هل تملك الجرأة الكافية لتكتب عن هذا الموضوع أو ذاك؟ وهل لديك جرأة كي تهاجم ذلك المسئول الذي لا يخاف الله؟ أم أن جرأتك فقط على ضعاف القوم ومن لا حول لهم ولا قوة؟ إذا كنت جريئا كما تزعم فلماذا “لا تشرشحهم” وتكشف أخطاءهم وتجعلهم عبرة للمعتبرين وذكرى للاحقين؟
هذه أسئلة توجه غالبا لمن يكتب في الشأن الاجتماعي ومن يتصدى لهموم الناس، ومن أشخاص فهموا الكتابة على أنها تصيد وتربص وتسلط على خلق الله، وأن النقد إذا لم يكن لاذعا ومقرعا وموجها للأشخاص فلا فائدة منه. لا يدرك مثل هؤلاء أن جزءا غير يسير من الكتابة الصحفية الاجتماعية يوجه في الغالب لرفع مستوى الوعي وتنوير العقول وتثقيف البشر.
من جانب آخر، لا أعتقد أن كاتبا محترفا ومهموما بشئون المجتمع إلا ما ندر لا يملك الجرأة فيكفي أنه يكتب ويطرح رأيه ويناقش القضايا مذيلا مقالاته باسمه الحقيقي إن شئت ثنائيا أو ثلاثيا أو رباعيا، وأن رغبت أن يضع صورة بطاقته الشخصية ونبذة من سيرته الذاتية فلا مشكلة، وإن أحببت أن يضع مقطع فيديو في الموقع لبعض نشاطاته فلن يتردد، أي أن الكاتب يكشف عن نفسه وهويته وفكره وتوجهاته وهي جوانب هامة تحسب له في خانة الجرأة في وقت ظل الكثير من الجبناء يكتبون ويعلقون ويهاجمون ويسفهون تحت أسماء مستعارة ويحسبون أنهم أكثر جرأة من غيرهم في حين لا ينظر لهم العاقل سوى أنهم مجموعات جبانة لا تملك الجرأة، ولا هم يحزنون. يذكرني أحدهم بالسفيه الذي يرمي الماشي من خلفه ودون أن يتنبه بالحجر أو الكلمة النابية ثم يتوارى عن الأنظار خوفا وجبنا وقل من الأوصاف ما تشاء ! ومن الأشخاص من يدعي الجرأة في مجالسه الخاصة فيهاجم ويتهم ويقذف وما أن يظهر أمام الناس إلا وينعقد لسانه عن الكلام وما أكثر هذه النوعيات في مجتمعنا وأغلبهم عالة على أنفسهم قبل أن يكونوا عالة على مجتمع يعول على كل من يعيش على أرض الوطن أن يكون لبنة صالحة تفيد وتستفيد!
الإشكالية في نظري أن هناك من يخلط بين الجرأة والوقاحة، فيصفق للوقح وقليل الأدب مزهوا به وبوقاحته التي يعتبرها سلوكا يستحق أن يكون نموذجا متفردا يقتدى به وما علم أن الجرأة في الطرح تعني تناول القضايا العامة بالنقد الموضوعي المستند على الحقائق والمعلومات والأرقام والموجه للأعمال لا الأشخاص، فالمؤسسات بأعمالها ثابتة بينما الأشخاص متحركون.
يطرح الكاتب في صحافتنا موضوعات لا أبالغ إذا وصفتها بالجريئة جدا لكنها بالتأكيد الجرأة المطلوبة ومنها مناقشة قضايا التوظيف والبطالة والسكن والعمالة والتعليم والصحة ومناقشة أخطاء تحتاج لمعالجة، صحيح أن هناك موضوعات ترفض الصحيفة نشرها إما لأن في نشرها إساءة للبلد وخاصة عندما يستغلها الأعداء والمتربصون لتأليب الناس أو إثارة الشبهات، وربما أن بعضا منها يحمل إساءات أو تجريحاً لأشخاص كتلك المقالات التي تحوي في مضامينها أكاذيب أو افتراءات أو معلومات غير مؤكدة، أو تتطرق لقضايا لا زالت قيد النظر.
الخلاصة أن الكاتب الحر المصبوغ بالجرأة المحببة للناس الأسوياء لا ينتمي لحزب ولا يحسب على تنظيمات وإنما يصدح بقناعاته المنضوية تحت لواء وطنه دون مواربة.