|
السعودة الخيار الأول ولكن؟! |
إذا كنا نعاني اليوم من مشكلة في قبول أولادنا وبناتنا في الجامعات..
وإن قبلوا فبغير التخصصات التي يميلون إليها ويحبذون دراستها..
فضلاً عن أن قبولهم وإن استجاب لرغباتهم، فإنه ليس بالضرورة أن يستجيب لمتطلبات السوق..
فهذا يعني أن هناك مشكلة كبيرة، وهي إذ تطل علينا اليوم وبهذا الحجم، فإنها تنذر بما هو أكبر وأخطر في المستقبل..
***
هناك محاولات..
وهناك جهود..
للحيلولة دون استفحالها..
حتى لا تمتد إلى ما هو أكثر من ذلك..
لكنها محاولات أشبه ما تكون بالتهدئة والمسكِّن لها..
بانتظار المستقبل الغامض والمجهول..
الذي لا أحد منا قرأ مؤشراته كما ينبغي ومثلما نتمنى..
لا أقلل بذلك من الجهد الذي يبذل حالياً..
ولا من المعالجات السابقة وهي كثيرة ومهمة..
كما أني لا أغفل حجم القلق الذي يساور الجميع..
والخوف الذي يتحدث عنه كل منا..
فالمشكلة تكبر وتتمدد وتؤثِّر سلباً وكثيراً على كل المستويات..
بما لا قدرة لأحد أن يخفيها أو ينكرها..
وهي مع شديد الأسف بإطراد نحو ما هو أكبر وأخطر..
***
وقبل أن نعالج تزايد نمو العمالة الأجنبية في بلادنا..
ونتحدث عن خطورة إشغال سوق العمل بها..
وبدلاً من أن يكون كلامنا عن البطالة في صفوف السعوديين..
علينا أولاً وثانياً وأخيراً أن نفكر في تعليم أبنائنا بشكل صحيح..
من حيث إتاحة فرص القبول في الجامعات والكليات والمعاهد للجميع ودون استثناء..
وتوفير التخصصات بما يتفق مع حاجة سوق العمل لها..
بديلاً لتكدس الشباب والشابات بتخصصات وشهادات لا حاجة لها..
وعندئذٍ لن تكون هناك حاجة لكل هذا العدد من العاملين غير السعوديين..
وعندئذٍ أيضاً لن يشتكي سعودي واحد أو سعودية واحدة من أنه أو أنها بلا عمل..
وسنكون بهذا قد قضينا على هذه المشكلة وتداعياتها وسلبياتها الأمنية والأخلاقية..
***
قصدت بهذه الكلمة أن أضيف صوتاً إلى أصوات أخرى تحدثت أو سوف تتحدث عن شيء يؤرقنا كثيراً..
ويقلقنا كلما رأينا من يشتكي من شبابنا بأنه بلا وظيفة وبلا عمل وبلا دخل يعيش منه..
ولا بد أن يتحرك الجميع للمشاركة في المعالجة والإسهام بالرأي وبما يهدي للوطن وللمواطن حلاً لقضية طالت وكثر الحديث حولها دون حل نهائي وشامل ومقنع لها.
خالد المالك
|
|
|
المفكر الاستراتيجي جوزيف ناي محللا الوضع بعد حرب العراق: الاعتماد على القوة العسكرية خطأ استراتيجي فادح * إعداد خالد حامد |
المفكر الأمريكي الاستراتيجي المرموق جوزيف ناي عميد كلية كنيدي للعلوم الحكومية بجامعة هارفارد، ومؤلف كتاب (تناقض القوة الأمريكية: لماذا لا تستطيع القوة العظمى الوحيدة في العالم أن تمضي بمفردها)، أشار في مقال نشرته مؤخراً دورية (فورين افايرز) إلى أن العالم يعاني حالياً من حالة عدم اتزان، ورأى أنه إذا كان أي شخص يشك في الطبيعة الساحقة للقوة العسكرية الأمريكية فقد حسمت الحرب على العراق هذه المسألة.
وقال ناي: نظراً لأن الإنفاق الأمريكي يمثل حوالي نصف حجم الإنفاق العسكري العالمي فلا يمكن لأي تحالف، مهما كان، أن يخلق أي توازن عسكري في القوة، وهو الوضع الذي لم يشهده العالم منذ أن كانت روما تمثل دولة تتفوق على كل ما حولها، وهي المرحلة التي ظهر فيها مصطلح إمبراطورية.
وقد بدأ المحللون الذين يتمتعون بمكانة كبيرة سواء كانوا من اليمين أو من اليسار يستخدمون مصطلح (الإمبراطورية الأمريكية) لأنها تعد القوة المهيمنة في القرن الحادي والعشرين، ويبدو أن النصر في العراق قد أكد حقيقة هذا النظام العالمي الجديد، ورغم ذلك فإن الأمريكيين غالباً ما يسيئون فهم طبيعة قوتهم ويميلون إلى استشراف المستقبل من خلال ما يرونه ماثلا أمامهم في الوقت الحاضر، وأوضح ناي أنه منذ أكثر من عقد من الزمان، كانت النظرة التقليدية للأمور توحي بأن الولايات المتحدة تسير باتجاه الانهيار، وفي عام 1992، فاز مرشح رئاسي بأصوات ناخبيه لأنه أعلن أن الحرب الباردة انتهت. وقد علم الأمريكيون في ذلك الوقت أن وضع بلادهم كالقوة العظمى الوحيدة في العالم سيستمر وأنهم يستطيعون أن يفعلوا ما يحلو لهم لأن الآخرين ليس لديهم خيار سوى أن يتبعوهم، ولكن التركيز على عدم التوازن في القوة العسكرية بين الدول أمر مضلل فقد تغير العالم بشكل عميق خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين.
ورأى المفكر الأمريكي أن الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001 كان بمثابة ضوء سريع كالبرق في ليلة صيف أظهر مشهداً متغيراً تاركاً صناع السياسة والمحللين الأمريكيين يتلمسون طريقهم في الظلام متسائلين كيف يستوعبون ما حدث ويردون عليه.
تغير كامل في المواقف
وأشار جوزيف ناي إلى أن جورج دبليو بوش تولى السلطة متعهداً بانتهاج سياسة خارجية واقعية تركز على القوى الكبرى مثل الصين وروسيا وتتجنب الدول الصغيرة في العالم الأقل تقدماً.
كان من المفترض اعتبار الصين (منافساً استراتيجياً) وليس (شريكاً استراتيجياً) كما كانت تعتبر في عهد الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون وكان على الولايات المتحدة اتخاذ موقف أكثر صرامة مع روسيا.
ولكن في سبتمبر من عام 2002 وضعت إدارة بوش استراتيجية جديدة خاصة بالأمن القومي تعتمد على أن الولايات المتحدة لا تتعرض للتهديد من الأساطيل والجيوش مثلما تتعرض له من وقوع تقنيات مدمرة في أيدي أقلية تشعر بالمرارة، بدلاً من المنافسة الاستراتيجية، أصبحت القوى الكبرى في العالم تقف في نفس الجانب حيث وحدتها الأخطار المشتركة التي يسببها الإرهاب والفوضى، الأمر الذي جعل الرئيس الصيني جيانج زيمن موضع ترحاب في مزرعة بوش في كروفورد بولاية تكساس، ليس هذا فحسب بل أصبحت استراتيجية بوش تحتضن ظهور الصين القوية والمسالمة والمزدهرة وتلزم الولايات المتحدة بزيادة مساعدتها للتنمية ومجهوداتها لمواجهة كل الصعوبات لأن الدول الصغيرة مثل أفغانستان يمكن أن تشكل خطراً على المصالح الوطنية الأمريكية مثل الدول القوية، بالإضافة إلى ذلك ستخضع هذه السياسات إلى الاقتناع بأنه لا تستطيع أي دولة أن تقيم عالماً آمناً وأفضل حالاً بمفردها. واعتبر ناي أن العالم تحول في عام واحد بشكل عجيب! وبمعنى غير مباشر أصبح العراق بمثابة أول اختبار للاستراتيجية الجديدة مع أن عنصراً آخر في (محور الشر) كان أكثر قرباً من تطوير أسلحة دمار شامل.
إهمال نصيحة (روزفلت)
وقد أثارت لغة الاستراتيجية الجديدة النقد داخل الولايات المتحدة وخارجها حيث تجاهل إعلان التفوق الأمريكي نصيحة الرئيس الأمريكي الأسبق تيودور روزفلت (تحدث بهدوء عندما تمسك بعصا كبيرة)، ستظل الولايات المتحدة رقم واحد ولكن لم يكن هناك داع لتذكير الآخرين بهذا بشكل مهين.
وعود الذين ينتهجون سياسة الرئيس الأمريكي الأسبق وودرو ويلسون بتعزيز الديمقراطية والحرية اعتبرها بعض الواقعيين التقليديين شديدة الخطورة، ولكن التصريحات بشأن التعاون والتحالفات لن تتبعها مناقشات ملائمة من المؤسسات.
وأصبح التأكيد الذي يتعرض للنقد كثيراً على الحق في اتخاذ إجراء وقائي يمكن تفسيره على أنه دفاع روتيني عن النفس أو سابقة خطيرة، وبالرغم من هذا النقد، فإن إدارة بوش كانت محقة عندما غيرت محور اهتمامها.
وأشار جوزيف ناي إلى مقارنة المؤرخ الشهير جورج لويس جاديس، بين الاستراتيجية الجديدة وبين السياسة الخارجية الأمريكية في الأربعينيات من القرن الماضي، وبالرغم من أن هذه المقارنة قد يبدو أنها مبالغ فيها فإن الاستراتيجية الجديدة تتوافق مع اتجاهات عميقة في السياسة العالمية أظهرتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
العولمة على سبيل المثال، أثبتت أنها أكثر من مجرد ظاهرة اقتصادية فقد غيرت الحدود التي كانت تراها الولايات المتحدة والمتمثلة في المحيطين الأطلنطي والهادي اللذين يحيطان بها، وهكذا فقد برهنت أحداث الحادي عشر من سبتمبر على أن فظاعة الأوضاع في الدول الفقيرة والضعيفة في الجانب الآخر من العالم يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة بالنسبة للولايات المتحدة.
ثورة المعلومات
وأكد المفكر الأمريكي أن ثورة المعلومات والتغير التقني تسببا في رفع أهمية القضايا الدولية وتمكين الضعفاء من لعب دور في سياسات العالم، منذ عقود قليلة، لم تكن الاتصالات العالمية اللحظية بحوزة أحد سوى حكومات أو مؤسسات كبرى مثل الشركات متعددة الجنسيات.
في نفس الوقت، كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ينفقان سراً مليارات الدولارات على تصوير الفضاء.
أما الآن فالصور التي تلتقطها الأقمار الاصطناعية التجارية الرخيصة يمكن الحصول عليها في أي مكان، ومكنّت شبكة الإنترنت 1500 منظمة غير حكومية للتنسيق فيما بينها بثمن بسيط لشن (معركة سياتل) التي أعاقت اجتماع منظمة التجارة العالمية في ديسمبر عام 1999م.
وأكد المفكر الأمريكي جوزيف ناي أن الشعور بالقلق يعود إلى هذه الاتجاهات العميقة على الإرهاب, فالإرهاب نفسه ليس جديداً ولكن (دمقرطة التقنية) أو ما يعرف بجعل التقنية ديمقراطية وإتاحتها للجميع خلال العقود الماضية كانت تجعل الإرهابيين أكثر خطورة وأكثر سرعة وذكاء وسيستمر هذا الاتجاه على الأرجح.
في القرن العشرين، فإن شخصية مريضة مثل هتلر أو ستالين كانت بحاجة إلى قوة حكومة لتتمكن من قتل الملايين، وإذا حصل الإرهابيون في القرن الحادي والعشرين على أسلحة الدمار الشامل فستصبح هذه القوة المدمرة للمرة الأولى في متناول جماعات وأفراد متطرفين، ويعتقد المحللون أن عقاب الدول التي تدعم الإرهاب يمكن أن يحل المشكلة، قد تساعد هذه الإجراءات العقابية ولكن في النهاية لا يمكن إيقاف الأفراد الذين أصبح لديهم تقنية مدمرة، وبالرغم من كل هذا فإن (تيموثي ماكفاي) في الولايات المتحدة و(أوم شينريكيو) في اليابان لم تمولهما دول.
في عام 2001 أسفر هجوم مفاجئ شنته جماعة إرهابية عن قتل عدد من الأمريكيين أكثر من هجوم اليابان على بيرل هاربر بالولايات المتحدة في عام 1941م.
وأوضح ناي أن (خصخصة الحرب) لا تعد تغيراً تاريخياً في السياسة العالمية فحسب لأن تأثيرها المحتمل على المدن الأمريكية يمكن أن يغير بشكل كبير الحضارة الأمريكية، لقد أدركت استراتيجية بوش الجديدة أساس هذا التحول بشكل صائب.
استراتيجية ممزقة
ورأى جوزيف ناي أن الشيء الذي لم تتوصل إليه الإدارة الأمريكية هو كيفية تنفيذ طريقتها الجديدة، يبدو من النظرة الأولى، أن حرب العراق حسمت المسألة ولكن يمكن اعتبار هذه الحرب كآخر فصل من القرن العشرين وليس أول فصل من القرن الحادي والعشرين، فقد كانت مجرد فكرة غير مكتملة في أذهان مخططيها وكانت أيضاً تعتمد على قرارات أصدرها مجلس الأمن الدولي خلال أكثر من عقد ولم يتم تنفيذها.
ويرى عدد من المراقبين مثل سفير بريطانيا السابق لدى الأمم المتحدة السير جيرمي جرينستوك أنه بالقليل من الصبر والدبلوماسية، كان يمكن للإدارة الأمريكية أن تحصل على قرار آخر يركز على خطايا صدام حسين بدلاً من السماح لفرنسا وروسيا بتحويل المشكلة إلى مشكلة تتعلق بالقوة الأمريكية.
إذا كان ذلك القرار قد جاء بطريقة مختلفة لكان الاستمرار والاتصال مع الماضي واضحاً اليوم، فضلاً عن ذلك، فإن إدارة بوش تواجه حالياً ديكتاتوراً خطيراً آخر يقترب بشدة من الحصول على أسلحة نووية خلال أشهر وبالتالي تنطبق عليه معايير الاستراتيجية الجديدة أكثر من العراق، ربما تكون كوريا الشمالية الاختبار الحقيقي لكيفية تنفيذ الاستراتيجية الجديدة وحتى الآن فقد استجابت إدارة بوش بحذر ومن خلال التشاور مع حلفاء الولايات المتحدة ويبدو أن الردع قد نجح بالرغم من أنه في هذه الحالة، كان الردع يتمثل في قدرات كوريا الشمالية التقليدية على تدمير العاصمة الكورية الجنوبية سول في حالة الحرب وهو ما أوقف أي عمل عسكري أمريكي ضد بيونج يانج، كما أن هناك نزاعاً كبيراً حول كيفية تنفيذ الاستراتيجية الجديدة.
دور المحافظين الجدد
ويقول ناي: إن الإدارة الأمريكية منقسمة بين هؤلاء الذين يريدون الهروب من قيود نظام المؤسسات في فترة ما بعد عام 1945 التي ساعدت الولايات المتحدة في إقامتها وبين هؤلاء الذين يرون أن أفضل طريقة لتحقيق الأهداف الأمريكية هي العمل في إطار ذلك النظام.
المحافظون الجدد (الذين ينتهجون سياسة الرئيس الأمريكي الأسبق وودرو ويلسون في اليمين) و(اتباع الرئيس الأسبق أندرو جاكسون وسياسته الأحادية) يقفون ضد العلاقات المتعددة والواقعيين التقليديين الحذرين.
ومضى ناي قائلاً: إن الصراع بين الجانبين حول الحرب داخل الإدارة كان واضحاً في التقدم نحو الحرب على العراق.
فقد استخف نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد بالأمم المتحدة ووصفاها بأنها تقدم (حماية زائفة) بينما طالب الجمهوريون الواقعيون التقليديون مثل برينت سكوكروفت وجيمس بيكر وزير الخارجية في عهد إدارة بوش الأب بانتهاج سياسة متعددة الأطراف أو تعددية.
وقدم خطاب الرئيس بوش في 12 سبتمبر 2002 أمام الأمم المتحدة انتصاراً مؤقتاً بالنسبة لتحالف وزير الخارجية الأمريكي كولن باول ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير.
ولكن الفشل في الحصول على قرار ثانٍ من مجلس الأمن ونجاح الحرب أكدا هيمنة وسيطرة مؤيدي الرئيس أندرو جاكسون والرئيس وودرو ويلسون.
وأضاف المفكر الأمريكي أنه في بداية عام 2001، تنبأ الكاتب تشارلز كروزهامر برؤيتهم عندما دافع عن (أحادية جديدة) ترفض فيها الولايات المتحدة لعب دور (مواطن دولي سهل الانقياد) وتسعى لتحقيق أهدافها بلا خجل.
بالنسبة لمعظم المحللين، فإن الأحادية والتعددية عبارة عن نهايتين لسلسلة من الأساليب الدبلوماسية.
عدد قليل من القادة يتبع أحد الأسلوبين فحسب، إلا أن الأحاديين الجدد يتخذون خطوة أبعد، إنهم يعتقدون أن واشنطن تواجه حالياً تهديدات جديدة رهيبة لذلك يجب أن تهرب من قيود هياكل التعددية التي ساعدت في إقامتها بعد الحرب العالمية الثانية.
بالنسبة لهم، فإن تطبيق استراتيجية جديدة يتطلب تطوراً أكثر جذرية.
لقد سعوا إلى تقليل دور الأمم المتحدة في العراق قبل وبعد الحرب ويتحدثون الآن عن أسلوب تعامل يعتمد على (تقسيم) أوروبا بدلاً المساندة التقليدية للاتحاد الأوروبي.
وقد أشار رامسفيلد إلى أن القضايا هي التي تحدد التحالفات وليس العكس.
بعض المدافعين لا يجدون حرجاً من التعبير بوضوح عن الأسلوب الإمبراطوري.
وقد قال ويليام كريستول، المحرر في (ويكلي ستاندارد): إنه إذا كان الناس يريدون أن يقولوا إن الولايات المتحدة إمبراطورية فلا بأس بهذا.
تفكير أحادى البعد
ويشير جوزيف ناي إلى انه بالرغم من أن الأحاديين الجدد محقون في أن الحفاظ على القوة العسكرية الأمريكية أمر في غاية الأهمية وأن التعددية (تعدد الأطراف) المطلقة أمر مستحيل، فإنهم يرتكبون أخطاء جسيمة ستقوض في النهاية تطبيق الاستراتيجية الأمنية الجديدة.
أولى أخطائهم هو التركيز بدرجة كبيرة على القوة العسكرية الأمريكية فحسب.
القوة العسكرية الأمريكية ضرورية بالنسبة للاستقرار العالمي وتعد جزءاً من الرد على الإرهاب ولكن صورة الحرب لا يجب أن تعمي الأمريكيين عن حقيقة أن قمع الإرهاب سيستغرق سنوات من الصبر وتعاون مدني مع دول أخرى في مجالات مثل مشاركة المعلومات الاستخباراتية وعمل الشرطة وتعقب الدعم المادي والتحكم في الحدود.
فعلى سبيل المثال، النجاح العسكري الأمريكي في أفغانستان تعامل مع الجزء الأسهل من المشكلة، الإطاحة بحكومة مستبدة وضعيفة في دولة فقيرة.
ولكن كل القصف الدقيق دمر جزءاً ضئيلاً من تنظيم القاعدة الذي يحتفظ بخلايا له في أكثر من ستين دولة.
والقصف لا يمكن أن يحل مشكلة الخلايا الموجودة في هامبورج أو ديترويت.
وبدلاً من إثبات وجهة نظر الأحاديين الجدد فإن النجاح الجزئي في أفغانستان يوضح الحاجة المستمرة للتعاون.
إن أفضل رد على شبكات الإرهاب الدولية هو شبكات من الوكالات الحكومية المتعاونة.
الحصول على النتائج
وأوضح ناي أن القوة هي القدرة على الحصول على النتائج التي يرجوها المرء والتغيرات المذكورة آنفاً جعلت توزيعها أكثر تعقيداً مما قد يعتقد البعض.
جدول أعمال السياسة الدولية أصبح مثل لعبة الشطرنج ثلاثية الأبعاد التي يمكن للمرء أن يفوز فيها فقط من خلال اللعب بشكل رأسي وأفقي.
فعلى اللوحة العليا التي تمثل القضايا العسكرية التقليدية بين الدول فإن الولايات المتحدة ستظل على الأرجح القوة العظمى الوحيدة لسنوات قادمة وهو أمر منطقي من الناحية التقليدية لمفهوم أحادية القطب أو الهيمنة.
أما بالنسبة للوحة الوسطى التي تمثل القضايا الاقتصادية، فإن توزيع القوة متعدد الأقطاب بالفعل.
الولايات المتحدة لا تستطيع الحصول على النتائج التي تريدها عندما يتعلق الأمر بقضايا التجارة أو منع الاحتكار أو القوانين المالية بدون موافقة الاتحاد الأوروبي واليابان ودول أخرى.
وهذا التوزيع للقوة الاقتصادية لا يمكن تسميته (هيمنة أمريكية).
وبالنسبة للوحة السفلية التي تمثل القضايا الدولية فإن القوة موزعة بدرجة كبيرة ومنظمة بين المشاركين التابعين للدول والأفراد.
وليس من المنطقي على الإطلاق اعتبار هذا العالم ك(عالم أحادي القطب) أو (إمبراطورية أمريكية) وكما يوضح مبدأ بوش الجديد فإن هذه مجموعة القضايا التي تقتحم الآن عالم الاستراتيجية الكبرى.
ومع ذلك فإن العديد من الأحاديين الجدد خاصة اتباع سياسة الرئيس أندرو جاكسون يركزون بشكل كامل على اللوحة العليا التي تمثل الحلول العسكرية التقليدية.
إنهم يخلطون الشيء الضروري بالشيء الكافي.
إنهم لاعبون تتسم نظرتهم بأنها أحادية البعد في لعبة ثلاثية الأبعاد.
على المدى البعيد، أسلوبهم في تطبيق الاستراتيجية سيؤدي إلى الخسارة.
الاستخفاف بالقوة الناعمة
وألمح المفكر الأمريكي إلى أن رغبة الدول الأخرى في التعاون مع القضايا الدولية مثل الإرهاب تعتمد جزئياً على مصالحها الخاصة ولكنها تعتمد أيضاً على جاذبية الأوضاع الأمريكية.
القوة الناعمة تكمن في القدرة على الجذب والإقناع بدلاً من الإكراه.
إنها تعني أن الآخرين يريدون ما تريده الولايات المتحدة فلا يكون هناك سبب لاستخدام سياسة العصا والجزرة في حين أن القوة الخشنة (القبضة الحديدة) التي هي القدرة على الإكراه تنتج عن القوة العسكرية والاقتصادية للدولة.
القوة الناعمة تنتج عن جاذبية ثقافة الدولة ومبادئها السياسية وسياساتها.
عندما تبدو السياسات الأمريكية شريعة في عيون الآخرين يتم تعزيز القوة الأمريكية الناعمة.
أما القوة الخشنة فستظل دائماً مهمة في عالم تعمل في الدول على الحفاظ على استقلالها ولكن القوة الناعمة ستزداد أهمية في التعامل مع القضايا الدولية التي تتطلب تعاوناً متعدد الأطراف من أجل حلها.
إحدى (قواعد) رامسفيلد هي أن (الضعف يثير الاستفزاز) وهو محق في هذا.
العرض المؤثر للقوة العسكرية في حرب الخليج الثانية كما كان في الأولى، ربما كان له تأثير ردعي وتحولي في الشرق الأوسط.
ولكن حرب الخليج الأولى التي أدت لعملية السلام في أوسلو كان الجميع يعتبرونها حرباً شرعية بينما كانت شرعية الحرب الأخيرة محل شك.
ونظراً لأن فرنسا وألمانيا وروسيا والصين لم تستطع موازنة القوة العسكرية الأمريكية فقد كونت تحالفاً لموازنة القوة الأمريكية الناعمة بهدف حرمان الولايات المتحدة من الشرعية التي كان يمكن الحصول عليها بقرار ثانٍ من الأمم المتحدة.
وبالرغم من أن هذا التوازن لم يمنع الحرب على العراق، فقد رفع ثمنها بشكل كبير.
عندما اعتبر أعضاء البرلمان التركي أن السياسة الأمريكية غير شرعية، رفضوا مطالب وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بالسماح لفرقة المشاة الرابعة بدخول العراق من الشمال.
الاهتمام غير الكافي بالقوة الناعمة كان ضاراً بالقوة الخشنة التي استخدمتها الولايات المتحدة في الأيام الأولى من الحرب.
ونبه جوزيف ناي إلى أن القوة الخشنة والناعمة تتصادمان أحياناً لكنهما تستطيعان أيضاً تعزيز بعضهما البعض.
وعندما يخلط اتباع سياسة الرئيس جاكسون القوة الناعمة بالضعف، فإنهم يخاطرون بذلك على مسئوليتهم.
أحد الاستخدامات الجيدة للقوة الناعمة التي قام بها البنتاجون في حرب الخليج الثانية بشكل صحيح كانت تسمى (تسليح المراسلين).
فاصطحاب المراسلين مع وحدات عسكرية متقدمة أحبط استراتيجية صدام التي كانت تعتمد على خلق غضب دولي بزعم أن القوات الأمريكية كانت تتعمد قتل المدنيين، بينما صورت شبكة سي ان ان التليفزيونية الأمريكية قضايا حرب الخليج الأولى، لقد تطلب انتشار تقنية المعلومات وظهور قنوات جديدة مثل قناة الجزيرة في الفترة الفاصلة ما بين الحربين استراتيجية جديدة للحفاظ على القوة الناعمة خلال الثانية.
أياً كانت القضايا الأخرى التي تثيرها فإن اصطحاب المراسلين مع وحدات عسكرية كان استجابة للأوقات المتغيرة.
تحالف بثمن مستقل
مؤيدو المحافظين الجدد في الأحادية الجديدة ينتبهون بشكل أكبر لبعض مظاهر القوة الناعمة.
تأكيد اتباع سياسة الرئيس ويلسون على الديمقراطية وحقوق الإنسان يمكن أن يساعد في جعل السياسة الأمريكية جذابة بالنسبة للآخرين عندما تبدو هذه القيم حقيقة ويتم السعي لتحقيقها بطريقة عادلة.
انتهاكات نظام صدام لحقوق الإنسان أصبحت هكذا مغالطة منطقية كبيرة لجعل الحرب على العراق تبدو شرعية.
بالإضافة إلى ذلك، وكما أشار ناي من قبل، فإن إدارة بوش حققت استثمارات حكيمة في القوة الأمريكية الناعمة من خلال زيادة مساعدات التنمية وتقديم المساعدة في الحملة ضد مرض الإيدز.
ولكن بالرغم من أن أتباع الرئيس الأسبق ودرو ويلسون الجدد يريدون المشاركة في رغبته بنشر الديمقراطية، فإنهم يتجاهلون المؤسسات.
وفي غياب المؤسسات الدولية التي يشعر من خلالها الآخرون بأنه تتم استشارتهم والتعاون معهم، فإن الفرض الإمبراطوري للقيم قد لا يجذب الآخرين ولا يحقق القوة الناعمة.
كل من تيار الأتباع الجدد للرئيس ويلسون وأتباع الرئيس جاكسون الذين يؤمنون بالسياسة الأحادية يفضلون التحالف بثمن مستقل ويفضلون أيضاً معاملة المؤسسات الدولية كصندوق أدوات يمكن لصناع السياسة الأمريكية الوصول إليه عندما يكون هذا ملائماً لهم.
ولكن هذا المفهوم يهمل الطرق التي تضفي بها المؤسسات صفة الشرعية على القوة الأمريكية غير المتكافئة.
عندما يشعر الآخرون أنه تمت استشارتهم فإنهم يكونون متعاونين, فعلى سبيل المثال، أعضاء حلف شمال الأطلنطي (الناتو) يقومون بمعظم العمل في حفظ السلام في البلقان وفي افغانستان.
يعمل (الناتو) خلال العديد من اللجان لتحقيق التوحيد القياسي والتعامل فيما بينها بما يسمح للتحالفات الراغبة لتكون أكثر من مجرد مجموعات مكونة لهدف خاص.
بدون التشاور المؤسساتي المنتظم، قد تجد الولايات المتحدة الآخرين رافضين بتزايد وضع الأدوات في الصندوق.
وذات يوم سيصبح الصندوق فارغاً.
ستصبح التحالفات التي تقودها الولايات المتحدة ضعيفة الرغبة وسيقل حجمها والدليل على ذلك حربا الخليج الأولى والثانية.
وأوضح المفكر الأمريكي جوزيف ناي أن منظمة الأمم المتحدة تعد منظمة صعبة.
والدليل أن القدرة على استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن منعته من التفويض باستخدام القوة لعمليات الأمن الجماعي إلا في ثلاث حالات في نصف القرن الماضي.
ولكن المجلس كان مشكّلاً ليكون بمثابة اتفاق القوى الكبرى مما يعني أنه لن يتحرك إذا اختلفت تلك القوى.
حق النقض (الفتيو) يشبه صندوق الصمام الكهربائي الموجود في النظام الكهربائي في المنزل.
ومن الأفضل أن يحترق الصمام الكهربائي وينقطع التيار الكهربائي أفضل من أن يحترق المنزل.
بالإضافة إلى ذلك وكما أشار الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان بعد أن بدأت حرب كوسوفو عام 1999 بدون قرار من الأمم المتحدة ولكن بمشاركة فرنسية وألمانية إلى أن المنظمة الدولية ممزقة بين التفسير الصارم لسيادة الدول وظهور القوانين الإنسانية وحقوق الإنسان التي تضع حدوداً ما يمكن أن يفعله القادة بمواطنيهم.
ولزيادة الأمور تعقيداً جعلت السياسة تعديل ميثاق الأمم المتحدة شيئاً مستحيلاً.
ومع ذلك فإنه رغم عيوب الأمم المتحدة الكثيرة فقد أثبتت أنها مهمة في تنفيذ المهام الإنسانية ومهام حفظ السلام التي توافق عليها الدول كما أنها تظل مصدراً مهماً للشرعية في عالم السياسة.
وبالنسبة للأحاديين الجدد فإن النقطة الأخيرة تعتبر مزعجة بشكل خاص لأنهم يشيرون إلى الطبيعة غير الديمقراطية لبعض الأنظمة التي تدلي بصوتها في الأمم المتحدة وترأس بعض لجانها.
ولكن الحل الذي يقدمونه لاستبدال المنظمة الدولية بمنظمة جديدة تجمع الأنظمة الديمقراطية يتجاهل حقيقة أن الانقسامات الكبيرة حول العراق كانت بين الأنظمة الديمقراطية.
وبدلاً من الانهماك في مجهودات لا جدوى منها لتجاهل الأمم المتحدة أو تغيير هيكلها، يجب على واشنطن أن تحسّن دبلوماسيتها الأساسية الثنائية مع الدول الأخرى التي تمتلك حق الفيتو وتستخدم المنظمة الدولية بطرق عملية لتعزيز الاستراتيجية الجديدة.
واعتبر ناي أنه بالإضافة للإشراف على جدول أعمال المنظمة في المجالات التنموية والإنسانية، يمكن لمجلس الأمن أن يلعب دوراً مهماً في نزع فتيل الأزمة في كوريا الشمالية.
ويمكن أن تساعد لجنة الإرهاب في حث الدول على تحسين إجراءاتها ويمكن لمجموعات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أن تنقذ الولايات المتحدة من أن تكون رجل الشرطة الوحيد في العالم.
إذا نجحت واشنطن في استخدام الأمم المتحدة بحكمة فيمكن للمنظمة الدولية أن تخدم المصالح الأمريكية بعدة طرق عملية.
ولكن العكس أيضاً صحيح، هجوم الأحاديين الجدد على المنظمة الدولية يمكن أن يعطي نتائج عكسية ويقوض القوة الناعمة الأمريكية.
ويوجد دليل مهم على أن سياسات الأحاديين الجدد تميل إلى تبديد القوة الناعمة الأمريكية.
قبل الحرب، أظهر استطلاع للرأي أن السياسات الأمريكية (وليس الثقافة الأمريكية) أدت إلى مواقف أقل تأييداً للولايات المتحدة خلال العامين الماضيين في 19 دولة من بين 27 دولة بما فيها الدول الإسلامية المهمة جداً في مواصلة الحرب ضد الإرهاب.
كما أظهرت استطلاعات أخرى هبوط 30 نقطة في شعبية الولايات المتحدة في دول أوروبية كبرى.
لا تستطيع أي دولة كبيرة أن تلتزم بالتعددية (أو بالتعاون مع الآخرين) تماماً وأحياناً يجب على الولايات المتحدة أن تقود الجميع كما فعلت في أفغانستان.
وربما كان التهديد الحقيقي باستخدام الخيار الأحادي ضرورياً في جعل مجلس الأمن الدولي يصدر القرار رقم 1441 الذي أعاد مفتشي الأسلحة الدوليين إلى العراق.
ولكن يجب على الولايات المتحدة أن تنزع إلى التعددية وتعدد الأطراف قدر الإمكان كسبيل لإضفاء الشرعية على قوتها والحصول على موافقة عريضة على استراتيجيتها الجديدة.
الإجراء الوقائي الذي يكتسب شرعيته من تصديق دول عديدة لا يكلف كثيراً ولا يمثل سابقة خطيرة تؤكد بها الولايات المتحدة أنها تستطيع القيام بدور القاضي وهيئة المحلفين والجلاد.
ومن الممكن استخدام الدول الصغيرة للتعددية لتقييد حرية العمل الأمريكي ولكن هذا العيب لا يقلل من فائدتها الكلية.
إن إدراك واشنطن لأهمية الإنصات للآخرين وتحديد المصالح القومية الأمريكية بشكل أوسع لتشمل المصالح الدولية سيكون أمراً مهماً لنجاح الاستراتيجية الجديدة، كما أن من شأنه تمكين الآخرين من تحديد ما إذا كان التفوق الأمريكي الذي تدل عليه هذه الاستراتيجية أمراً جيداً أم لا.
ولكي تطبق الولايات المتحدة الاستراتيجية الجديدة بنجاح، ستحتاج إلى الانتباه بدرجة أكبر إلى القوة الناعمة والتعاون الدولي أكثر مما قد يحب الأحاديون الجدد.
إمبراطورية مقيدة
أخيراً، هؤلاء الأحاديون الجدد الذين يرحبون بفكرة الإمبراطورية الأمريكية لا يدركون الطبيعة الأساسية للرأي العام الأمريكي.
وحتى لو كان تحويل الأنظمة غير الديمقراطية في الشرق الأوسط سيقلل بالفعل مصادر الإرهاب، فإن السؤال يظل هو ما إذا كان الرأي العام الأمريكي سيقبل بدور إمبراطوري.
الكتاب من المحافظين الجدد مثل ماكس بوت يرون أن الولايات المتحدة يجب أن تقدم للدول التي تواجه مشكلات (نوع الإدارة الخارجية الواعية التي قدمها الإنجليز الواثقون بأنفسهم) ولكن كما أشار المؤرخ البريطاني نيال فيرجسون، فإن أمريكا الحديثة تختلف عن بريطانيا في القرن التاسع عشر في مدى اهتمامها القصير دائماً.
البعض يقول إن الولايات المتحدة إمبراطورية بالفعل وأن الأمر مجرد الاعتراف بهذه الحقيقة لكنهم يخطئون سياسات الأولوية مع سياسات الإمبراطورية.
ربما تكون الولايات المتحدة أكثر قوة من دول أخرى مقارنة بقوة المملكة المتحدة عندما كانت في أوجها كإمبراطورية لكنها أقل تحكماً في ما يحدث داخل الدول الأخرى من المملكة المتحدة التي كانت تحكم ربع العالم.
الولايات المتحدة لا تتمتع بمثل هذا التحكم في أي دولة في الوقت الحالي.
حتى أن واشنطن لم تستطع الحصول على أصوات المكسيك أو تشيلي من أجل استصدار قرار ثانٍ من مجلس الأمن الدولي.
ويجادل المتحمسون للنظام الإمبراطوري معتبرين أن هذا التحليل حرفي جداً وأن كلمة (إمبراطورية) يقصد بها (المعنى المجازي) ولكن هذا (المعنى المجازي) يدل ضمنياً على درجة من التحكم من واشنطن لكنه غير موجود كما أنه يعزز الإغراءات السائدة نحو السياسة الأحادية.
وأوضح جوزيف ناي أنه بالرغم من أيديولوجية الولايات المتحدة التي انتهجتها منذ نشأتها والمعارضة للنظام الإمبراطوري، فقد تدخلت وحكمت بعض الدول في أمريكا الوسطى والكاريبي والفليبين ولكن الأمريكيين لم يشعروا قط بالراحة كمؤيدين للنظام الإمبراطوري وعدد قليل جداً من الحالات أدى مباشرة إلى إقامة أنظمة ديمقراطية.
لقد خصصت الولايات المتحدة نسبة أعلى بكثير من إجمالي الناتج المحلي للميزانية العسكرية خلال الحرب الباردة أكثر مما تخصص لها في الوقت الحالي.
الامتداد سينتج عن تولي مهمات حفظ الأمن والنظام في المزيد من الدول الخارجية بشكل لا يقبله الرأي العام.
حتى بعد حرب الخليج الثانية، أظهرت الاستطلاعات ميلاً ضئيلاً لفكرة الإمبراطورية وعدم وجود أي رغبة لدى الأمريكيين لغزو سوريا وإيران.
بدلاً من ذلك فإن الأمريكيين يفضلون التعددية واستخدام الأمم المتحدة.
في الواقع، إن مشكلة تكوين إمبراطورية أمريكية من الأفضل أن تطلق عليها (إمبراطورية غير ممتدة) لأنه لا الشعب الأمريكي ولا الكونجرس أظهرا رغبة في أن يستثمرا جدياً أدوات بناء الدول والحكم كمقابل للقوة العسكرية.
في الواقع، فإن تحالف الموالين الجدد للرئيس ويلسون وأتباع الرئيس جاكسون قد ينقسم حول هذه المسألة.
أتباع الرئيس ويلسون سيناصرون وجوداً أمريكياً طويلاً لفرض الديمقراطية في الشرق الأوسط في حين أن أتباع الرئيس جاكسون الذين يميلون إلى تجنب (بناء الدولة) يريدون قوات عسكرية تكون مناسبة أكثر للاقتحام والإطاحة بالحكام الديكتاتوريين ثم العودة للوطن بدلاً من البقاء للقيام بالعمل الصعب المتمثل في إحلال الديمقراطية.
ثلاثة سيناريوهات مهمة
ومن بين عدد من الاحتمالات المستقبلية للعراق، توجد ثلاثة سيناريوهات تستحق بعض التوضيح، الأول: هو مثال اليابان أو ألمانيا في عام 1945 حيث تبقى الولايات المتحدة لمدة سبع سنوات وتترك خلفها ديمقراطية صديقة.
سيكون هذا هو الوضع المفضل ولكن يجب أن نتذكر أن ألمانيا واليابان كانا بلدين يقبلان التعدد العرقي (أي وجود الجنسيات الأجنبية) ولذا لم تكن هناك أي ردود إرهابية على وجود القوات الأمريكية وكان يمكن التفاخر بطبقات وسطى مهمة خبرت الديمقراطية في العشرينيات من القرن الماضي.
السيناريو الثاني: مماثل لوضع الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان في لبنان أو بيل كلينتون في الصومال حيث يتحول بعض الأشخاص الذين كانوا يحتفلون بدخول القوات الأمريكية وينتهي بهم الأمر بالتظاهر ضد وجودها بعد مرور ستة أشهر.
في هذا السيناريو، يقتل الإرهابيون الجنود الأمريكيين ويستجيب الشعب الأمريكي قائلاً: (لقد رحل صدام، ليس لدى العراق أسلحة دمار شامل، إنهم لا يريدون ديمقراطيتنا، لنسحب قواتنا من هناك) إذا ترك هذا السيناريو صراعاً في العراق أو ديكتاتوراً أو حكومة دينية، فهذا سيقوض الشرعية للحرب.
السيناريو الثالث: سيكون تذكيراً للبوسنة وكوسوفو.
الولايات المتحدة ستجذب حلفاءها في حلف الناتو والدول الأخرى للمساعدة في وضع سياسات وإعمار العراق وسيبارك قرار من الأمم المتحدة هذه القوة وسيساعد حاكم دولي في إضفاء الشرعية على القرارات.
ستكون هذه العملية طويلة ومحبطة لكنها ستقلل من كون الولايات المتحدة هدفاًَ للمعارضين للنظام الإمبراطوري وستضمن على الأرجح أن أمريكا لم تنسحب قبل الأوان.
تناقض الأولوية
لقد حددت استراتيجية الأمن القومي التي وضعتها إدارة بوش بشكل صحيح التحديات التي تنتج عن التغيرات العميقة في سياسات العالم التي كشفت عنها أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
ولكن الإدارة لم تستقر على كيفية تطبيق الاستراتيجية الجديدة بأفضل شكل من الفعالية.
بدلاً من حل المسألة، لقد تركت حرب الخليج الثانية الانقسامات كما هي وما زالت الاختبارات الحقيقية تنتظر.
وأكد المفكر الأمريكي جوزيف ناي أن مشكلة القوة الأمريكية في القرن الحادي والعشرين تكمن في استمرار خروج الآخرين عن سيطرة القوة الأكبر في العالم.
بالرغم من أن الولايات المتحدة تقوم بعمل جيد بالنسبة للمعايير التقليدية للقوة الخشنة.
هذه المعايير تفشل في توضيح ملامح التحول المستمر لسياسات العالم التي نتجت عن العولمة و(دمقرطة التقنية) أو جعلها في متناول الجميع.
تناقض القوة الأمريكية هي أن سياسات العالم تتغير بطريقة تجعل من المستحيل على أقوى قوة في العالم منذ روما تحقيق بعض من أهدافها الدولية المهمة بمفردها.
الولايات المتحدة تفتقد القدرة الدولية والمحلية على حل النزاعات الداخلية في مجتمعات أخرى ومراقبة التطورات الدولية التي تهدد الأمريكيين في بلادهم.
وشدد ناي على أن القوة بمفردها لا يمكن أن تحقق النجاح في مواجهة العديد من القضايا المهمة حالياً مثل الاستقرار المادي العالمي وتهريب المخدرات وانتشار الأمراض وخاصة الإرهاب الجديد ويمكن أن يتسبب استخدام القوة أحياناً في تحقيق نتائج عكسية.
بدلاً من ذلك، فإنه على الولايات المتحدة بصفتها أقوى دولة في العالم أن تحشد التحالفات الدولية لمواجهة تلك التهديدات والتحديات المشتركة.
وقيام تحالف أتباع جاكسون والاتباع الجدد لويلسون بتخفيض قيمة القوة الناعمة والمؤسسات، يحرم واشنطن من بعض من أكثر آلياتها أهمية لتطبيق استراتيجية الأمن القومي الجديدة.
وخلص ناي إلى أنهم إذا تمكنوا من الاستمرار بهذه الطريقة فيمكن أن تفشل الولايات المتحدة في الاختبار الذي سماه هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق الاختبار التاريخي لهذا الجيل من القادة الأمريكيين وهو استخدام القوة الأمريكية المتفوقة للتوصل إلى إجماع دولي.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|