عندما تزور إحدى الدول الأوروبية تجد نفسك حائراً أمام متناقضات تتبارى في ميدان الحياة.. تركيز هائل واستغراق مخيف يحاول أن يلملم شتات أنفس أثقلتها الماديات وخنقتها حبال مقطوعة عن السماء! إنجازات مذهلة شاهدها واقع يفضح أرواح غائبة وعيون تدور كالمغشي عليه لهثا خلف المادة!

حملت حقائبي المثقلة فأنا عربي، وفي الطابق الثاني للفندق وقفت منتظراً المصعد ذا الباب الزجاجي. توقف، وإذا بتلك الشقراء تنظر من خلف الزجاج وتحدق في حقائبي، فتح الباب فإذا بها تبادر بالخروج من ذلك المصعد وتطلب مني الدخول وتقول إنها سوف تكمل طريقها عبر السلم بعد تحية صباحية عابرة.

ماذا دهاها!؟

هل راعها سحنتي العربية؟ فخشيت أن أفجر نفسي إن لم تفسح لي الطريق فاسحقها، فنحن زعماء الإرهاب في العالم!! أخطأ تصوري.. فهدوؤها وأريحيتها في التعامل تعلن عن أمان مفرط وثقة تتراقص أمام ناظري.

قاتل الله الطمع.. فمافيا الإعلام ألقت في روعها (أن أبار النفط في أفنية منازلنا ونشرب البترول بدل البيبسي في أحلك الظروف).. خاب ظني فمن يسكن في ذاك المكان لن يستجدي أحد. يقال إن اللون العربي والملامح الشرقية تستهوي الغربيين لأنهم سئموا نمش جلودهم وبياضها الفاقع فلا مقاومة لسحرنا، أسقط في يدي عندما مضت ولم يفلح السحر ولم تجد الكهانة.

أين الحقيقة إذن؟

ما الذي دعاها للخروج من المصعد والتنازل عن دورها لي وهو حقها المكتسب؟!

نعم...... عندما تغيب الأنانية وتقهر سياسة (إنا وما بعدي الطوفان) تضخ الدماء في قلب الحياة ويسري أكسجين الإحساس في أوصال المجتمع، وتعلم أن هناك من يقاسمك العيش على وجه الأرض.. نعم..... يشيع التعاون وتزهر المحبة وتجد نفسك موقع اهتمام الآخرين وأن الحفاظ على مشاعرك في أولوياتهم حتى وإن كان اللقاء الأول والأخير معهم.

لنبدأ صفحة جديدة مع الصغير والكبير الغني والفقير نتلمس احتياجاتهم النفسية والمادية، نشعرهم بأهميتهم وقربنا منهم.. الكثير يحتاج إلى كلمة حب، لفتة وفاء، إلى الشعور بالتقدير والاحترام، في المقابل سوف يذهلك شلال المشاعر الفياضة بكل شيء جميل، إذا أردنا أن نأخذ لابد أن نعطي ليكن شعارنا من اليوم (عامل الناس كما تحب أن يعاملوك) نسيت ..... فتلك الشقراء لم تتجاوز التاسعة من عمرها (ماذا يعني لكم؟).