكوين قوة المسلمين وانتشارهم، وحينها سيحاصرون المسيح في القدس وسيقضون عليه وعلى كل المسيحيين، كما أن تعاليمه هي أول من نبهت إلى خطورة البابليين - العراقيين، وأنهم إذا انتصروا سيقودون العالم ويسيطرون على القوى المسيحية، ولذا هناك اعتقاد لدى البعض منهم بأن أمريكا إذا لم تنتصر على العراق وتبيدها في هذا الحرب، فإن العراق سيصبح في غضون سنوات قليلة قوة عظمى يحسب لها ألف حساب، مما سينقل مركز الثقل الدولي إلى منطقة الشرق الأوسط، وأن التاريخ سيعيد كرته من جديد ويكتب للمسلمين السيطرة على العالم (188 السابق) وأهمية تعاليم شامبرز السابقة أنها هي التي أسست المكونات الدينية للسيد بوش، فشامبرز وطائفته، كما أنه يعتبر المعلم الأهم في تشكيل أفكار بوش عن الشرق الأوسط والمسلمين حيث يرى ضرورة أن يتنبه البشر إلى أن حقيقة الخلود تبدأ وتنتهي في هذه المنطقة المحيطة بالقدس (187 السابق) وهو ما دفع بوش بعد فترة قليلة من رئاسته للولايات المتحدة إلى إعداد الخطة للسيطرة واحتلال العراق ورفض أي حل سلمي عكس سابقه بيل كلينتون، كان ذلك طبيعيا لأن الحرب أهدافها دينية واستراتيجية وقد بدأت اليوم بالعراق وغدا سوريا وإيران وليبيا والسودان (188 السابق).
جاءت أمريكا إلى العراق محررة ومبشرة كما زعمت فأورثته القتل والتدمير، وغرست فيه طائفية لم يعرفها الطاغيتان عبدالكريم قاسم الشيعي وصدام حسين السني (215 الإطار يكفي) إبراهيم التركي
تلكم نتيجة قد لا تصدم كل خبير قرأ فتأمل فأدرك قوله تعالى (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ) (البقرة:120)
.............................................انتهت
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «7333» ثم أرسلها إلى الكود 82244