|
نظام المؤسسات الصحفية مرةً أخرى..
|
** في نظام المؤسسات الصحفية الجديد جوانب إيجابية كثيرة، وفيه ما فيه من جوانب القصور وهي كثيرة أيضاً..
** فالنظام الجديد يرسخ في مادة من مواده نَصَّاً لقيام مجلس لإدارة المؤسسة الصحفية، وهو ما أغفله النظام القديم..
** والنظام الجديد يلغي لجنة الإشراف على التحرير الوصاية!! التي وردت في النظام القديم، وهذا الإلغاء جاء على ما يبدو لتعذُّر قيام لجنة الإشراف بمسؤولياتها بسبب ازدواجية صلاحياتها مع مسؤوليات وصلاحيات رئيس التحرير..
** النظام الجديد أعفى المؤسسات الصحفية من شرط عضوية المؤسسة لكل من المدير العام ورئيس التحرير بخلاف ما كان يشترطه النظام السابق..
** كما أن النظام الجديد أجاز تعيين المدير العام دون الحاجة إلى موافقة وزارة الإعلام، وهو ما كان سائداً من قبل..
** والنظام الجديد اكتفى بالرفع عن رئيس التحرير المرشح إلى وزارة الإعلام لأخذ الموافقة عليه، بديلاً من الرفع للوزارة بأسماء ثلاثة مرشحين مثلما كان ينص عليه النظام السابق..
** في النظام الجديد نصوص تحمي الصحفي من إجراءات الفصل التعسفي، إذ إن فصله من عمله أصبح لا يتم إلا بتوصية مسببة من رئيس التحرير وموافقة من مجلس الإدارة..
** وفي ظل النظام الجديد أصبحت المؤسسات الصحفية القائمة حالياً تملك حق إصدار صحف إضافية بقرار من وزارة الإعلام ودون أن تكون هناك حاجة إلى الرفع بذلك إلى مجلس الوزراء بخلاف ما كان ينص عليه النظام السابق..
** والنظام الجديد عالج موضوع الازدواجية في عضوية المؤسسات الصحفية بأن منع الجمع بين أكثر من عضوية في أكثر من مؤسسة صحفية للعضو الواحد، أي أن تقتصر عضويته على مؤسسة صحفية واحدة وذلك تعديلاً لوضع كان قائماً..
** ويلاحظ في النظام الجديد اهتمامه بتنظيم المؤسسات الصحفية وفق أسس علمية، وذلك بأن ألزم المؤسسات بوضع الهياكل واللوائح المنظمة لسير العمل فيها، وهوما لم يطالب به النظام السابق..
** في النظام الجديد لوحظ عنايته بشؤون الصحفيين وخدمة مصالحهم وحقوقهم والرفع عنها لدى مختلف الجهات، يتضح ذلك من تبنِّيه لإقامة هيئة للصحفيين تمثل نشاطهم، وهي بمثابة جمعية أو اتحاد وإن اختلفت المسميات، وهو ما أغفلته اللائحة السابقة..
** النظام الجديد صاحبته لائحة تنفيذية، فسَّرت بعض بنوده وأضافت ما يتمشى مع أهدافه، فيما كان النظام السابق وحيداً وبلا لائحة تنفيذية..
** هذا عرض سريع لبعض إيجابيات النظام الجديد، وقد تعمدت أن أؤجل الحديث عن الثغرات التي وجدتها فيه، وهي ثغرات لا يمكن أن نخفيها، أو نفقد القدرة على وضع اليد عليها، غير أنني آثرت تأجيل الحديث عنها إلى حين، فمن حق هذا النظام أن يأخذ حقه من الوقت للتجربة والتطبيق قبل إصدار الحكم عليه، فقد أعطينا النظام السابق أكثر من أربعين عاماً، ومن حق النظام الجديد أن تتسع له صدورنا ولو لبعض الوقت.
++
خالد المالك
++
|
|
|
هل انزاح كابوس توظيف الأموال ؟! توظيف أموال أم خراب ديار ؟!!
|
* إشراف د. عبدالعزيز أبانمي
* شارك في الإعداد حسين بالحارث/ سعد الفردان/ أمير عبدالمنعم
من الأجهوري محلياً .. ومروراً بالريان والسعد مصرياً.. ووصولاً إلى المناخ كويتياً .. تسير قافلة توظيف الأموال. وقودها الطمع البشري والنهم الإنساني والرغبة الزائدة في الحصول على ما هو أكثر بأسهل الطرق وأقصرها، وسايسها أولئك الذين استغلوا هذه النزعة البشرية التي جُبل الإنسان عليها لتحقيق أطماعهم .. وعود زائفة بأرباح خيالية في غضون فترة قصيرة جدا. ينتشر الخبر انتشار النار في الهشيم، وفي ظل غياب قنوات استثمارية فعالة تراعي متطلبات المستثمرين ورغباتهم، يكثر المستثمرون.. وتكثر الأموال وتزداد الأرباح وتتراكم حتى يتهاوى الجبل ويتفتت مرة واحدة وبشكل مفاجئ ومأساوي، وتنهار معه آمال آلاف بالثراء، ويستيقظ الكثيرون من حلمهم على صوت الواقع المرّ.. تمرّ الأيام ... ويفعل النسيان فعله، ويظهر مستثمرون جدد، بثوب جديد ونوع جديد من الاستثمار ويتناسى الجميع ذلك الدرس القاسي الذي تعلّموه من قبل ويعميهم الطمع من جديد ويبدأ فصل آخر.
وما يحدث الآن ليس سوى سيناريو فصل آخر من مهازل توظيف الأموال .. تنبهت الجهات الرسمية اليه واصدرت قرارها بإيقاف نشاط شركات توظيف الأموال هذه والحجز على أرصدتها ومنعها من مزاولة أنشطتها غير الرسمية والتي تفتقد المظلة الشرعية .
في هذا التحقيق ، نحاول تسليط الضوء على أسباب الإقبال الشديد على هذه الشركات ، والمخاطر المترتبة على ذلك وآثارها السلبية التي كان يمكن لها أن تكون كارثية لو لم يصدر القرار الأخير بإيقافها .
في منتصف الأسبوع الماضي تدخلت الجهات المسؤولة لوضع الأمور في نصابها وتم ابلاغ البنوك المحلية بأن عليها الحجز والكشف على أرصدة 25 شركة ومؤسسة استثمارية وعدم السماح لها بالسحب أو التحويل من أرصدتها سواءً من قبل الأشخاص او الموظفين بالتوقيع والوكلاء الشرعيين وعدم فتح حسابات جديدة.
إن ظاهرة توظيف الأموال عالمية وهي في الدول الغربية تعتمد على مؤسسات مصرَّح لها من الدولة وغالباً ما تكون مملوكة لأفراد وتعمل بنفس نظام البنوك ولكنها تكون تحت رقابة الدولة والقرار فيها لملاكها بالكامل في نوعية وماهية ما يفعلونه بالأموال المجمعة.
أما ما نحن بصدد الحديث عنه هنا ظاهرة انتشرت في العالم العربي مؤخراً وهي توظيف الأموال من قبل مؤسسات مملوكة لأفراد غالباً ما تأخذ شكل التحايل على القوانين المالية للدولة من خلال ثغرات في تلك القوانين، وأبلغ هذه الظاهرة بل وأشهرها على الاطلاق النموذج المصري الذي ظهرت فيه شركات لتوظيف الأموال تحت غطاء شعارات دينية بحتة واستغلت فيه عدداً من موظفي الدولة ورجال الدين والإعلام لعمل دعاية كبيرة توحي بأن كل شيء شرعي ومنحت المودعين ارباحاً ضخمة اكثر بكثير من تلك التي تعطيها البنوك واستكان الجميع لتلك المؤسسات وانخرط فيها الجميع ملقياً بكل كدهّ وتعب عمره من مدخرات تحت وعود بدت واقعية بما كسبه البعض وتناقلوه من ارباح شهرية مريحة ومن ثم كانت كارثة ما يسمى «بالسعد» و«الريان».
وفي المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية ظهرت قبل أكثر من ثماني سنوات شركة وصفت نفسها بأنها تستثمر الأموال، وسنة بعد سنة، تكاثر المستثمرون وازدادت اعدادهم الى ان وصلت المبالغ الاجمالية المودعة في حسابات الشركة الى اكثر من ثلاثة بلايين ريال سعودي، الشركة لاتزال تستقبل الاموال بالطبع والجهات الرسمية لاتزال عاجزة عن التعامل معها واجبارها على اتخاذ الخطوات التي تضمن سلامة عملياتها من الناحية القانونية، وغير بعيد من المنطقة الشرقية وفي دولة مجاورة هي قطر اختفى رجل أعمال أردني يشغل منصب مدير احدى شركات الاستثمار القطرية العاملة في مجال توظيف الأموال بعد ان تمكن من تسييل اكثر من 82 مليون دولار وتحويلها الى حسابه المصرفي في لندن حيث يقيم حالياً.
صورة أخرى من صور توظيف الأموال، اعتاد الكثيرون على التعامل معها وتتمثل في المساهمات العقارية التي رفعت بالكثيرين الى عنان السماء على حساب آخرين اكتووا بنار الثقة الزائدة وتسليم رقابهم الى اولئك الاشخاص، وعادت هذه الممارسة لتظهر بشكل آخر تمثل في المساهمات العقارية الانشائية حيث يتم توظيف الاموال في بناء وحدات سكنية مختلفة ومن ثم بيعها او تأجيرها.
الأمر المؤكد ان هناك سيولة مالية ضخمة تبحث عن اي وسيلة او قناة استثمارية مربحة تعود بنسبة ربح معقولة في اطار من الشرعية والسلامة القانونية، هذه السيولة أغرت البعض لاستغلالها خصوصاً وانهم يعملون بمدى محدودية آفاق الاستثمار امام المستثمرين واصحاب رؤوس الاموال فكان ان تولدت افكار معينة عن طريقها حاول هؤلاء الاستفادة من هذه السيولة المالية، وبالطبع فإن ذلك لم يكن ليحدث لو لم تكن هناك مجموعة من الاسباب التي اسهمت في هذا التدافع الشديد على شركات توظيف الاموال هذه.
لماذا هذا الانتشار؟
في ظل اقتصار القنوات التي يمكن عبرها للمستثمرين تشغيل أموالهم على البنوك المحلية، لم يكن مستغربا أن يتجه المئات من الأشخاص الى شركات توظيف الأموال كبديل غير قانوني لهذه البنوك، ذلك ان شركات توظيف الأموال هذه تقدّم نسب أرباح خيالية جدا تصل إلى اكثر من 50%، وفي احيان عديدة الى 80% خلال فترات تتراوح ما بين أربعة أو ستة أشهر أو سنة، ومثل هذه المعدلات الخيالية من الأرباح لا يمكن مقاومة اغرائها من قبل البعض بل إنهم مستعدون (أي المستثمرون) الى السفر وعبور الحدود بحثاً عن هذه الشركات كما حدث مع اكثر من 400 مستثمر سعودي فشلوا حتى الآن في استعادة نحو 200 مليون ريال من شركة كويتية تعمل في هذا المجال ولكنها توقفت عن استقبال الأموال لتوظيفها. ولكن هل يمكن للنسبة العالية من الأرباح وحدها ان تُعمي أعين هؤلاء المستثمرين عن مخاطر هذا النوع من الاستثمار وخصوصاً ان الوقائع التاريخية من قبل كالأجهوري ومناخ الكويت والريان والسعد ورجل الاعمال الاردني الذي قام بتهريب 82 مليون دولار من قطر عبر شركة توظيف أموال الى حسابه في لندن هذه الوقائع كلها تصرخ قائلة بأن نهاية هذا كله الفقدان الكامل لهذه الأموال وضياع الحقوق؟ بالطبع لا، ذلك أن هناك أسباباً أخرى تلعب دوراً كبيراً في تكريس الواقع الحالي الذي كاد أن يتسبب في كارثة اقتصادية خطيرة وأحد هذه الاسباب يتمثل في اكتفاء الجهات المسؤولة حتى وقت قريب بالقيام بدور المتفرج وعدم اتخاذ أية اجراءات ضد مثل هذه الشركات التي يتفق جميع الخبراء القانونيون والمستشارون الشرعيون على عدم قانونيتها، وكل ما تم اتخاذه في الفترة التي سبقت إصدار قرار المنع هو نشر تحذيرات مقتضبة عبر وسائل الإعلام من مغبِّة استثمار الاموال في هذه الشركات.
بطء شديد
إن رد فعل وزارتي التجارة والمالية اتسم بالبطء الشديد إن لم يكن الجمود بل إن استجابة هاتين الجهتين الحكوميتين غير مفهومة وغير واضحة المعالم وهو ما أدى إلى ان تستغل هذه الشركات الاستثمارية، إن كانت كذلك، هذا الامر لصالحها وأفهمت الجميع بشرعية أعمالها وقانونية إجراءاتها فازداد عدد المستثمرين وزاد معه حجم الأموال المستثمرة، وارتفع تبعاً لذلك خطر الكارثة، إن الصمت الغريب من قبل الجهات المعنية تسبب هو الآخر في استفحال الأمر على هذه الصورة بالرغم من ان الغرف التجارية والصناعية وخصوصاً في المنطقة الشرقية، لم تتوقف يوماً عن إطلاق تحذيراتها والرفع الى الجهات المسؤولة بشأن ما يحدث وحث هذه الجهات المختصة على الالتفات الى هذه القضية والإسراع في معالجتها قبل ان تنحدر الامور الى ما لا يُحمد عقباه.
العامل المهم الآخر الذي كان له أثره السلبي في تفاقم مخاطر مثل هذه الشركات الاستثمارية ما يراه البعض تأخر إيجاد أسواق مالية منظمة وهيئة رقابية تعمل على مراقبة السوق وأية انشطة استثمارية تستقطب الاموال. إذ ان التجارب الاخرى تدل بوضوح على ان القصور الهيكلي عدم اكتمال البنية التنظيمية لقطاع السوق المالي وتعددت مسؤوليات الاشراف عليه وتشتته بين مختلف الجهات مما تسبب في ازمتي سوق المناخ الشهيرة بالكويت ومأساة توظيف الاموال بمصر.
البنوك مسؤولة
جزء آخر من عبء المسؤولية يقع على كاهل البنوك المحلية وهي الجهة الوحيدة التي أسندت إليها مؤسسة النقد العربي السعودي زمام الامور في استثمار مدخرات المواطنين والمقيمين، اذ ان عوائد الصناديق الاستثمارية البنكية والتي تصل الى 129 صندوقاً لا تتعدى في افضل الاحوال 35% رغم ان رؤوس الأموال التي تم استثمارها في تلك الصناديق تصل الى اكثر من 50 مليار ريال، أودعها ما يُقارب 172 ألف مستثمر وبالطبع فإن هناك عوامل وأسباباً عديدة تقف وراء عدم سعي البنوك المحلية في تعزيز المناخ الاستثماري لهذه الصناديق، ذلك ان زيادة حجم سوق صناديق الاستثمار تتسبب في انخفاض حجم الحسابات الجارية للبنوك وهي التي تمثل ما يُقارب50% من موجودات هذه البنوك وهو بالطبع ما تتجنبه إدارة أي بنك كما ان البنوك لا تزال بعيدة كل البعد عن الإنشطة الاستثمارية المتنوعة المتوافرة وفوق هذا كله فإن المستثمرين في العادة، وهذا ما يحدث في كل مكان من العالم لا يتجهون الى البنوك كقنوات استثمار وأدوات تنمية المال وزيادته بل يلجأون اليها كمصادر تمويل يمكن لهم عبرها اقتراض المال الذي يحتاجونه وهذا ما يدل على ان قرار مؤسسة النقد العربي السعودي قصر الاستثمار على هذه البنوك يحتاج الى إعادة نظر اذ لا معنى لمثل هذا التنظيم في ظل عجز البنوك عن اجتذاب الكم الهائل في الاموال الى قنواتها الاستثمارية ويكفي ان نشير في هذا الصدد الى العجز الكبير من جانب البنوك في استقطاب جزء من تحويلات المقيمين التي تصل الى 60 مليار ريال سنويا بحيث يتم الاستفادة منها استثماريا بشكل يتم معه دعم الاقتصاد المحلي وهو ما يعكس بجلاء واضح افتقار البنوك المحلية الى الادوات الاستثمارية التي يمكن لها أن تستوعب الحجم الهائل من الأموال اضافة الى تقديم المغريات الربحية بشكل لا يتردد معه المستثمرون في أن يطرقوا أبواب البنوك بدلا من التهافت على شركات توظيف الأموال.
شرعية الاستثمار
الجزيئية السابقة عن البنوك وضعف دورها في الاستجابة لرغبات واحتياجات قطاع كبير من المستثمرين تقود الى الحديث عن عدم كفاية وفعالية البنوك في توفير ادوات استثمارية تستجيب لرغبات المودعين في ان تكون مثل هذه الادوات الاستثمارية متمتعة بالمظلة الشرعية من ناحية توافقها مع الأحكام الإسلامية المرتبطة بالمعاملات المالية والاقتصادية وهو ما فطن اليه كثير من أصحاب شركات توظيف الأموال الذين لجأوا الى استخدام كل وسائل الجذب لتوليد الثقة والاطمئنان في نفوس المستثمرين بأن استثماراتهم في تلك الشركة تتفق وتعاليم الدين الإسلامي السمح، وتلك كانت بوابة المرور والوصول الى قطاع كبير من المستثمرين الذين خدعتهم مظاهر زائفة أفقدتهم أموالهم التي أودعوها في حسابات شركات استثمار وتوظيف الأموال، إذ تحاول هذه الشركات ان تضفي الصبغة الشرعية من خلال ربط نشاطها بالاستثمار الاسلامي دون الحصول على تراخيص قانونية تحت اشراف المؤسسات الرقابية التابعة للدولة.
المخاطر
لعل من أكثر الأمور خطورة فيما يتعلق بهذا النوع من الشركات الاستثمارية ميلها الواضح الى تقديم نسب خيالية من الأرباح في غضون فترة زمنية قصيرة جداً، ومثل هذه الممارسة تمثل الفخ الذي يجذب المستثمرين الى هذه الشركات فالإغراء بالأرباح العالية جداً كان ولا يزال ديدن هذه الشركات أينما وجدت.
كما ان عدم وجود ضمانات يتم تقديمها لصغار المستثمرين من قبل شركات توظيف الأموال يمثل مكمن الخطر عند التعامل مع هذه الشركات وهي الشركات التي لاتمتلك الترخيص لها بالعمل وتلقّي الايداعات واستثمارها، ان عدم وجود ضمان لدى هذه الشركات لإعادة أموال المودعين يعني ان هذه الشركات ربما لجأت في نهاية المطاف الى ان تعلن عن إفلاسها تهرباً من دفع حقوق المساهمين والمستثمرين.
عواقبها
المشكلة الأخرى ان المستثمرين ضائعون بين حقيقة عدم امتلاك هذه الشركات التراخيص اللازمة ورغم ذلك فإنها تعمل وتجمع الأموال تحت انظار الجهات الرسمية التي اكتفت بنشر التحذيرات والتأكيد على ان البنوك هي القوة الاستثمارية الوحيدة وهو ما يمثل اشكالاً آخر في ظل اصرار البنوك على تقديم ادنى الخدمات والحصول على أكبر الارباح.
الحلول الجذرية
يتفق المتخصصون في المجال الاقتصادي ممن تم الاستنارة بآرائهم حول معضلة توظيف الاموال في هذا التحقيق على ان المعدلات الخيالية لأرباح هذه الشركات غير واقعية ابداً وان ما يجري من قبل تلك الشركات هو مجرد عملية خداع وتضليل للمستثمرين ذلك ان مجمل العقود مجرد استثمارات وهمية لاتتعدى الحبر الذي كتبت به تلك العقود وان ما يحدث، كما يؤكد على ذلك المطلعون على كيفية عمل هذه الشركات، هو توزيع الأرباح على المستثمرين القدماء من مال المستثمرين الجدد.
ضرورة التدرج
وهكذا فإن وقود هذه الشركات يتمثل في الضخ المستمر للأموال وهو ما يمثل احد اخطر جوانب هذه المعضلة، اذ يؤكد المختصون على ان الايقاف المفاجئ لنشاطات مثل هذه الشركات ومنعها من استقبال الأموال ليس الحل أبداً بل انه الأمر الذي قد يقود الى الانعكاسات السلبية التي يتحاشى الجميع الوقوع في شركها، ويرى هؤلاء المتخصصون انه من الضرورة التعامل الحذر وبشكل تدريجي مع هذه الشركات ويتمثل ذلك في الايقاف المتدرج لعملية ضخ الاموال في ودائع هذه الشركات حتى يمكن ايقاف الزيادة في الضرر اذ انه كلما زاد حجم الايداع زاد حجم الضرر واتسع معه قطاع المستثمرين المتأثرين، وفي هذا الصدد، يرى الاستاذ عبدالرحمن الراشد رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بالشرقية انه ينبغي اولاً معرفة كيفية استثمار هذه الأموال فإن كانت شرعية فيمكن الاستفادة منها وتعميمها وتنظيم اوضاعها وإلا فانه ينبغي ايقاف عمليات الايداع أولاً وامتصاص الصدمة بطريقة تحد من النتائج العكسية.
كما انه من الضروري البدء في تطبيق رقابة مالية دقيقة عبر دور وشركات المحاسبة القانونية المتخصصة لمتابعة ومراقبة اعمال وحسابات تلك الشركات وقبل ذلك كله اخضاع هذه الشركات الى اجراءات ترخيص عالية التقنين وشديدة الوضوح.
فيما يرى المهندس عصام عبدالغني مدير عام الشركة السعودية للأسماك ان هناك خيارين اثنين عند وضع اي حلول عملية لوضع هذه الشركات اولهما تدخل الدولة للحد من مثل هذا النشاط وايقافه تماماً او ان تأخذ شركات توظيف الأموال هذه الشكل النظامي المسموح به من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي عبر ارسال مراجعي حسابات ومدققين لمعرفة نوعية الاستثمارات التي يعملون بها حتى يطمئن المواطنون على ايداع واستثمار اموالهم وفقاً للنظام المطبق في المملكة العربية السعودية.
اما المستشار القانوني المحامي جمال المزين فيرى انه من الضروري وضع نظام مستقل لتنظيم شركات توظيف الاموال هذه يحدد طريقة تأسيسها والحد الأدنى لرأسمالها والضمانات التي تضعها لدى مؤسسة النقد لضمان الوفاء برأس مال المستثمرين او الفوائد المستحقة لهم على ان يوضح النظام طريقة الادارة وأوجه الاستثمار وتحديد المشاريع والأنشطة التي تزاولها وبيان بداية ونهاية السنة المالية والحسابات الختامية والميزانية العمومية على ان تكون اعمال هذه الشركات تحت رقابة مؤسسة النقد العربي السعودي أو وزارة التجارة.
السوق المالية
ما سبق يمثل حلولاً تتجه بشكل محدد صوب هذه الشركات غير انه يتعين التأكيد على أهمية الأسواق المالية المنظمة كأداة تنظيمية فعّالة تضطلع بمهمة فرز الجيد من السيئ، إذ يعتمد القطاع الخاص في تطوره على الاسواق المالية المنظمة، حيث انها تساهم في طرح الادوات الاستثمارية المناسبة التي يستخدمها اما في التمويل او في نقل الملكية، مما يساعد على دعم استقراره وزيادة نموه ويجعله عنصرا فاعلا في التنمية الاقتصادية في الدولة.
ومن اجل تدعيم هذا الدور للأسواق المالية قامت بعض الحكومات العربية بإعادة هيكلة اسواقها المالية وذلك بفصل الدور الرقابي التوجيهي الحكومي عن اسواق التداول «المعروفة بالبورصة» بإنشاء هيئات اسواق المال لتقوم بدورها في رقابة هذه الأسواق «البورصات» وكذلك الأسواق الأولية التي يتم من خلالها تأسيس الشركات الجديدة وطرح الاكتتابات والادوات المالية سواءً من الشركات القائمة او من خلال عمليات التخصيص وغيرها، حيث تكون الجهة الوحيدة المسؤولة عن سوق المال والمؤسسات العاملة في اطاره بما فيه اسواق التداول «البورصات» حالها بذلك حال البنوك المركزية للجهاز المصرفي، وهيئات الاستثمار لإدارة اموال الدول واستثماراتها.
ونظراً لوجود هذا القصور الهيكلي في قطاع السوق المالي العربي وتعدد المسؤوليات فيه بين عدة جهات، ظهرت الكثير من الأزمات المالية على المستوى العربي وأشهرها «أزمة المناخ في الكويت، وأزمة شركات توظيف الأموال في مصر»، مما جعل الحكومات العربية تقوم بإعادة هيكلة قطاع السوق المالي فيها حيث بادرت جمهورية مصر العربية بإنشاء هيئة سوق المال عام «1981» وقد كان لها دور ايجابي في اعادة تنظيم البورصات المصرية وحل المشاكل التي خلفتها شركات توظيف الاموال للاقتصاد المصري، وقد تبنت دول عربية اخرى نفس الاتجاه «المغرب 1995 مجلس القيم المنقولة، تونس 1995 هيئة السوق المالي التونسية، لبنان 1996 المجلس الأعلى للاشراف على الأسواق المالية»، حيث قامت بفصل الدور الرقابي والتنظيمي لاسواقها عن عمليات التداول ومنحت للجهاز القائم على عمليات الرقابة والتنظيم الصلاحيات اللازمة للاشراف على اسواقها
بعد ان كانت الاختصاصات فيها موزعة على اكثر من جهة.
ومما لاشك فيه ان انشاء هذه الهيئات في الدول العربية سيترتب عليه تمكينها من تطبيق برامج الاصلاح الاقتصادي التي تنشدها خاصة سياسة الخصخصة بشكل يحقق الاهداف المرجوة منها، فضلا عن البدء بإنشاء اسواق مالية للتداول بهدف جذب المدخرات وتحويلها لاستثمارات مالية، وبالتالي دعم القطاع الخاص ليؤدي دوراً رئيسياً في التنمية الاقتصادية، وسيكون لهذا الاتجاه اثره الايجابي في دعم مسيرة اتحاد البورصات وهيئات اسواق المال العربية في الربط بين الاسواق المالية العربية، ومن ثم تعميق دوره في قيام السوق المالية العربية المشتركة التي ستتولى ضمان انتقال رؤوس الاموال بين مختلف البورصات العربية مما سيؤدي الى تدعيم دور هذه الأسواق في تمويل التنمية الاقتصادية المشتركة بين الدول العربية.
كما ان انشاء هيئات الأوراق المالية بالدول العربية سيسهم في التعجيل في تنفيذ برامج التخصيص من خلال اسواق المال وذلك بالنظر لقيام تنسيق اكبر بين اداء القطاعات الاقتصادية، وهذا بدوره سوف يسهم في إضفاء عمق أكبر على البورصات المالية الأمر الذي سوف يعزز ثقة المستثمرين للاستثمار فيها.
نهاية متوقعة
مامن شك في ان مليارات الريالات تم استثمارها في شركات توظيف الاموال هذه وهو ما كان يمكنة ان يشكل حسبما يؤكد الاستاذ عبدالرحمن الراشد رئيس الغرفة التجارية الصناعية في المنطقة الشرقية كارثة اقتصادية لو لم تتم المبادرة السريعة لمحاصرة هذا الوضع الشاذ ومعالجته بحكمة وروية، فعدم وضوح ماهية السلع والخدمات التي يتم استثمارها عبر هذه الشركات يبعث على التساؤل عن مصير الأموال المودعة وكيفية استغلالها.
غير ان الذي لاشك فيه ان هذه الظاهرة حتى وان اختفت بعد فترة ولو بشكل كارثي ستعود حتماً يوماً ما ما لم يتم التعجيل بفتح قنوات استثمارية جديدة ووضع اطار قانوني عام يسمح للأفكار الاستثمارية الجديدة بأن تتنفس على أرض الواقع مع حفظ حقوق المستثمرين وتوفير الضمانات التي تجعل من هذه الاستثمارات قناة آمنة لتنمية المال.
غير ان هناك العديد من التساؤلات التي تفرض نفسها عن السبب في عدم تحرك الجهات الرسمية من قبل وهي التي لابد انها كانت على علم منذ البداية بوجود هذه النوعية من الشركات، ولماذا التركيز على رسائل التحذير من هذه الشركات فقط دون اتخاذ اجراءات اخرى؟ هل هذا يمثل إجراء وقائياً كنوع من انهاء المسؤولية عن أية آثار مأساوية مستقبلية؟
الأمر المؤكد هنا هو ان ماسيحدث الآن ليس إلا فصلاً آخر في هذا المسلسل، هناك من المستثمرين من سيحصل على جزء من امواله، والجزء الآخر، وهو الجزء الأكبر سيتعرض للمماطلة.
وهذا بالطبع يثير اشكالية فاعلية القرار الاخير بتجميد أرصدة هذه الشركات ومنعها من مزاولة انشطتها، اذ تساءل كثير من المستثمرين عن عدم التدرج في التعامل القانوني مع هذه الشركات رغم معرفة الجهات الرسمية بوجود هذه الشركات ونشاطاتها الاستثمارية منذ اكثر من عشر سنوات، هل كان تجميد الأرصدة الحل الأمثل والأكثر واقعية؟ ألم يكن من الأجدى سلسلة الخطوات وبحيث يتم منع هذه الشركات من استقبال الأموال اولاً ومن ثم البدء في تسديد حقوق المساهمين ليتبع ذلك البت في موضوع كيفية التعامل مع هذه الشركات وايجاد الحل المناسب؟ ماهو ذنب صغار المودعين الذين تجمدت اموالهم ولم يعد لهم من وسيلة للوصول مايقارب سبعة ملايين ريال هي حجم الاموال المودعة في حسابات هذه الشركات.
الجانب العلقم في هذا الشأن ان الجزء الأكبر من هذه الاموال تم ايداعه في بنوك خارجية مما يجعلنا نتساءل عن نجاعة هذا القرار، وعما اذا كانت هناك خطوات اخرى قادمة في الطريق لمنع كوارث أخرى من هذا النوع مستقبلاً.
++++
edesk6@suhuf.net.sa
++++
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|