أولويات مقلوبة

الأولوية لدى الإنسان تأتي في رأس قائمة اهتماماته لا أسفلها. إشكالية الأولويات أنها لا تأخذ طابعاً نمطياً ثابتاً وإنما تتغيــر قائمتهــا صعوداً وهبوطــاً بتغير الظروف والأحوال، لذا يظل التعامل مع تلك الحالات غير الثابتة صعباً.

لا تستطيع أن تفصل بين أولوية الأفراد والمجتمع، لأن الأفراد يحققون أولوياتهم من خلال المجتمع والعكس صحيح تماماً، والملاحظ أن الفرد كلما حقق طموحات مهمة في قائمته انتقل لوضع تصورات لأولويات جديدة، وكل ذلك يتحقق عن طريق مؤسسات المجتمع العامة والخاصة والتي إذا لم تتمكن هي الأخرى من توفير تلك الأولويات فإن الأفراد يقفون عاجزين عن الحصول على أولوياتهم، وهنا تتداخل سياسات الدولة وجماعات الضغط في التأثير على عملية تحقيق الأولويات، فكثير من التطلعات تصطدم بالتيارات الممانعة ذات التأثير الكبير على مجريات الأمور ورغبة الدولة في تحقيق التوازنات بين الأطياف الاجتماعية كافة.

الإشكالية الظاهرة تتمثل تحديداً في عملية قلب الأولويات والتي أدت على مدى طويل إلى نتائج أثرت على مسار التنمية نتيجة الهدر في الموارد البشرية والمالية، وأفرزت مشكلات خطيرة مثل البطالة بسبب توجه معظم الطلاب لتخصصات لا يحتاجها سوق العمل في حين ظلت مخرجات العلوم الطبية والطبيعية والهندسية محدودة. تهميش قضايا المرأة مثلاً وهي تشكل نصف المجتمع أدى إلى شلل نصفي ما زال يعاني منه مجتمعنا رغم أن أولويات المرأة غير واضحة أو هكذا يراد لها، فالإعلام لديه قائمة أولويات في حين تلوح الجماعات المحافظة بأولويات أخرى، وتؤثر الجماعات المعتدلة السكوت ومراقبة الوضع عن بعد. تساؤلات تطرح حول أي قضايا المرأة لها الأولوية رغم أن هناك محددات للأولويات مثل الاكتفاء الذاتي للأفراد والرغبات الشخصية وطبيعة المجتمع والمتغيرات الاجتماعية والعوامل الاقتصادية التي فرضت مشاركة المرأة حتى لا تشكل عبئاً وبخاصة من ليس لديها عائل أو ضمن أسرة محدودة الدخل تسعى لزيادة دخلها.

تطرح أولويات المرأة بين قضايا تربية الأطفال والعمل والمشاركة السياسية، ونوعية العمل الذي يناسبها، ثم تأتي قضية قيادة المرأة للسيارة وهي القضية التي أشغلت الرأي العام سنوات طويلة رغم أن أولويتها مرتبطة باحتياج المرأة من كونها تعتمد على سائقها الخاص أو لا تجد وسيلة نقل متاحة، أو أن لديها أموراً أهم. من يحدد ذلك؟ المرأة دون غيرها بالتأكيد.

قد يكون هناك أكثر من أولوية في وقت واحد، وهناك سؤال مطروح هل تحقق الأولويات بالترتيب أم يمكن إنجازها دفعة واحدة؟ سؤال مهم وجوابه مرتبط بالإمكانات، فالدولة إمكاناتها كبيرة ويمكنها العمل لتحقيق أكثر من أولوية في وقت واحد، لذلك لا يمكن القبول بوجهة نظر من يرى الانتظار حتى يحقق الأهم من وجهة نظره، فالتوظيف ومشكلات الأسرة والإسكان ومطالب المرأة وقضايا التعليم كلها قد تتحقق في بوتقة خطط متوازية.

لكن من يحدد الأولويات؟ يرى نورتن لانج أن وسائل الإعلام وفي مقدمتها الصحف تلعب دوراً كبيراً في تحديد ما يتحدث عنه الأفراد وما يفكرون فيه. هذا الكلام صحيح لكن تكمن خطورته في تمرير ما يرغبون على أنه الأولوية دون سواه، وفي مجتمعنا تدخل الجماعات الرافضة على الخط لنسف ما لا ترغب فيه وهنا يأتي دور الدولة في تقرير ما ترى أنه في صالح الناس من واقع أكثر الآراء نضجاً ورشداً، والإسراع في اتخاذ قرارات بهذا الخصوص يختصر الزمن ويجنب البلد الهدر البشري والمالي.

Shlash2010@hotmail.com

تويتر @abdulrahman_15