لعله لا يخفى عليكم أن أهم منابع «التجنيد» للتيارات المتشددة هي المناشط اللاصفية في مؤسسات التعليم، فهذه المناشط التي يراد من ورائها تحفيز النشء، وصقل مواهبه، وتفجير الطاقات الكامنة بداخله، تحولت منذ سيطرة التيارات الحركية على المناشط اللاصفية إلى بؤر للتجنيد عن طريق تزهيد النشء في الحياة، ولعلي لست بحاجة لعرض نماذج من هذا، وإن كنت - بحكم عملي - شاهدا ذات يوم على نوعية النشاطات التي يتم عرضها، وهي تشمل فيما تشمل نشاطات لم نعهدها، مثل كيفية تغسيل الميت، ودفنه!!، وهي النشاطات التي تعرض لها بعض الكتاب، والباحثون، ولاقوا بسبب ذلك كل أنواع المضايقات، والتشهير، والتجريح، وهذه بالطبع هي أساليب التيارات المتأسلمة في مواجهة خصومها على الدوام.
ولعل من عاصر منكم المناشط اللاصفية قبل أدلجة التعليم، يتذكر نوعية النشاطات التي كانت شائعة في ذلك الوقت، فقد كان هناك مسابقات ثقافية، ونشاط مسرحي، ومحاضرات، وندوات في شتى التخصصات الأدبية، والعلمية، إضافة إلى تكليف الطلاب بإعداد صحائف حائطية، تكون عبارة عن جريدة مصغرة تحتوي على كلمات، وشعر، وأخبار، وحكم، وكذلك نشاطات رياضية، ومهرجانات يحضرها الأهالي، وكانت هذه المناشط تجذب الطلاب، وتصقلهم، وتؤهلهم للمراحل اللاحقة، والتي يكون النشاط اللاصفي فيها مكثفا بدرجة أكبر، خصوصا في مراحل التعليم الجامعية، والتي كانت تشهد نشاطات لم يعد كثير منها موجودا اليوم، وأتحدث هنا عن مسابقات الرواية، والقصة القصيرة، والشعر، ولا يوجد في الأفق ما يشير إلى تغير الوتيرة الحالية للنشاطات اللاصفية.
نحزن جميعا عندما نقرأ عن شبابنا الذين يتم التغرير بهم للقتال في بؤر التوتر، ونتساءل دوما عمن يجندهم، ويجعلهم قنابل قابلة للانفجار في أي لحظة، وفي أي مكان، ولكننا نغفل عن الأسباب الجوهرية التي توصلهم لهذه المرحلة «الانتحارية»، ولا أدري ماذا نتوقع من شاب يتم تزهيده بالحياة في كل لحظة، سواء كان ذلك في المدرسة، من خلال المناشط اللاصفية، أو من خلال المنهج الخفي، أو في المناشط الأخرى خارجها، والتي تكون المدرسة غالبا جزءا منها، فهل يتوقع أحد من مثل هؤلاء الشباب أن يقاوموا دعوات «منظري التيارات المتأسلمة»، و»القعدة» للقتال في أي بقعة، فهؤلاء الشباب قد تم تزهيدهم في لحياة للدرجة التي تجعلهم يبحثون عن الموت بأي وسيلة، وفي أي مكان، وتظل المسؤولية الكبرى على منظمي النشاطات، والقائمين عليها، وعلى الأسرة، والتي غالبا تمنح ثقتها لمن لا يستحق الثقة، فهل حان الوقت لالتفاتة جادة، وحقيقية لتنظيم عملية المناشط اللاصفية في مؤسساتنا التعليمية، وغربلتها لتتواءم مع مسيرة التنمية التي تشهدها هذه البلاد منذ فترة غير قصيرة، نتمنى ذلك.