من المعلوم في شريعتنا الإسلامية أن ديننا العظيم يأمر أولاً بالمحافظة على مشاعر الفقراء، وعدم إحساسهم بأي نوع من الأذى، أو التنغيص، من أجل ذلك نهى الله - تعالى - أن يمن الإنسان عـلى الفقير بصدقته، فقال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}، كما أثنى الله - تعالى - على الذين لايتبعون صدقاتهم بالمن، وجعل الكلمة الطيبة خيرا من صدقة مقرونة بالمن والأذى، فقال - تعالى -: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ}.
ولهذا - أيضاً - كانت صدقة السر عظيمة الأجر عند الله، كما جاء في الحديث أن من السبعة الذي يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، رجلاً تصدق حتى لاتعلم شماله ما تنفق يمينه.
ومن أوجه عمل الخير ذات المصداقية، والتأثير الإيجابي، مع ضمان السرية، وعدم إتباع الصدقة بالمن والأذى التوجه إلى البقالات داخل الأحياء الفقيرة، والاطلاع على دفاتر الفقراء والمساكين والمحتاجين من الأرامل، والمطلقات واليتامى التي يسجل فيها صاحب البقالة ما يأخذونه من أغراض زهيدة، وحاجيات ضرورية، للأكل والشرب، على أن يسددوا أثمانها في آخر الشهر عند نزول رواتبهم، أو مخصصاتهم الضئيلة من الضمان الاجتماعي، أو المساعدات، وقد تبدو تلك المبالغ زهيدة في نظر الموسر، لكنها في ثقل الجبال على أولئك المحتاجين ممن وصفتهم آنفاً.
ولا يمكن لأحد أن يتصور مدى الفرحة والبهجة والسرور التي ستشعر بها أرملة في بيتها أيتام، عندما تجد أن ما في دفترها من ديون تؤرق مضجعها قد تم سدادها، وأن تلكم المبالغ الزهيدة التي كانت ستعطيها للبقال مقابل ما سدّ به أيتامها جوعهم، يمكنها أن تستر به عورتهم بشراء ملابس مستعملة، أو رخيصة، إنه لموقف يشبه يوم العيد عندها.
ولكم أن تتصوروا هذه المرأة، وهي ترفع أكف الضراعة في جوف الليل، وهي تدعو لهذا الرجل الغريب الذي سد عوزها, ويسر عسرتها، وفرج كربتها دون أن تريق ماء وجهها، أو أن تضطر إلى الطواف بين البيوت.
أرجوكم أن تتصوروا هذا المشهد العجيب: أنت في شدة، وعسر، وكرب يؤرق مضجعك، ويذهب النوم من عينيك، وفجأة تكتشف أن الله قد فرج ذلك عنك على يد شخص لاتعرفه، وأن العسر جاء بعده اليسر، وأن الحزن انقلب إلى فرح وسرور.
وإذا كنت لاتستطيع أن تقوم بذلك بنفسك، فانشر هذا المقترح بين أصدقائك ومعارفك، فإن الدال على الخير كفاعله.