تعصف بلبنان هذه الأيام خلافات حادة مع قرب الانتخابات للاستحقاق الرئاسي تومض شراراتها بما هو أسوأ بكثير مما كان عليه الحال في الحرب الأهلية التي امتدت خمسة عشر عاماً، إذ لا يزال الفرقاء غير قادرين على تطويق مشكلاتهم وتقريب مسافة الاختلافات في وجهات النظر فيما يسهم للوصول إلى حلول عملية تنهي هذا التجاذب الإعلامي الذي دأب أن يعبر فيه كل جانب عن موقفه دون أن يفكر بما قد تؤول إليه هذه المواقف المتنافرة من تدمير للبنان وجره إلى مزيد من التشرذم الذي لن تخرج منه هذه الفئة أو تلك بالمكاسب التي تسعى إليها.
* * *
وما يصعّب ويصعّد هذه الخلافات والانقسامات الحادة بين الأحزاب اللبنانية، أن دولاً كثيرة اعتادت أن تتدخل في الشأن اللبناني، وتملي عليه سياساتها، وكأنها وصية عليه، أو مسؤولة عن مستقبله، أو أن لها الحق في فرض خياراتها عليه، في حين كان الأولى بها أن تتركه وشأنه إذا لم يكن بمقدورها أن تنقذه من الوضع المأساوي الذي يمر به، لا أن تزيد من الهوة السحيقة التي تحول دون حلول عملية وعادلة يقبل بها الجميع.
* * *
إن لبنان الآن على مفترق طرق، وأن الأجواء الساخنة التي تمر بها دول المنطقة في ظل الصراعات والحروب والخلافات المزمنة بين كثير من هذه الدول، لا تسمح بمزيد من الخلافات بين اللبنانيين، بل إن أي تصعيد إنما يلحق بلبنان واللبنانيين أشد الضرر، وإن تداعيات الوضع غير المستقر في لبنان ربما امتد إلى دول عربية أخرى في المنطقة؛ ما يتطلب معه أن يتدخل الحكماء للحيلولة دون ذلك، بحيث يتم إقناع اللبنانيين الفاعلين بالتهدئة أولاً، ومن ثم الجلوس على مائدة الحوار للاتفاق على رئيسهم المقبل وعلى التشكيل الوزاري، وربما الانتخابات النيابية المبكرة.
* * *
إن أي مخلص لا يرضيه ما يمر به لبنان، بل إنه يتأمل للتسخين الذي بدأ بقوة، وكأنه يمهد لمرحلة فقدان الأمن والتقاتل على النحو الذي كان للبنانيين جولات وتجارب كثيرة ومريرة ومدمرة حرمت لبنان على مدى سنوات طويلة من تنمية اقتصادية وتوفير الأمن لأبنائه، وبالتالي أشاعت أصداءً من عدم الاستقرار الذي ظلت الآلة الإعلامية اللبنانية تغذيه على مدى الأربع والعشرين ساعة في كل يوم.
* * *
على أنه لا أحد غير اللبنانيين، يملك القدرة على ضبط الأوضاع في لبنان، وهذا يتحقق بالإرادة والإخلاص بإنهاء الخلافات فيما بينهم، ورفض أي إملاءات خارجية تقود إلى تدمير هذا البلد الجميل، وهي مسؤولية الجميع بأكثريته وأقليته، بالموالاة والمعارضة، وبالرؤساء الثلاثة، وبجميع الأحزاب اللبنانية، وإلا فعلى اللبنانيين مع اقتراب موعد انتخاب الرئيس اللبناني الجديد أن ينتظروا انفجاراً مدمراً تصعب معه لملمة الجراح، أو الوصول إلى حلول آنية وسريعة لهذه الخلافات العقيمة بين الفرقاء اللبنانيين.
* * *
إن السيناريو الذي يلّوح به فريق الأغلبية، والآخر الذي يهدد به فريق المعارضة، لاختيار الرئيس الجديد بعيداً عن منطق الدستور واتفاق الطائف، لا يخدم مستقبل لبنان ولا اللبنانيين، بل إنه يلحق أبلغ الضرر بلبنان وأهل لبنان وربما بدول أخرى في المنطقة، وهو الأمر الذي لا يخفى على الإخوة اللبنانيين تقدير تبعاته وأضراره اللاحقة، بما يجعلنا نذكّر بأهمية إعطاء بعض التنازلات عن بعض القناعات للوصول إلى قواسم مشتركة تمرر انتخاب الرئيس الجديد بما لا يتعارض مع الدستور واتفاق الطائف، والأخذ بمبدأ التوافق الذي يتميز به لبنان في التعايش بين طوائفه.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «2» ثم أرسلها إلى الكود 82244