هل يلزمني - في كل مرة - أن أقول إن نقد الديمقراطيات الغربية، لا يعني بالضرورة موقفاً ضد الحراك الديمقراطي لهذه المؤسسات العريقة، بقدر ما هو رصد تاريخي لهنات تعتري هذا الحراك أحياناً، فالديمقراطية يعتريها ما يعتريها من معوقات، تمنع المرشح المؤهل من الوصول إلى كرسي السلطة، ففي الولايات المتحدة، لا يمكن لمرشح مهما بلغت شعبيته وقدراته أن يفوز بالرئاسة، خارج إطار الحزبين الرئيسيين الجمهوري والديمقراطي. ولعلي أكرر الحقيقة التي تخفى على كثير من المتابعين، وهي أن هناك أحزاباً سياسية كثيرة في الولايات المتحدة، يشارك مرشحوها في الانتخابات الرئاسية، ولكن لا يمكن لأي منهم أن يفوز، وهذه من خصوصيات الديمقراطية الأمريكية، ففي الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لم يكن الصراع بين الرئيس أوباما، مرشح الحزب الديمقراطي، ومرشح الحزب الجمهوري ميت رومني، فمن كان معهم؟!.
كان هناك السيد قاري جانسون، مرشح حزب الحرية، فهل سمعتم به من قبل؟ ثم هناك مرشحة حزب الخضر السيدة جيل ستين، وهي سيدة حديدية ومتميزة، ومتحدثة لا يشق لها غبار، وهناك السيد توم هافلين، مرشح حزب أمريكا، والسيد مارلين ميلر مرشح حزب الرأي الثالث، في إشارة ضمنية إلى أن هناك رأيين فقط في أمريكا، هما وجهتا النظر الديمقراطية، والجمهورية! ثم نعرج على عضو الكونجرس السابق السيد فرجيل فود، مرشح حزب الدستور، ثم مرشح حزب العدالة، السيد روكي أندرسون، العمدة السابق لمدينة سولت ليك سيتي بولاية يوتا، وهناك عشرات غيرهم لا يتسع المجال لذكرهم!.
ليس هذا وحسب، بل لا يمكن لمرشح ديمقراطي، أو جمهوري أن يصل إلى المرحلة النهائية لسباق الترشح عن الحزب، ما لم يحصل على تصديق القوى الفاعلة، أو اللوبيات المتنفذة، وعلى رأسها بالتأكيد منظمة ايباك، وهناك سياسيون بارزون تم حرمانهم من شرف رئاسة هذه الامبراطورية الضخمة، وذلك لأن لهم موقفا سياسيا لم يرق لآيباك، أو لجماعات صناعة السلاح، أو صناعة السيارات، أو التوباكو، وغيرها من القوى الضخمة، والخفية، والتي تسمى جماعات الضغط، أو لوبيات المصالح!، ويأتي على رأس قائمة من حرموا من الوصول لسدة الرئاسة الأمريكية، السيناتور الديمقراطي قاري هارت، والذي كان نجماً سياسياً صاعداً، وكان الجميع يتوقع أن يخلف الرئيس ريجان في عام 1988، وفجأة لاحقه الإعلام وانتهك خصوصياته حتى تم الإيقاع به، اذ تم نشر صورة فاضحة له، تجمعه بالشابة الجميلة ديانا روس، ومع أنه اعتقد أن شعبيته الجارفة، ونجوميته، وقدراته ستشفع له، إلا أنه سقط بالضربة القاضية، وهكذا خسر هو منصب الرئاسة، والذي كان قريب المنال، وخسرت الولايات المتحدة واحداً من أفضل ساستها.
والسناتور قاري هارت ليس الوحيد، فالتاريخ السياسي لأمريكا شهد حالات مماثلة لساسة بارزين تم اسقاطهم، وإنهاء مسيرتهم السياسية عنوة، وإلى الأبد، ومع هذا تظل الديمقراطية أفضل أشكال الديكتاتوريات!!.