التوجه نحو العلاج الطبيعي في تزايد مستمر، بعد النتائج الإيجابية التي حققتها التجارب التي أُجريت لعلاج الكثير من الأمراض.. خصوصاً بعد ازدياد الأعراض الجانبية الناتجة عن التداوي بالعقاقير الكيميائية، وهذا توجه عالمي متنامٍ نحو الطب البديل، واستخدام الكثير من مضامين ومستخلصات مصادر الأدوية الحديثة ولكن بشكلها النباتي، وبطابعها الطبيعي.
ولم تقف الأبحاث العلمية والدراسات والتجارب مكتوفة الأيدي أو موقف المحايد تجاه هذا التحول، بل ساعدت في استكشاف الوسائل والطرق المساعدة لتحقيق ذلك، وأجريت التجارب التي تؤكد جدوى الطب البديل.
يأتي على رأس المواد الطبيعية التي تستخدم في العلاج البديل الفيتامينات وبخاصة فيتامين D الذي يفيد في علاج الكثير من الأمراض، وبذا تكون الخضراوات والفاكهة ضمن هذه التوليفة خصوصاً الأعشاب المحتوية على هذا الفيتامين.
وأكدت أبحاث جديدة أن هذا الفيتامين الذي يمكن الحصول عليه من أبسط النباتات وخصوصاً الخضراوات، له فوائد عديدة وليست كبقية أنواع الفيتامينات، ويمكن الإكثار من كميات هذا الفيتامين ذي المصدر النباتي، للتمكن من مقاومة الكثير من الأمراض طالما أثبتت الدراسات فوائده الطبية.
مصادر فيتامين (D)
من المعلوم أن فيتامين (د) يمكن الحصول عليه من مختلف أنواع الطعام الذي نتناوله، وباستثناء بعض المصادر فإن معظم كمية الفيتامين التي نحصل عليها تأتي من أشعة الشمس، وهناك هرمون في جسم الإنسان مرتبط بالفيتامين يقوم بامتصاص الأشعة فوق البنفسجية من ضوء الشمس وينقلها إلى الكبد والكليتين حيث تمتص هذه الأشعة جزيئات الأكسجين والهيدروجين وهذه العملية يتم خلالها تحويل البروفيتامين إلى هرمون قوي اسمه الكاليستريول وهو مضاد فعال يحارب الأمراض.
ولكي نحصل على كمية مناسبة من الفيتامين الذي يصنع هذا الهرمون علينا تعريض أجسادنا إلى قدر مناسب من أشعة الشمس بشكل يومي، ربما نمط الحياة الحديثة من حيث المباني والبيئة السكنية وانشغال الناس بالأمور العملية لا يتيح فرصة التمتع والاستفادة من أشعة الشمس، لكن يبقى هذا المصدر ضرورياً، ليس فقط من أجل تجنب بعض الأمراض بل أيضاً لإنقاذ أنفسنا وصحتنا في المستقبل، حيث أشارت دراسات حديثة إلى أن عدداً كبيراً من الذين تجاوزوا سن الخمسين يعانون من نقص فيتامين D وكذلك تعاني من هذا النقص نسبة كبيرة جداً من النساء خصوصاً الأفريقيات.
خواص فيتامين (D)
يحتاج الجسم لهذا الفيتامين لامتصاص الكالسيوم والفوسفور من الأمعاء والاستفادة منهما في النمو، كما أن هذا الفيتامين ضروري في التطور الطبيعي للعظام، والأسنان وخصوصاً عند الأطفال، بحيث إنه يحمي من الضعف العضلي، ويدخل في عملية تنظيم ضربات القلب، وهو مفيد للوقاية من هشاشة العظام ونقص الكالسيوم في الدم وعلاجهما، كما أن هذا الفيتامين يقوي جهاز المناعة، ويفيد في وظائف الغدة الدرقية وعملية التجلط الطبيعية للدم.
ويؤدي النقص الشديد في فيتامين (د) إلى الإصابة بمرض الكساح لدى الأطفال ولين العظام، وهي حالات مشابهة لتآكل العظام وهشاشتها عند الكبار، أما حينما يكون النقص في هذا الفيتامين أقل شدة فإنه يؤدي إلى فقدان الشهية والإحساس بالحرقة في الفم والحلق، وحدوث إسهال وأرق، واضطراب في النظر.
يساعد هذا الفيتامين في زيادة قدرة الأمعاء على امتصاص المواد الغذائية والقيام بالتمثيل الغذائي، ومن أشهر العناصر الغذائية المكونة له البيض والسمك ومنتجات الألبان وزيت السمك والسلمون بصفة خاصة والسردين والتونة، كما يوجد في الشوفان والبطاطس والزيوت النباتية، ويحتاج جسم الإنسان إلى حوالي 200 وحدة دولية يومياً لمن هم دون سن الخمسين وتزداد الكمية كلما تقدم العمر، ويتعارض امتصاص فيتامين د مع الاضطرابات المعوية واضطرابات وظائف الكبد والحوصلة الصفراوية، وكذلك بعض مدرات البول فهي تتسبب في اختلال النسبة بين الكالسيوم وفيتامين د في الجسم.
فيتامين (د) ومرض السرطان
كشفت بحوث طبية حديثة أن فيتامين (د) يفيد في مقاومة مرض السرطان وأن الأجسام الغنية به لديها القدرة على مقاومة المرض بشكل أكبر، وأن معدلات السرطان تتضاعف في المدن الضبابية التي لا تتعرض لأشعة الشمس بالقدر الكافي، ما يجعل أجسام السكان في تلك المدن لديها نقص في كمية الفيتامين المناسبة (أي الافتقار للأشعة فوق البنفسجية)، وعززت بعض الدراسات هذه النظرية مؤكدة أن الأشخاص الذين لديهم مستويات عالية من هذا الفيتامين في أجسامهم كشفوا عن خطر ضئيل للمعاناة من سرطان القولون، ويتحدث الأطباء عن وجود صلة بين سرطانات البروستاتا والمبيض والثدي وبين نقص أشعة الشمس وفيتامين (د) وأشار استطلاع ميداني أجري في هذا الخصوص إلى أن الوفيات نتيجة هذه السرطانات تضاءلت بنسبة 10 - 27% عند الأشخاص الذين يعيشون في مناطق يتعرضون فيها إلى القدر المناسب لأشعة الشمس. وهذا القول منطقي جداً من الناحية الطبية، حيث إن خلايا البروستات تنتج هرمون الكالسيتريول الذي يعمل بمثابة كابح لنمو الخلايا السرطانية وذلك في البيئات المحتوية على قدر كافٍ من أشعة الشمس، وحين لا تحصل الخلايا على الكمية الكافية من فيتامين (D) لإنتاج الكالسيتريول يتوقف الكابح عن العمل وتتضاعف حينها الخلايا من دون أية سيطرة عليها وينشأ السرطان.
داء السكري
كشفت دراسة في ذات الإطار أن سكان فنلندا حيث تشرق بضع ساعات يعانون من النوع 1 من داء السكري بنسب عالية، وكشفت الدراسة أن إعطاء فيتامين(D) للأطفال الرُضع والنساء الحوامل يخفف كثيراً من خطر التعرض لداء السكري، حيث أثبتت الدراسات أن تناول الأطفال لجرعات منتظمة من الفيتامين (D) جعلهم أقل عرضة للنوع 1 من هذا المرض بنسبة 80% ومن المعتقد أن فيتامين D قد يقمع خلايا معينة في جهاز المناعة ويساعد على الحؤول دون تدمير الخلايا التي تنتج الأنسولين.
فيتامين (د) وارتفاع ضغط الدم
هناك علاقة وطيدة بين ارتفاع ضغط الدم وعدم التعرض لأشعة الشمس، وأصبح معروفاً لدى كثير من الأوساط أن ضغط الدم يرتفع تدريجيا كلما ابتعدت منطقة العيش عن خط الاستواء أو المناطق التي تتمتع بدرجة حرارة عالية وتتعرض لأشعة الشمس بشكل واسع باعتبار الأشعة أبرز مصادر فيتامين (D).
وجاء في دراسة بحثية عن المرض أيضاً أن تعريض أشخاص مصابين بارتفاع طفيف في ضغط الدم للأشعة فوق البنفسجية من النوع B لمدة ست دقائق على الأقل ثلاث مرات أسبوعياً نجح في خفض ضغط الدم وجعله قريباً من المعدل الطبيعي، وهذا يدل على أن أشعة الشمس تعزز إنتاج الكاليستريول في الكليتين مما يكبت الأنزيمات التي تدفع الأوعية الدموية إلى التقلص، وهذا أحد أهم أسباب ارتفاع ضغط الدم، وكل هذه المشكلات يمكن تفاديها بالحصول على الكمية المناسبة والضرورية لفيتامين (D)من مصادره المتعددة.
وتبقى المشكلة في النقص الدائم والمستمر في هذا الفيتامين لأن من مخاطر عدم الحصول على كمية كافية منه حدوث الكثير من الأمراض خصوصاً التي ذكرناها أعلاه، ويحث الأطباء والعلماء وجميع الأشخاص على فحص مستوى فيتامين (D) في الدم مرة على الأقل في العام.. لأن خطورة نقصه تنذر بأمراض عدة ولا يقل ذلك عن مخاطر زيادة السكر والكوليسترول وغيرهما.