عندما قامت وزارة الاقتصاد والتخطيط بالإحصاء السكاني الأخير، كنت في بيتي متحفزاً للقاء موظف الإحصاء، لأعطيه كل المعلومات التي قد يطلبها، وحتى لو تطلّـب ذلك ساعة، أو أكثر، لقناعتي بأهمية المعلومات الميدانية، لغرض المخططين، ولكنني فوجئت بأن لدى الموظف استمارة بها أسئلة محدودة، وسألني أسئلة غير مفهوم أهميتها، حول عدد أجهزة الكمبيوتر، والتلفزة الموجودة، وترك عدداً كبيراً من الأسئلة الهامة، والتي كان يمكن أن تفيد المخطط على المستوى العام، أو على مستوى القطاعات الأساسية، كالصحة، والتعليم... إلخ. وهنا أتمنى، ولغرض التعداد السكاني القادم، أن تتدارك وزارة الاقتصاد والتخطيط الأمر، وألا ينظر إلى عملية تعداد السكان، كما لو كانت عملية حسابية، وأن تركّـز على معرفة ما هي حالة المجتمع على مختلف المستويات، وهي المعلومة الأساسية للتخطيط السليم، ومن أهم المعلومات في رأيي هي معرفة إن كانت الطبقة الوسطى تزيد، أو تنقص؟!.
اعتقادي الشخصي، ومما تعاملت معه مباشرة مع موظف الإحصاء، أنه لم تكن هناك أسئلة كافية للإجابة عن ذلك، ومع ذلك تخرج علينا وزارة التخطيط بتصريحات بأن الطبقة الوسطى لم تنكمش، ونحن من الطبقة الوسطى، ونعرف أنها تنكمش، نتيجة التضخم، وارتفاع تكاليف الحياة، وأهمها تكاليف السكن، ثم صعوبة تدبير الشباب لتكاليف الزواج، وحياة ما بعد الزواج... إلخ. ولذلك فكل المؤشرات تقول إن نسبة التضخم، وتكاليف المعيشة، هي في ارتفاع مستمر منذ سنوات، وبالمقابل لو أخذنا تقارير مؤسسة التأمينات الاجتماعية، حول رواتب السعوديين المسجلين في نظام التأمينات، كمؤشر، فهي لم تزد، منذ سنوات أيضاً!!
هنا، قد يحسن التذكير بأن كل مجتمع يحتوي على طبقة غنية، وهي من يقود الحركة الاقتصادية، ولكن نسبتها من المجتمع قليلة. وهناك طبقة الفقراء المتعبين في حياتهم، وهم بسبب نقص تعليمهم، أو وجودهم في مناطق لم تصلها التنمية بشكل صحيح، أو أي عوامل أخرى، كلها تظافرت لبقائهم تحت خط الفقر، أو قريباً منه، ولم يساعد تلك الفئة في المملكة، أن نظام الضمان الاجتماعي السعودي هو نظام قاصر يعين شرائح، ويهمل شرائح أخرى، ولم يحدث له تطوير منذ عقود من الزمن.
الآن دعونا ننظر إلى الطبقة الوسطى كمنطقة أمان، تخفف من تسلّط واحتكار الطبقة الغنية، وفي نفس الوقت، تقوم بدور صمام أمان من القلاقل المحتملة، التي قد تسببها حالة الفقر، والعوز، في المجتمع.
الطبقة الوسطى من صالحها الاستقرار، ولكن مع الإصلاح المستمر، ومن صالحها على سبيل المثال، زيادة برامج تملك الإسكان، لأنه يخلق ارتياحاً لكل عائلة، ومن البرامج الهامة، هي ضبط التضخم، والذي كان في الماضي مرتبطاً بأسعار المواد الإستهلاكية، ولكنه اليوم أصبح قاتلاً، من خلال تكاليف السكن، والزواج، ورسوم المدارس الخاصة... إلخ، وكلها أصبحت كافية لتآكل دخول الطبقة المتوسطة.
أنا آمل أننا مازلنا، إن شاء الله، بعيدين عن مخاطر كثيرة، ولكن وضع الطبقة الوسطى، هو مؤشر، ومقياس مهم، لأي صاحب قرار، حول مدى ارتياح المجتمع، مع تأكيدي على الاهتمام بالطبقات الأقل حظاً. ودعوتي مرة ثانية إلى أن يستفاد من الإحصاء السكاني القادم، للحصول على كل المعلومات الضرورية لخدمة المخطِط، وأيضاً لتوفير المعلومات للقطاع الخاص، وهو شريك الحكومة في التنمية.