عندما كان الرئيس باراك أوباما يخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية في عام 2008، كان يكرر دوماً بأنه يستلهم سيرة الرئيس الأمريكي التاريخي، إبراهام لينكولن، والذي حكم بين الأعوام 1860-1865، ولينكولن هو أحد أشهر الزعماء التاريخيين، فإضافة إلى قدراته القيادية، وشجاعته، فهو محام بارع، ولا تزال مناظراته مع ستيفن دقلس تدرس في الجامعات الأمريكية، وهو الذي حمل على عاتقه قضية تحرير السود، لا من منطلقات إنسانية فقط، كما يعتقد البعض، بل كان ذلك تعبيراً عن بعد نظره، إذ كان يعتقد أنه إذا لم يتم تحرير السود، فسوف تتطور الأمور إلى ثورة شعبية، قد لا تستطيع الحكومة الفيدرالية مجابهتها، ولذا استبق الأمر، وخاض حربه لتحرير السود حتى النهاية، وانتصر فيها.
الرئيس أوباما كان متاثراً جداً بسيرة هذا الرئيس الاستثنائي، واعتقد الجميع، خصوصاً في عالمنا العربي، والإسلامي أنه سيعيد ذكرى هذا الرئيس، وسيساهم في حل مشاكل الأمة الأمريكية، وكثيراً من المشاكل العالقة حول العالم، ولكن فترة رئاسته الأولى، وما مضى من رئاسته الثانية لا توحي بذلك على الإطلاق، فمع أن النظام السياسي الأمريكي نظام مؤسساتي، لا يمثل الرئيس فيه إلا جزءاً من السلطة، ومع أن السياسات الأمريكية يتم رسمها لعقود مقبلة، إلا أن الرؤساء الكبار، مثل جورج واشنطون، وتوماس جيفرسون، وإبراهام لينكولن، وفرانكين روزفلت، وجون كينيدي، وريتشارد نيكسون كانت لهم إسهامات بارزة، وذلك نتيجة لتميزهم، وجرأتهم، ومقدرتهم على اتخاذ القرارات الشجاعة، وبلا تردد، في الأوقات التاريخية المناسبة، ويبدو، حتى الآن على الأقل، أن أوباما ليس على قدر أؤلئك الزعماء التاريخيين.
تميزت مواقف أوباما بالتردد، والاضطراب، وكان بطيئاً في اتخاذ القرارات المناسبة، في الأوقات المناسبة، وما أحداث الربيع العربي، أو بالأصح ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي إلا خير مثال على ذلك، وقد كشفت ثورة سوريا، وتداعياتها المملة حقيقة مواقف إدارة أوباما المتذبذبة، والمرتبكة، والتي أثرت على علاقات الولايات المتحدة بحلفائها التاريخيين في منطقة الشرق الأوسط، وجعلت أعداءها التاريخيين يتندرون عليها، ولا يقيمون وزناً لتصريحات مسؤوليها، وهذا يحدث للمرة الأولى منذ تفرد الولايات المتحدة بزعامة العالم منذ أكثر من عقدين، وهو الأمر الذي أشعل غضب الجمهوريين، وحتى جزءاً كبيراً من الديمقراطيين المحافظين، بل وصل الأمر حد التندر على أوباما من داخل قاعدته الديمقراطية الرئيسية، أي يسار الحزب الديمقراطي!!، ولا يلوح في الأفق ما يشير إلى تغير ملموس في سياسات إدارة أوباما، وهذا يعني أن حلمه في أن يكون زعيماً تاريخياً مثل لينكولن قد تلاشى إلى حد كبير، فهل تراه يدرك ذلك؟!.