رغم مرور نحو ست سنوات على هجمات الحادي عشر من سبتمبر وإنفاق مليارات الدولارات ما زال هاجس تأمين الحدود الأمريكية ومراقبة حركة الدخول والخروج بها يطارد الأمريكيين بعد أن فشلت كل المحاولات الرامية إلى إيجاد نظام فعَّال يضمن رصد حركة المغادرين على وجه التحديد بعد أن أشارت الإحصائيات إلى أن نحو 100 ألف شخص ممن يدخلون أمريكا سنوياً بتأشيرة رسمية يبقون فيها بعد انتهاء فترة التأشيرة.
وقد نشرت صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) تقريراً عن هذه القضية قالت فيه إن الولايات المتحدة تعرف على وجه اليقين متى يدخل إليها الأجانب الذين يحملون تأشيرة دخول ولكنها لا تمتلك أي فكرة عن توقيت خروج أغلبهم هذا إن خرجوا ولم يبقوا فيها بعد انتهاء فترة التأشيرة.
والحقيقة أن الكونجرس طالب منذ عام 1996 بضرورة علاج هذه الثغرة في نظام الهجرة والسفر بالولايات المتحدة لأن أكثر من 100 ألف ممن يدخلون إلى الولايات المتحدة بتأشيرة قانونية كانوا يبقون فيها وينضمون إلى صفوف العمال غير الشرعيين. ولكن بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية ضد نيويورك وواشنطن عام 2001 لقي طلب الكونجرس دفعة جديدة، حيث أوصت لجنة التحقيق في هجمات سبتمبر عام 2004 بضرورة سد هذه الثغرة. ثم جاء قانون إصلاح المخابرات ومكافحة الإرهاب الأخير ليجعل من سد هذه الثغرة أمراً محتملاً.
وبنهاية العام الحالي تتوقّع وزارة الأمن الداخلي الأمريكية إقامة نظام جديد لمعرفة الأجانب الذين يغادرون الولايات المتحدة عن طريق البحر أو الجو ولكنها تخلّت عن مشروع تسجيل الأجانب الذين يغادرون الأراضي الأمريكية عبر المنافذ الحدودية البرية.
المنافذ البرية
يقول مسؤول بوزارة الأمن الداخلي الأمريكية إن المنافذ البرية تشكّل بصورة ما تحدياً ولذلك فنحن نحاول البحث عن وسيلة فعَّالة للتعامل معها وقد يستغرق الأمر عدة سنوات.
والمشكلة وفقاً لوزارة الأمن الداخلي هي عدم توافر التكنولوجيا اللازمة لتطوير برنامج دخول - خروج للأشخاص الذين يغادرون الأراضي الأمريكية من المنافذ البرية على الأقل دون التسبب في اختناقات مرورية هائلة في تلك المنافذ وما يعنيه ذلك من اضطراب كبير في حركة التجارة وحياة الأمريكيين في المدن الحدودية.
ويقول المعارضون إن المشكلة الحقيقية تكمن في غياب الإرادة السياسية وغموض الأولويات. ويتهم المعارضون وزارة الأمن الداخلي بتحديد سقف تقني مرتفع للغاية، فعلى سبيل المثال تطلب الوزارة نظاماً قادراً على مراجعة خروج الأشخاص من المنافذ البرية للبلاد أثناء قيادة سياراتهم بسرعة 50 ميلاً في الساعة.
برنامج زيارة
والجدل بشأن برنامج مراقبة الدخول والخروج من المنافذ الحدودية الأمريكية والذي تطلق عليه الولايات المتحدة اسم (برنامج زيارة) يوضح ليس فقط صعوبة تأمين الحدود الأمريكية بصورة فعلية ولكن أيضاً القضية الأكبر الخاصة بأفضل سبل الاستفادة من الموارد المحدودة لتحسين مستوى الأمن للولايات المتحدة في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر. ويقول مؤيِّدو برنامج مراقبة الدخول والخروج على الحدود إنه ضروري للغاية من أجل تحقيق الأمن لأن البلاد يجب أن تكون على علم كامل بمن يخرج منها بالإضافة إلى معرفتها بمن يدخل إليها. ويشار هنا إلى أن اثنين من منفذي هجمات 11 سبتمبر كانا يعيشان في الولايات المتحدة رغم انتهاء مدة تأشيرتهما.
تقول جيسكا فوفان كبيرة المحلّلين السياسيين في مركز دراسات الهجرة بواشنطن (علينا الاعتراف بأن هناك تهديدات حقيقية جداً والحدود الأمريكية هي في النهاية حدود دولية ولذلك على الأشخاص الذين اعتادوا استخدام المعابر الحدودية بسهولة وسرعة إدراك أن هناك أسباباً قوية جداً الآن لتغيير طريقة عبورهم للنقاط الحدودية).
وتضيف فوفان: (ربما كانت الأمور جيدة عام 2000 عندما كانت تتم الإجراءات في نقاط الحدود بسرعة كبيرة ولكن الأمور تغيَّرت الآن).
ولكن معارضي برنامج (زيارة) الأمريكية يقولون إنه ينطوي على تبديد كبير لموارد قيمة لأنه يسعى إلى متابعة 309 ملايين شخص يعبرون الحدود البرية للولايات المتحدة سنوياً. وأكثر من 70 في المئة من هؤلاء الأشخاص هم من سائقي الشاحنات الذين يستخدمون الطرق الدولية بصورة منتظمة أو العمال أو الأشخاص الذين يذهبون لزيارة أسرهم على الجانب الآخر من الحدود. والأغلبية العظمى من النسبة الباقية هم من السائحين الأمريكيين الذين يذهبون لقضاء عطلتهم في الخارج.
يقول آلان ويرنيك الأستاذ في كلية باروخ بنيويورك ورئيس مجلس إدارة مشروع المواطنة والهجرة أفهم السياسات الرامية إلى التتبع المؤقت للزائرين والدارسين وغيرهم ولكن لا أرى أي سبب وفقاً للتحليل المنطقي لكي نستثمر مليارات الدولارات من أجل معرفة من يخرج من البلاد بدلاً من إنفاقها على تعليم رجال الأمن والمخابرات اللغات الأجنبية الضرورية واختراق الجماعات المشتبه فيها.
تقوم وزارة الأمن الداخلي بإجراء اختبار لبرنامجها الجديد لمعرفة المغادرين من المطارات الأمريكية في 12 مطاراً وميناءين بحريين. ويعتمد البرنامج على وجود جهاز يقوم وثائق سفر المغادرين وبصمات أصابعهم وصورهم للتأكد من أن الشخص الذي يغادر الولايات المتحدة هو نفسه الشخص الذي دخل إليها في وقت سابق بتأشيرة الدخول. وتأمل وزارة الأمن الداخلي في تطبيق هذا النظام الجديد في جميع المطارات الأمريكية التي تستقبل الرحلات الدولية وعددها 80 مطاراً.
مراقبة إلكترونية
كما تدير الوزارة برنامجاً تجريبياً في خمسة منافذ برية وهو يعتمد على تكنولوجيا موجات الراديو التي تستطيع إجراء مسح ضوئي لشريحة إلكترونية موجودة على تأشيرة الدخول التي يحصل عليها الأجانب وذلك أثناء مغادرتهم البلاد إلى كندا أو المكسيك عبر المنافذ البرية. والهدف هو الوصول إلى إمكانية تشغيل هذا النظام دون الحاجة إلى توقف المسافرين أو حتى تقليل سرعة سياراتهم عن 50 ميلاً في الساعة، حيث تتم عملية المسح عن بعد.
تقول فوفان (إن هذا النظام غير واقعي فحتى أحدث الأجهزة في هذا المجال تحتاج إلى إبطاء سرعة السيارة حتى خمسة أميال في الساعة في إشارة إلى نظام تحصيل الرسوم على السيارات التي تستخدم الطرق السريعة إلكترونياً).
وقال متحدث باسم وزارة الأمن الداخلي إن تكنولوجيا موجات الراديو فشلت جزئياً بسبب عدم قدرتها على التأكد من أن الشخص الذي يحمل التأشيرة التي يتم فحصها عن بعد هو نفسه الشخص الذي سبق أن دخل إلى البلاد بهذه التأشيرة كما يطالب الكونجرس. وكانت دراسة لمكتب المحاسبة العامة الأمريكية قد توصلت إلى أن أفضل نظام للتأكد من حركة الخروج من المنافذ الأمريكية هو الاعتماد على المسح الحيوي للأشخاص أثناء المغادرة من خلال التأكد من تطابق السمات الحيوية مثل لون البشرة وبصمة العين وبصمة الأصابع عند الدخول والخروج. ولكن هذا يفرض على وزارة الأمن الداخلي إنفاق مليارات الدولارات لزيادة عدد المنافذ البرية وتعيين موظفين جدد لمنع عمليات التهريب الهائلة التي تتم عبر الحدود البرية.
ودافعت متحدثة باسم وزارة الأمن الداخلي عن تأخير تطبيق برنامج مراقبة المنافذ البرية حتى يتم توفير التكنولوجيا المطلوبة لاستخدام السمات الحيوية في رصد المغادرين برياً.
وتقول آنا هينكن المتحدثة باسم برنامج (زيارة): (نحقق نجاحاً من خلال زيادة عدد المطارات المستخدم فيها وهذا ما أدى إلى عدم حدوث أي تكدس في المطارات. كما أننا سننقل تطبيقه في مرحلة لاحقة إلى الموانئ البرية).
وتضيف (السمات الحيوية هي وسيلة تحديد الهوية في المستقبل بالفعل ولكن تطبيق نظام يعتمد عليها يحتاج إلى تخطيط طويل وموارد كبيرة وهو شيء لا يمكن تحقيقه في يوم وليلة).