لم أكن أتوقع أن تكون ردة الفعل على مجموعة مقالاتي، والتي تحدثت فيها عن تجنيد الشباب، أو إن شئت الدقة، التغرير بهم للذهاب إلى القتال في بؤر التوتر حول العالم، بهذه الإيجابية، فقد تفاجأت بالكم الكبير من التفاعل الإيجابي مع ما تم طرحه، ويبدو أن الناس قد بدأت تدرك حجم المأسأة التي يعيشها كثير من المغرر بهم، خصوصاً بعدما تبين أن كثيراً من هؤلاء الشباب يتم الزج بهم، ليقاتلوا تحت رايات لا علاقة لها بالجهاد، بل هي جماعات مسيسة تقاتل لصالح أطراف معينة، أي قتال مدفوع الثمن، وقد صدم كثير من الشباب الذين غرر بهم، عندما اكتشفوا هذه الحقيقة المرة، ولكن بعضهم وقع في المصيدة، وخسر حياته ثمناً لذلك، وترك وراءه مآسي لا يعلم مداها إلا الله.
لم يعد سراً أن «قعدة الخوارج»، الذين يغررون بالشباب، لا يذهبون للجهاد، بل ويمنعون أبناءهم من الجهاد !!، حتى لو أراد الأبناء ذلك، والأمثلة أكثر من أن تعد، وتحصى، كما لم يعد سراً أن المناشط اللاصفية بالمؤسسات التعليمية هي الخطوة الأولى للتجنيد، والمنهج الخفي بمدارسنا لم يعد خفياً، وما يحز بالنفس حقا هو أن الذين يجندون أبناء الآخرين للتمرد على أهاليهم، وعلى الدولة باسم الجهاد، هم من أكثر الناس تعلقاً بالحياة، وهم أصحاب ثروات طائلة، ويعيشون في رغد من العيش، وبحبوحة لا ينافسهم فيها أحد، ولعلكم تتذكرون أولئك المحرضين، والذين لم يكن لهم حديث إلا الجهاد، ثم فوجئنا بهم في غمرة ذهاب الشباب إلى أرض القتال وهم ينشرون صوراً استعراضية لهم في دول سياحية !!، ثم اطلعنا أخيراً على صور لأحد دعاة الجهاد، وجمع التبرعات، وهو في جلسة استرخاء في أرقى مطاعم نايتس برج في لندن، والغريب أن المغرر بهم لا يتساءلون، ولا يتوقفون عند هذه التناقضات، إذ يبدو أنه قد تم غسل أدمغتهم بشكل يفوق كل تصور، وماذا بعد ؟!.
بعد مشاهدتي للقاءات بعض الموقوفين، توصلت إلى قناعة تامة بأن الفكر المتشدد، والمنحرف أسوأ بكثير مما كنا نظن، فهذا الفكر يلغي المنطق، ويقتل المشاعر الإنسانية، ويحول الإنسان إلى وحش كاسر، يعلن عداءه لكل شيء، ولكل أحد، فهل يعقل أن يتمنى أحدهم أن يترك أسرته، ويعيش في أقصى الأرض يجاهد طواحين الهواء في عالم تحكمه لغة القوة غير العادلة، ويظل مثل هؤلاء الموقوفين الذين أعلنوا عن أنفسهم، واعترفوا بفكرهم المنحرف، أقل خطراً من «القعدة» الذين يعيشون بين ظهرانينا، ويؤمنون بذات الأفكار المتشددة، ولكنهم يتلونون، ويتقمصون دور الإنسان المعتدل، والمسالم، بينما هم في الحقيقة أشد خطراً ممن اعترف، وتم القبض عليه، وهؤلاء هم الذين يغررون بشبابنا، وأظنكم تعرفون كثيراً منهم، فهم يعملون في وضح النهار من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ناهيك عن نشاطاتهم التي تتم في الخفاء، فاللهم رد كيدهم في نحورهم، واحفظ الوطن من شرورهم.