التذمـر أعــلا الأصوات في عالم اليوم، وهو من الشمولية والاتساع بمكان، حتى صار الكل بلا استثناء يأخذ منه بطرف، الصغار كما الكبار، النساء مثل الرجال، والفقراء والأغنياء على حد سواء.. المتعلم والأمي.. المواطن والمقيم.. الكاتب والقارئ.. الحاضرة والبادية و..
# الفقراء مثلاً يبحثون عن لقمة العيش، ويتذمرون من واقعهم اليومي خاصة وهم يعيشون في مجتمع الرفاهية والثراء، والأصل فيه الالتزام بمبادئ الإسلام التي تأمر وتحض على التكاتف والتراحم والعطاء.. يشتكون إعراض الأغنياء عنهم، وعدم صرفهم الزكاة التي هي حق لهم في شرع الله ليس لأحد مهما كان فضلاً ولا منة في إعطائها ولا يملك تأخيرها أو منعها.
# الجامعيون “العاطلون أو المعطلون” يبحثون عن فرصة عمل تتناسب وطبقتهم الاجتماعية وانتماءتهم القبلية وتتوافق مع شهاداتهم وقدراتهم ومهاراتهم، وتلبي طموحاتهم وتطلعاتهم الحالية والمستقبلية، ويتذمرون من شح الوظائف وقلة الفرص وصعوبة لقمة العيش وتسكينهم في خانة “البطالة” رغم وجودهم في بلد البترول.
# المستأجرون الذين لا يملكون سكنا ولا حتى أرضا يقيمون عليها مشروعهم الذي ما زال في رحم الغيب، يبحثون عن سكن يتلاءم واحتياجاتهم الأسرية ويتذمرون من واقعهم المرير وهم في بلد نفطي بامتياز، والأراضي فيه شاسعة وواسعة.
# العزاب يتمنون الانتظام في ركب المتزوجين، ويتذمرون من غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج ومن ثم عدم استطاعتهم دخول هذا العش الآمن في ظل ظروفهم الاقتصادية الصعبة اليوم.
# المواطنون يطلبون الأمن، ويتذمرون من اختلال موازينه بصورة أو بأخرى، ويتخوفون من المستقبل إذا لم يكن هناك حذر وانتباه وتصحيح للأوضاع وسد للثغرات وشد على أيدي السفهاء والضرب بقوة وصرامة في مواجهة جرائمهم التي تفتك بأمن الوطن وأمانه.
# الساسة ينشدون الراحة، ويتذمرون من سرعة إيقاع الحوادث وغطرسة القوى العالمية وصلفها وتبدل المواقف وعدم ثبوتها.
# المتحفزون للتغيير مهما كان الثمن باهظاً،، والبعض من الكتاب والمثقفين والمغردين متضجرون من الواقع العام والسياسية الحالية “الداخلية منها والخارجية”، ويتذمرون من غياب العدالة وتواري المساواة المجتمعية عن دنيا الناس، ويطالبون بالتوزيع العادل وضبط بوصلة حقوق الإنسان للجميع وعلى الجميع.
# المتزوجون يطلبون الاستقرار الأسري، ويتذمرون من غياب الأمن النفسي والراحة الجسدية داخل بيوتهم التي هي في الأصل منبت الطمأنينة وموطن السكن، ولذلك يهربون إلى الاستراحات ويقضون بها جل ساعات يومهم بعد خروجهم من الدوام.
# اليتيم مجهول الأبوين يتضايق من مجتمع يعاقبه على جريرة لا يعرف عن خيوطها ولا يعلم عن ماضيه شيئا، ويتذمر من نظرات من حوله له.
# المسئول يتضجر ويتذمر من ضغط المجتمع عليه ومطالبته له بما ليس في استطاعته، وليس تحت يده، ويؤخذ عليه.
# رجل الأعمال يتبرم ويتذمر من الأنظمة التي جدت، وعدم الوضوح والشفافية من قبل المشرع ومتخذي القرار، والارتجالية في السن والتطبيق، وعدم منحه فرصة كافية للتصحيح.
# المرأة تتذمر من إهمال الزوج رعايته لأسرته وعدم اكتراثه بمسئولياته اليومية في متابعة أولاده.
# المعلم يتذمر من سوء البيئة التعليمية التي يعمل بها، وصعوبة تدريس المناهج الجديدة، وأخذه نصابه التدريسي كاملا.
# الطالب يتذمر من تسلط المعلم، وغياب ميزان العدل التعليمي، وثقل يومه الدراسي.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، إلى متى وهذه اللغة ترتفع في دنيانا؟ وما أثر ذلك على وحدتنا الوطنية؟ ومن المستفيد من هذا السيل الجارف الذي يوغر الصدور ويحبس الأنفاس انتظاراً للقادم من الأحداث التي يخطط لها وينتظرها أعداء الوطن الساعون في إفساده وجره لمستنقع الفتن تحت مسميات مختلفة وبأساليب وطرق ملتوية؟! وما هو دور المواطن السعودي الصالح في إسكات أو على الأقل تقليل وخفض صوت التذمر الطاغي؟ وأين نحن من خارطة التصحيح الرامية إلى معالجة كثير من مواطن الاحتقان والتي دشنها وسعى إلى دعمها ومتابعتها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله؟
إن المرحلة التي نمر بها توجب على العقلاء قبل غيرهم التحرك الإيجابي لردم الهوة، وعلاج مواطن الخلل حتى تعود روح التفاؤل وتغيب لغة التذمر ولا يجد من أراد بلادنا بسوء من يركب الموجة معه، ويجندُ في سبيل الفساد والإفساد الفردي والمجتمعي، فما يتذمر منه كثير منا اليوم هو في العرف العام لدى المجتمعات “القديم منها والمعاصر” أمر طبعي بل هو في نظر العارفين المتبصرين بحال الدنيا سنة من سنن الله في الحياة وأمر قدري لابد وأن يقع شاء الإنسان أنه له من الرافضين، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.