إن العين لتدمع، والقلب يتفطر وإنا على فراقك يا أبا متعب لمحزونون، ولكن لا نقول إلا ما قاله الصابرون {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، وبشراك في لقاء ربك سبحانه القائل في محكم التنزيل {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي}.
وارحماه مات عبد الله بن عبد العزيز الملك العادل الصالح أمل الفقراء والمساكين والد اليتامى والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة.
من أين نبدأ من قيادته لرئاسة الحرس الوطني منذ ما يزيد على خمس وخمسين سنة، أخذ بيدها لتصبح إحدى المؤسسات العسكرية والحضارية التي يشار إليها بالبنان، أم من رؤاه وأفكاره وقراءته لمستقبل الثقافة والتراث فراح يوجه بإقامة المهرجان الوطني للتراث والثقافة منذ ثلاثين سنه دعماً للثقافة والتراث والفنون الإبداعية، وهو الذي يردد ويوجه باستمرار «أن الثروة الحقيقية في بلادنا تكمن في تراثها الأصيل وفي تشبع إِنساننا بهذا التراث والحفاظ عليه»، وعندما بويع ملكاً على المملكة العربية السعودية في 26/06/1426هـ بعد رحلة طويلة من الخبرات والمواقع الرسمية في الدولة وضع أمام نصب عينيه أمرين أساسيين سعى لتحقيقهما بكل خبرة واقتدار وأول هذين الأمرين: هو أمن واستقرار وسعادة ورفاهية وهدوء بال هذا الوطن والمواطنين الأعزاء، فجاءت الأعمال والمشروعات المتنوعة التالية لتحقيق هذه الأهداف وهي:
- أنموذج الحاكم العادل، فكان أول أعماله قيامه مع بعض كبار المسؤولين بدون إعلام أو ضوضاء إلى الأحياء الفقيرة ليعيد لنا سيرة السلف الصالح من خلفاء وحكام المسلمين ينظر في أحوالهم ويتفقد مساكنهم الشعبية، وفي حالات أخرى نراه يتجول في الأسواق بكل بساطة وعفوية وينتهي به المطاف ليجلس على طاولة احد المطاعم الشعبية ويتناول بيده طعام هذا المطعم مع الخاصة والعامة.
- مشروعات التعليم والثقافة والابتعاث الخارجي للشباب لأهم الجامعات والتوسع في إنشاء الجامعات وأندية الشباب الرياضية، لأن الشباب هم أمل الأمة وعمادها في المستقبل.
- الاهتمام بالحوار في الداخل والخارج، فكان مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني وكانت اجتماعات ولقاءات الحوارات بين الأديان والحضارات في مكة المكرمة ومدريد ونيويورك.
- المشروعات الإصلاحية القضائية والعدلية وتنظيم المحاكم.
- المشروعات الاقتصادية وكان أثرها الواضح وذلك بإنشاء المدن الاقتصادية والمراكز المالية والمواصلات والطرق والسكك الحديدية وقطار الرياض الذي كان الناس ينتظرونه بفارغ الصبر والتشوق.
- الشؤون الصحية ورعايتها كان دورها بارزاً في عهده حيث أصبحت المملكة محط الأنظار للعلاج والطبابة، خصوصاً فصل التوائم السيامية.
- الرعاية الاجتماعية والشؤون الاجتماعية وخدمة الأسر الفقيرة والمحتاجة.
- وقبل هذا وذاك تلك العناية والتوسعة التاريخية للحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة والتي تعتبر أكبر توسعة في تاريخ العصور الإسلامية المتعاقبة.
أما المحور الثاني فهو وضع المملكة العربية السعودية في مركزها اللائق على الخريطة العالمية والذي تمثل بالآتي:
- إحدى دول العشرين الاقتصادية في العالم.
- دعم المؤسسات المالية والثقافية والزراعية في سلسلة منظمات الأمم المتحدة التي تعمل على مساعدة الدول الفقيرة وسكانها.
- ومثل هذا وذاك نجده حريصاً على وحدة الصف العربي والإسلامي فها هو يطرح مشروع السلام للقضية الفلسطينية الذي تبناه القادة العرب في قمة بيروت عام 2002م ليكون مشروع السلام العربي.
- ويعمل جاهداً على رأب صدع الجبهات المختلفة سواء في البلاد العربية والإسلامية في «أفغانستان أو الصومال أو فلسطين» أو في بعض اختلافات الحدود بين بعض الدول العربية.
كل هذا غيض من فيض جهوده وأعماله ومشروعاته رحمه الله تعالى.
ولقد استبانت آثار ونتائج هذه المواقف على تلك الوفود الرسمية والشعبية من كافة دول العالم التي تقاطرت للتشييع والتعزية في فقيد المملكة والأمة العربية والإسلامية والعالم أجمع.
ونحن وقلوبنا تعتصر ألماً وحزناً على وفاة فقيدنا الغالي الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله - فإنَّ قلوبنا وأبصارنا تتوجه إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - وكلنا أمل وتطلع واطمئنان بأنّه - حفظه الله - سيسير على هذا النهج القويم الذي رسمه وسار عليه مؤسس هذه المملكة العزيزة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن - رحمه الله - وإخوانه الكرام الملوك: سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله «يرحمهم الله» ونحن نردد قول شاعرنا العربي:
إذا مات منا سيّد قام سيّد
قؤول لما قال الكبار فعول
كيف لا؟ ومليكنا المفدى هو سليل هذه الدوحة المباركة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها في كل حين، أمناً واستقراراً وسعادة وهدوء بال، هل نتحدث عن هذا الملك المفدى في موقعه القيادي والإداري للعاصمة الرياض حتى أصبحت درة العواصم في عالمنا العربي، أم عن علاقته الحميمية الأخوية في الرأي والمشورة مع كافة إخوانه ملوك هذه المملكة العزيزة، أم نتكلم عن سعة اطلاعه وفكره ورؤاه، أم عن مجالس الحكم التي تحدَّث البعيد والقريب عنها، أم نتكلم عن علاقته مع العلماء والأدباء والإعلاميين والمؤرخين حتى أصبح أحد أهم مصادر التاريخ لـ(الجزيرة) العربية وقبائلها وشيوخها.
أم نتحدث عن أحاديث الناس في ضبط ساعتهم على مواعيد دوام وعمل المليك المفدى سلمان - حفظه الله - .
أم نتحدث عن مجموعة الأوسمة والأوشحة والدروع من قادة الدول العربية والإسلامية والعالمية، أم نتحدث عن مواقفه واهتمامه بالقضايا العربية الإسلامية وعلى رأسها قضية فلسطين والقدس والمسجد الأقصى.
نسأل الله سبحانه أن يتغمد فقيدنا عبد الله بن عبد العزيز رجل الإِنسانية بالرحمة والغفران وان يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وأن يوفقه ويأخذ بيده إلى ما فيه خير الوطن والمواطنين وأمتنا العربية والإسلامية، ولعل أبيات شعر الشاعر يحيى السماوي تكون خاتمه مسك لبعض مناقب ومآثر المليك المفدى سلمان - حفظه الله - حيث يقول:
الباقيان الحمد والإيمان
والفانيان المال والإِنسان
يا ابن الموّحد والذين بمثلهم
تتشرف الأحداق والتيجان
سألوا عن المعروف ما عنوانه؟
فأجاب ثغر زماننا سلمان
ولقد أصابت جامعة أم القرى كبد الحقيقة التي عنونت كتابها منذ سنوات بعنوان «وطن في أمير» لنردد بكل جوانحنا وضمائرنا «يحيى سلمان ليحيا الوطن العزيز».
والبيعة والعهد موصول لصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رجل الإدارة والمواقف الإِنسانية، والبيعة والعهد لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية ورجل الأمن والأمان.
والله الموفق،،،