محدثكم ينتمي للجيل الذي سبق ما يسمى بالصحوة، ويصعب على من عاش في تلك الفترة أن يستسيغ كثيراً مما جاء به الحركيون، أو جماعة «تسييس الدين»، أي استخدام الدين لأهداف سياسية، ففي ذلك الزمن الجميل، كان مجتمعنا لا يعرف «التصنيف»، فقد كان الناس نوعين، زقرتي، ومطوع.. وكانوا إخوة متحابين، وكان حينها رجل الهيئة رجل طيب، يحسن الظن بالناس، ويسعى إلى الستر، ولذا كان محبوباً، ومحلاً للثقة، ولذا لم يكن هناك حينها حديث في الإعلام، أو في المجالس عن هيئة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.. فقد كانت هيئة حكومية تقوم بعملها كما يراد له أن يكون، ولا زلت أذكر، في تلك الفترة، أن شابا، يقود دراجة نارية، وقع له حادث أليم، وكان في حالة غير طبيعية، وارتج علينا نحن الصغار في السن، وحينها هرع جماعة المسجد من كبار السن، وكان همهم هو الستر، ولذا حملوا الشاب، وأدخلوه في أقرب منزل وراقبوا حالته حتى استقرت، ثم ناصحوه، ودعوا له بالهداية، وتركوه يغادر المكان بهدوء.. فهل يا ترى كان هؤلاء الأتقياء، الأنقياء من جماعة المسجد أقل ديناً من جماعة «تسييس الدين»، أم أنهم كانوا يطبقون سنة نبيهم عليه السلام؟.
قبل أيام، وردتني رسالة من إحدى شركات الاتصالات تدعوني للإشتراك في خدمة تقديم النصائح، والفتاوى لمجموعة من كبار أعضاء تنظيم الإخوان -فرع السعودية-، ويستعصي فهم تجار الدين الحركيين، فهم يطلبون أن تدخل الأموال في حساباتهم قبل إلقاء المحاضرات، ويسافرون إلى كل دول العالم في رحلات مدفوعة التكاليف، وعندما أقول كل دول العالم فإنني أقصد ديار الروم، وبني الأصفر.. فمساكين إفريقيا لا حظ لهم من هذه الزيارات التي لا تتوقف!!، ومن لمجاهل إفريقيا بعد رحيل عبدالرحمن السميط -يرحمه الله-.. وبالمناسبة فإن أعضاء تنظيم الإخوان -فروع الخليج- لا يحبون سيرة هذا الرجل، وذلك لأنها تفضح سلوكهم، وتعريهم عند أتباعهم؛ والغريب أن هناك من أحبتنا الدهماء من يتبع مثل هؤلاء المتاجرين بالدين، بل ويدافع عنهم، ويشتم من يتعرض لهم، حتى ولو كان أحدهم قد أدين بحكم قضائي، أو صدرت منه مخالفات شرعية، بل وعقدية، فهؤلاء الأتباع قد غيبت عقولهم، وتمت برمجتهم من خلال المناهج الخفية، ومن خلال المنابر -بكل أشكالها- منذ زمن طويل.
الأمر المثير للسخرية هو أن تجار الدين يستغلون جهل أتباعهم للدفاع عن مصائبهم، فعندما يتم كشف أكاذيبهم، وألاعيبهم، ومخالفاتهم، تجدهم يتهمون من فعل ذلك بأنه علماني، أو ليبرالي، أو زنديق.. ومن الطرائف بهذا الخصوص أن أحدهم اشترى شهادة دكتوراه وهمية، وعندما تم كشف فضيحته بالوثائق، رفع عقيرته مدعياً أن من فعل ذلك هم العلمانيون الحاقدون، وذلك ليطعنوا في مصداقيته، ووجد من يدافع عنه، ومع ذلك نؤكد أن الزمن لا يسير للوراء، وأن المخاض الذي نعيشه حالياً في مجتمعنا سيكشف زيف المدعين، ويعيدنا إلى زمن الزقرتي، والمطوع، فاللهم أرزقنا الفرج.