من إيجابيات المطر أنه يكشف الخلل، ويدحض الدعاوى الباطلة، ويعري تقصير بعض المسئولين. نستغرق في سماع الأخبار المخدرة الباعثة للاطمئنان المؤقت من بعض مسئولين لا يقدرون المسئولية الملقاة على عواتقهم، وما أن تهب الرياح وينزل المطر إلا وينكشف المستور ويتبين معها أن كلام المسئول يطير مع العواصف أو يمحوه المطر.
السبت الماضي هبت عواصف وهطلت أمطار متوسطة على مدينة بريدة فسارع بعض المواطنين في ظل غياب من العاملين في أمانة القصيم لإزالة أشجار البرسوبس الضخمة التي تهاوت على الأرض, وأغلقت الطرق وأعاقت حركة السير، فيما تطوع مواطنون لاستخراج السيارات من تحت تلك الأشجار الضخمة وخاصة في حي الصناعية.
مأساة أبناء بريدة مع أشجار البرسوبس متواصلة منذ أكثر من عشرين عاما، إذ بقيت هذه الأشجار المكروهة صامدة في شوارعها وميادينها رغم نداءات السكان المتكررة وصيحاتهم المتواصلة دون جدوى. أدخلت شجرة “المسكيت” وهي من أنواع جنس البرسوبس والمعروفة بالعربية بشجرة “الغاف” من إحدى دول أمريكا الجنوبية وزرعت في ذلك الوقت في شوارع وحدائق وميادين بريدة، وأثار انتشارها غير المخطط جدلا كبيرا بين الناس، وارتفعت الأصوات بالمطالبة بسرعة إزالتها لأضرارها الكثيرة. من تلك الأضرار الصحية والبيئية الواردة في تقرير أحد الخبراء الزراعيين في منطقة القصيم أنها تسبب أمراض الحساسية والربو والسعال، وإضافة إلى أنها تفسد التربة وتقتل النباتات القريبة منها فإنها غير قادرة على مقاومة الرياح وخصوصا إذا تركت دون تقليم وعناية دائمة تجعلها بصورة منتظمة تبدو في حجم صغير، أما إذا تركت وأهملت كما هي في وضعها الحالي فإنها تسقط عند هبوب أي عواصف ما يؤدي إلى تدمير السيارات الواقفة بالقرب منها، وإلى تصدع الأرصفة وهو ما يتضح لك عند مرورك بكثير من أرصفة الشوارع في المدينة وآثار الدمار والانهيارات ما جعلها غير صالحة للسير عليها، ولأن جهاز الصيانة في أمانة القصيم غائب عن المشهد، ولا يتفقد التلفيات فإن وضع الأرصفة والشوارع يزداد سوءا مع مرور الأيام وترك الأشجار المضرة دون إزالة. والضرر الآخر أن هذه الأشجار تتسبب بتساقط أوراقها المستمر في تلويث البيئة وزيادة الأعباء على شركات النظافة.
من جلب هذه الأشجار غير الصحية وهو بالمناسبة رئيس بلدية سابق في بريدة لا زال إلى اليوم ومن خلال لقاءاته التلفزيونية يدافع عن وجودها بضراوة واصفا محاولات إزالتها بالجريمة، وناعتا مبررات التخلص منها بالسخيفة. بدلا من اعترافه بالخطأ الفادح الذي كلف الدولة الملايين راح يدعو الناس - حسب رأيه الشخصي الذي يخالفه الجميع - لتحمل سلبياتها في مقابل تمتعهم بإيجابياتها ! أي منطق هذا فهل يتحمل الناس الأمراض ويتعرضون للأضرار للتمتع بخضرة تلك الأشجار على حد زعمه ؟. تعليق ساخر استوقفني لأحد السكان ضحكت منه ولم آخذه على محمل الجد لبعده عن الواقع، يقول “هل لمن زرع تلك الأشجار مصلحة ويضيف يبدو لي والله أعلم أنه يملك مستشفى خاص بعلاج أمراض الصدر”!
أمانة القصيم بحسب متحدثها الإعلامي يعلق بقوله إنهم توقفوا عن زراعة هذه الأشجار، والواقع يقول أيضا إنهم توقفوا عن إزالتها ! فمتى تتحرك الأمانة بكل إمكاناتها لإزالة ما تبقى وزراعة أشجار نافعة بدلا منها ؟ هذا هو السؤال المطروح فهل من مجيب؟