* لو لم يكن لبعض الأنظمة والتشريعات واللوائح، أو تكوين المجالس المحلية إلاّ بعض تغيير المفاهيم والقناعات، لكان ذلك كافياً لتحقيق ولو بعض أهدافها النبيلة وغاياتها السامية.
* فكرة إنشاء (مجالس البلديات) على تأخر تنفيذها، وما شاب أداءها من ضعف واضطراب وبخاصة في (الدورة الأولى)،
إلاّ أنها مع ذلك خطوة رائدة يحتسب (لوزارة الشؤون البلدية والقروية) دعمها وتأييدها، وتطوير مهامها وتوسيع صلاحياتها. والدورة (الثانية) في التشكيل مارست صلاحيات أكبر، وتوسعت في المساءلات، وفتحت قنوات اتصال منظمة ودورية مع المواطنين، كل هذا يتم بصورة تجعلني أجزم بأنها حملت على عاتقها جزءاً من مهام الجهات الرقابية، وبالذات في توجيه الميزانيات والإشراف عليها.
* كانت خطط التنمية ومشاريع البلديات في المناطق والمحافظات والمراكز تدار بعقلية الرجل الواحد، ومن منطلق منظور القائمين على الجهاز الحكومي كلٌّ بحسب مهامه واختصاصاته. ورغم الجهود التي كانوا يبذلونها والتي أصبحت ملموسة في كل مناطق المملكة العربية السعودية، إلاّ أنّ الموظفين الحكوميين قليل منهم من يجرؤ على طرح المشكلات والعوائق التي تواجهه بكل شجاعة، ولهذا كان المواطن ورجل الأعمال ينظر إلى أعمالهم بعين الشك والارتياب، ويكيل التهم الجزافية لهذا وذاك، ويقلل من شأن الجهود مهما تعاظمت، من غير أن يلتمس لهذا أو ذلك المسؤول عذراً، والكلمة التي تلاك برتابة (الحكومة لم تقصر!!)، وهكذا هو الإنسان كان ولا يزال (عدو لما يجهل).
* بعد إشراك المواطن، ورجل الأعمال، والموظف في المجالس البلدية والمحلية ومعايشتهم، أو وقوفهم على بعض الأنظمة واللوائح والإجراءات الطويلة والدقيقة التي تحكم العمل، تغيّرت مفاهيمهم وقناعاتهم، وإذا بهم بين عشيّة وضحاها، وبشكل مفاجئ لهم هدف يرمى من كل حدب وصوب، فأمسوا أمام بعض العقبات والمشكلات شركاء في البحث الجاد عن الحلول، وشركاء في الإسهام بدعم المسؤول، وأحياناً يتخذ المسؤول الأول أصوات الأعضاء وآراءهم حجة في بعض قراراته، وتوجيه مشاريعه. وهذا جزء من الفلسفة الإدارية في تشكيل مثل تلك المجالس، وقس على هذا المجلس ما عداه من المجالس الشورية والرقابية، القديمة والحديثة. كما أنّ ذلك نوع من أنواع التحوُّل في ممارسات الإدارة من المركزية إلى (اللامركزية)، أو ما يسمّى بالإدارة (الشورية)، أو الإدارة ( الديمقراطية).
* هكذا، فالمجالس، وأعضاء اللجان في بعض القطاعات، سواء كانت حكومية، أو شبه حكومية، كبعض القطاعات الخاصة التي تشرف عليها أجهزة الدولة، أصبح شريكاً في وضع الاستراتيجيات، شريكاً في وضع خطط التنمية، وشريكاً في الرقابة على الميزانية العامة، وعلى الحساب الختامي لبعض القطاعات.
* ليس من المستغرب أمام الفكر الإداري الجديد، أن ينشأ في بعض هذه المجالس اختلافات عميقة جداً قد تصل إلى حد الخصومات، وتقديم الاستقالات الفردية، أو الجماعية، وقد يدفع بالقضية لأروقة المحاكم، وقد تشكِّل في بعض صور هذه الممارسات عائقاً أمام جهاز ما، في بعض المناطق، أو المحافظات، لكن هذا الحراك واللجج المصاحب، والمكائد يُعَد ضريبة التغيير والتجديد، والمشاركة في صنع القرار من أعضاء الفريق .. كل هذا وذاك اعتبرها خطوات التصحيح التي يجب أن نتوقعها ونتقبّلها، وستزول مع نضج التجربة الفنية واكتمالها.
* كما أسلفت فأنا على يقين تام أنّ (المجالس البلدية) تمارس دوراً رقابياً ووقائياً لا يمكن أن يستهان به بأي حال من الأحوال، وربما وجدناه في المستقبل القريب يحاول إدخال مفاهيم الجودة في الأداء والتنفيذ كإحدى المهام التي تضطلع بها هذه المجالس، وبخاصة وأنه قد طعم في تشكيله في المناطق والمحافظات بخبرات إدارية عريقة، وكفاءات مهنية متخصصة، إلى جانب أنّ أكثر ما يرصد على المشاريع الحكومية ضعف الإشراف، والخطأ في التنفيذ، سواء كان عن عمد، أو بدون عمد، ولو قدّر وأصبح هناك تنسيق وتعاون ملموس بين الجهات الرقابية وهذه المجالس، لكانت الإيجابيات مذهلة، ولما تفاقمت مشكلة بعض المشاريع، وأصبحت عبئاً يتراكم على الدولة، وأمسينا أمامها، كالنائحة اللاطمة للخدود، الشاقة للجيوب أمام الكوارث. كل ما نأمله أن يكون هناك مجالس أخرى، ومؤسسات (مجتمع مدني) راقية وفاعلة تسهم في إدارة الشؤون الداخلية، بحيث لا تبقى رهن الاجتهادات الشخصية.