أخي الكريم الدكتور إبراهيم التركي مدير التحرير للشؤون الثقافية بجريدة الجزيرة الغراء
السلام عليكم ورحمة الله وبعد..
فلقد أحسنتم صنعاً بهذه الأعداد (الخاصة) من (المجلة الثقافية) وأعدتم بها ربيع الأدب بزهوه، وزهره.. وهو ما يستحق منا الثناء والتقدير لك ولفريقك الأدبي..
أخي لقد عشت جلسة (ربيعية) مُونِقةً.. مع العدد الماضي من المجلة (192) الذي خصصتموه للشعر وحده.. بمناسبة اليوم العالمي للاحتفال بالشعر..!
وحقاً كم كانت أكثرية أعدادها حَفِيّةً بما يرطب جفاف الحياة التي غلبت عليها مقومات الحيوية المادية على حساب حيوية الروح والمشاعر الإنسانية الرفيعة.
لقد صدقت بعبارتك (يا أبا يزن) التي اختصرت بها محتوى المجلة بكاملها.. وهي قولك (بيت من الشعر يعدل رواية)..! ذلك أن الشعر هو أرفع وأرقى الفنون القولية البشرية.. وخلوده وتجدده خلال عشرات القرون أقوى شاهد على ذلك وإن غضب (الراوون)..! وقريباً من ذلك قول الأستاذ محمد الدبيسي في تقديمه الرديف: (هو الشعر.. عده الناقدون الوجود الأقوى والأثرى)..
أكثر قصائد العدد، ما بين فَنَّيْ الأصالة، والحداثة، جيدة ومثرية بجمالياتها الفنية وتدفقاتها الشعورية.. وبطبيعة الحال ليس من شأن هذه الرسالة العجلى أن تلقي حفنة ضوء عليها أو حتى على بعضها.. لأن ذلك يقتضي تحليلاً وتذييلاً ولتَّاً وعجناً نقدياً! قد يفسد النص ويحيل مضمونه إلى وجهة لم يقصدها الشاعر ولا هي تعبر عن ذاته.
وأستثني من عدم تعرضي لنصوص العدد.. قصيدة واحدة أخذت من إعجابي بها مأخذاً حداني أن أخصها بإشارة أو إشادة هي أهل لها.. إنها.. قصيدة (السيف) للشاعر عبدالله الصيخان. وهي قصيدة مدح، وأحد مناطات الإعجاب بها أنها توظيف جميل لحالات عادية، وطبيعية من حياة الملك العادل المصلح عبدالله بن عبدالعزيز.. كمشاركته في (العرضة) ولعبه بالسيف وحركات رجليه، وهزعته وتحركه وفق ترنيمات النغم.. (يندى الحزم من لفتته - ويشاد الحزم من هزعته - ويشال البيت من خطوته - ويحدو للمجاهيم بما قال إذا سولف في البر.. وفي الأرض ربيع وعلى البيد غمام - وترى للناس في طلته ابتسامات وبشر وكلام - بوركت يمناه من عام لعام - تلتقي سلمى أجا في حضن حائل - وينادي جبل السودة (رايس) في أقص الشمال - ترفع السيف فتعلو في فضاء القيم السمحة قامات الرجال- فارس في الساح لا يشتق من مبناه أو معناه إلا عدله، أو حزمه، أو عطفه في كل حال).
***
الجديد في هذه القصيدة أنها تناولت موضوعاً مطروقاً ربما منذ ألفي عام وهو (المديح) بصيغته الخليلية.. واستطاع الصيخان أن يضع هذا المركب المطروق بصياغة (تفعيلية) وهو ما لم تألفه الأذن العربية بهذا النغم الجديد.. والشاعر الصيخان سباق إلى التفرد منذ أن دخل ساحة الشعر مجدداً في القصيدة الحديثة حتى صار أحد رموزها.
ولا يشغلني الإعجاب بقصيدة (السيف) عن الإشارة لبقية القصائد لكوكبة المبدعين: إبراهيم مفتاح في (ما لم تقله المرايا) و (وصية) لعلي الدميني و(طنجه) لحمد العسعوس، وكثير من الإبداعات التي حوتها دفتا الإصدار لكوكبة لافتة من الشعراء المبدعين الذين يعيدون للقصيدة وهجها وللشعر مكانته. إنكم بفعلكم هذا كمن ينفخ في جذوة الشعر الخامدة لتشتعل كيما تضيء ساحة الإبداع بل وتستعيدها من (الرواة) الذين خطفوا الساحة على حين غفلة حتى كادوا لآن يقولوا إن (الرواية ديوان العرب!!) شئنا أم أبينا وكذلك هم شاءوا أم أبوا فإن الشعر هو سحر البيان.. وعذب الكلام وإعجاز اللسان البشري في الوزن والتقفية والموسيقى ظاهرة وباطنة في النص.. وهو غرغرة الإنشاد منذ الطفولة وهجس التطريب والغناء في الحاضرة والبادية.. والعامية والفصيح.. تفرداً وجمعاً.
الشعر هو ديوان الكلام وهو كلام الدواوين يطرب له السلاطين ويحظى بسره المحظيون من الناس.
شكراً لمجلتكم فقد انتصرت له.. ولنا.. للشعر والشعراء.