إن من نعم الله - عزوجل - على بعض الناس : نعمة الجاه، ونعمة المنصب، ونعمة المال، وهي نعم تستوجب على من أنعم الله بها عليهم أن يشكروا الله - عزوجل - عليها، ويحمدوه عليها، ويعلموا أنها هبة من عند الله، لا أنها من قوته هو أو اكتسابه، فهذا صفة المتكبرين المغرورين، كما حكى الله - تعالى - عن قارون الذي آتاه الله من الكنوز ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبة أولى القوة، فقد نصحه قومه بأن لايغتر بثروته، وألا يفرح بها فرح بطر وأشر، فأجابهم قائلاً :{إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} (78) سورة القصص.
ومن واجب شكر هذه النعم: أن يستعملها صاحبها في فعل الخيرات، واكتساب المكرمات، ونفع الناس، وتفريج كرباتهم، وتخفيف آلام المكلومين، ومسح دموع اليتامى والأرامل وذوي العاهات والمحتاجين.
وهذا من صفات الكرام والأجواد، ومن مقتضيات الطبائع السليمة، وقد روى لنا التاريخ، وعاصرنا بأنفسنا أشخاصاً خلدوا ذكرهم ومآثرهم الحميدة بسبب سعيهم في فعل الخيرات، ونفع الناس فسخّروا جاههم، ومناصبهم، ومالهم في كل خير، ولا يزال الناس يدعون لهم بالأجر والمثوبة، ويذكرونهم - بكل خير - في المجالس واللقاءات، مع ما ينتظرهم من الجزاء الأوفى، والثواب الأعظم عند الله - تعالى - الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا.
وكم من شخص روى لنا التاريخ، بل وعاصرناهم، وشاهدناهم كان همهم استغلال جاههم في مصالحهم، واستثمار مناصبهم في منافعهم الخاصة، وجمع المال واكتنازه لورثتهم، حتى إذا ذهب المناصب، وفقد الجاه، أوضاع المال، ندموا على مافرطوا فيه من المكسب الحقيقي، وهو فعل الخير، وامتلاك قلوب الناس بالإحسان، وبناء مجد حقيقي بالذكر الحسن الذي يبقى بعد موته، وأهم من ذلك أنهم خسروا دعوات الناس لهم بالغيب، بل ربما اكتسبوا أن يدعوا عليهم أشخاص لجؤوا إليهم، وطلبوا منهم مساعدتهم، فردوهم، وكسروا قلوبهم، وأدمعوا عيونهم.
فيا أيها الفضلاء من ذوي الجاه، والمناصب، وأصحاب الأموال، استغلوا نعمة الله عليكم، واشكروها بأن يصل نفعها إلى أكبر قدر ممكن من الناس، والأحباب والأصدقاء والمحتاجين، واحتساب الأجر في ذلك عند الله - تعالى - وأذكركم وأذكر نفسي بقول الله - تعالى:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} (77) سورة القصص.
وما أجمل وأروع قول الإمام الشافعي رحمه الله:
وأَدّ زكاة الجاه وأعلم بأنها
كمثل زكاة الجاه تم نصابها
وأحسن إلى الأحرار تملك رقابهم
فخير تجارات الكرام اكتسابها