حين وصل المخرج الأميركي أولي.ر ستون للاشتراك في مهرجان (دبي السينمائي الدولي) في دورته الماضية، سارع للاعتراف بأنه لا يعرف الكثير عن العالم العربي خارج نطاق الأخبار. إنه يتطلّع قُدماً إلى زيارته وإلى فتح آفاقه معترفاً بأن الوضع بحاجة الى الكثير من التواصل بين الشرق والغرب لمحو الآثار الناتجة عن11-9، فقال في أحد تصريحاته: (لقد شاهدت فيلم جاك شاهين (عرب الشاشة السيئون) وأوافقه على أن الصورة التي يمثّلها العربي في هذه الأفلام الواردة في شريطه ليست إيجابية. لكني أعتقد أن هناك صوراً إيجابية كثيرة أنتجتها هوليوود. بالنسبة اليّ (علاء الدين) كان من بين تلك الشخصيات العربية التي شُغفت بها).
ستون لم يتعاط والموضوع العربي لكنه تعاطى في (ترايد وورلد سنتر) مع موضوع 11-9 الذي فجّر العلاقة بين الشرق والغرب على نحو غير معهود. وهو شاء ألا يحوّل موضوع فيلمه إلى مناسبة سياسية، لكنه كاد أن يفعل. هذا الحديث يلقي الضوء على رأيه في الموضوعين معاً: الحادثة ذاتها والفيلم.
* ما الذي يعنيه (مركز التجارة الدولي) بالنسبة إليك؟
* هذا الفيلم يعني الكثير جداً بالنسبة إلي وكما يستطيع المشاهد أن يرى على الشاشة، هناك حكايات إنسانية كثيرة تستحق أن نستمع إلى صرخاتها. وهذا الفيلم عن بعض تلك الصرخات. وهو يحكي عن رجلين تحت الدمار الذي لم يتوقّعه أحد وعن عائلة كل منهما والكيفية التي تصرّفت فيها حيال أزمة الحياة التي داهمتها. وهناك قصص أخرى كثيرة، لكن هاتين القصّتين كانتا من بين تلك القصص الجاهزة لكي يُصاغ منها الفيلم. كل ما كان عليّ القيام به هو البحث عن ممثلين يستطيعون تجسيد هذا الوضع الخاص والمتأزم لحياة الشخصيات التي بالمناسبة لم أتدخّل فيها لكي أصنعها سينمائيا. هي لا تحتاج لتدخلي.
* ذكرت في بعض أحاديثك (لا تدع الوقائع تعترض الحقيقة). ما الذي تقصده بهذه العبارة؟
* لا أعرف (يضحك). جدياً، ما قصدّت قوله هو أن المشكلة التي يواجهها السينمائي عموماً هو كيف يمكن أن يتولّى تقديم أفلام تستند الى الوقائع من دون أن يسيء الى الحقيقة. أعتقد أننا جميعاً نستطيع أن نؤلّف الوقائع التي نريد أو أن نترجمها الى الوضع الذي يريحنا او الى الرأي الذي نتبناه. لكن الحقيقة هي الأساس وقد تهضم هذه الوقائع او لا تهضمها. هنا أريد أن أقول إن بعض هذا المفهوم ينطبق في تعاطي النقاد معي. الجميع يستند الى أفلامي -لنقل أنها الوقائع- لكي ينفذ الى الحقيقة التي يريد، لكنه في ذلك يتغاضى عن الحقيقة ذاتها.
* بمعنى؟
- بمعنى أنني لست فناناً واحداً في كل الحالات. السائد القول مثلاً أن أولي.ر ستون مخرج أفلام نظريات المؤامرة. ينظر النقاد الى (مولود في الرابع من يوليو) وإلى (جون ف. كندي) وإلى (نيكسون) ويعتبرون أنني مخرج سياسي ويريدون بعد ذلك قياس الأفلام الأخرى على هذا المقياس. فهي إما أنها تلائم منظورهم وبالتالي هي أولي.ر ستونية، أو لا تلائم فهي إذاً مختلفة وبعيدة الانتماء.
* هذا حدث مع (مركز التجارة العالمي)، فالجميع توقّع فيلماً سياسياً.
- نعم. وهذا ليس ضرورياً. في الأساس كل فيلم له غاية تصب في موقع صاحب العمل الفني. ربما مخرج آخر كان نقل الأحداث الى ما تسبب في هدم البرجين، أو إلى الصراع السياسي الذي تسبب في المأساة. ربما استطاع مخرج آخر تحويل الموضوع بأسره الى فيلم عاطفي جداً، لكن فيلمي مختلف عن هذين الاتجاهين وهو ما يزال فيلمي. النظرة المسبقة التي مفادها أن ستون مخرج للون واحد نظرة خاطئة.
* هل تقول الحقيقة في فيلم (مركز التجارة الدولي)؟
* أقول إن الوقائع حقيقية. ربما هناك ألوف الوقائع الأخرى والإلمام بها يصبح غير ممكن. لأن هناك الألوف منها. ما أقوله هنا في الفيلم هو أن هناك صورة شاملة وأن علينا أن نضمّنها ما استطعنا من وقائع. حين تحقق فيلماً استمع الى كل شيء ثم اختر الناحية التي تريد التعبير عنها وحاول أن تضمّنها أكبر قدر من تلك الوقائع. لكن الخطر هو أن تبهرك كل الوقائع وإذا ما فعلت فإنك لن تضع يدك على الحقيقة.
* أنت تريد من الجمهور أن يتقبّل هذا الفيلم كعمل إنساني وليس كعمل سياسي. فهل يمكن التفريق بين الجانبين؟
- هذا سؤال جيد. هذا سؤال مشروع لأن الحدث تحوّل الى سجال سياسي حاد بين مختلف الفرقاء والأحزاب وعلى أساسه دخل العالم مرحلة جديدة غير مسبوقة. الولايات المتحدة تخبر حلفاءها أنتم إما معنا او ضدّنا. إنها وجهة نظر (كاوبوي) (يضحك). لكن الفيلم يبتعد عن هذه الطروحات. أعتقد أنه يضيف إليها مسألة منعشة حين يطلب من الجمهور العام التعرّف على مواضيع إنسانية بحتة تغافل عنها السياسيون. تذكر كان هناك (صائد الغزلان) (لمايكل شيمينو) وكان هناك (سفر الرؤيا... الآن) (لفرنسيس فورد كوبولا) لكن في منظور بعضه سياسي وبعضه إنساني لكنه أيضاً فضفاض وكبير وأشبه بالقوس الكبير. فيلمي يدخل في الشأن الاجتماعي وحده. يضع القصص الإنسانية في متناول المشاهدين.
* لكن في فيلمك أيضاً ذلك الرجل الذي يعد بالانتقام.
- نعم. لكنه حقيقي. وهو جانب صغير من الملحمة الكبرى.
* هل صحيح أنه أنت؟
- لا. لا أؤمن بمثل هذا المنهج. المسألة هي أننا يجب أن نبني عالماً متفاهماً والوصول إليه لا يتم بالحرب ولا بالإرهاب.