عندما أطلق الرئيس الأمريكي جورج بوش تعبير (محور الشر) في إشارة إلى كل من العراق وإيران وكوريا الشمالية منذ خمس سنوات ثار جدلاً كبيراً في مختلف دول العالم حول مغزى هذا التعبير وإلى أين يمكن أن يقود في تعامل واشنطن من الدول الثلاث.
وقد نشر جون هيوز الصحفي السابق في صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) وأستاذ الإعلام حالياً في جامعة بريهام يونج الأمريكية مقالاً في الصحيفة تحت عنوان (محور الشر بعد خمس سنوات) قال فيه: في خطابه عن حالة الاتحاد عام 2002 أطلق الرئيس الأمريكي جورج بوش أن كوريا الشمالية وإيران والعراق تعبير (محور الشر) فإلى أين وصل هذا المحور بعد خمس سنوات؟
كوريا الشمالية
تم التوصل إلى اتفاق مع كوريا الشمالية. والحقيقة أنه يمكن القول إن كوريا الشمالية تعد نموذجاً لنجاح ضئيل وضئيل جداً للدبلوماسية. ففي الأسبوع قبل الماضي وبعد شهور عديدة من المحادثات المتقطعة مع هذه الدولة التي تعد جزءاً من محور الشر ظهرت في الأفق بوادر اتفاق يمكن أن يقود حكومة بيونج يانج إلى التخلي عن ترسانتها النووية. ويجب على الكوريين الشماليين إغلاق المنشآت النووية الرئيسية لديهم في منطقة يونج بيون والسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التأكد من ذلك.
في المقابل ستحصل كوريا الشمالية على مساعدات اقتصادية بقيمة 400 مليون دولار تبدأ بالحصول على 50 طناً من الوقود وغير ذلك من المساعدات الإنسانية.
كان الكوريون الشماليون قد انتهكوا اتفاقاً مماثلاً وقعوه مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في منتصف التسعينات، حيث حصلوا على المساعدات الاقتصادية في الوقت الذي واصلوا فيه العمل في برنامجهم النووي ليعلنوا للعالم بعد ذلك تطوير قنبلة أو قنابل نووية رغم وجود شكوك في مصداقية هذا الإعلان.
لذلك فربما نلتمس العذر لبعض الدبلوماسيين والسياسيين الذين يشككون في جدوى ومصداقية الاتفاق الذي تم التوصل إليه مؤخراً مع بيونج يانج. ومن المقرر أن تجتمع الأطراف المشاركة في المفاوضات السداسية الخاصة بالأزمة النووية لكوريا الشمالية خلال ستين يوماً لتأكيد الاتفاق الأولي بين واشنطن وبيونج يانج والبدء في تطبيقه.
وإذا استمرت كوريا الشمالية على موقفها المساوم فمن المنتظر أن يكون هناك المزيد من المفاوضات لمناقشة سبل تفكيك القنبلة أو القنابل النووية التي في حوزة كوريا الشمالية بالفعل.
والحقيقة أن كوريا الشمالية وهي دولة شيوعية تعيش في عزلة كاملة تقريباً عن العالم الحديث وتدعم اقتصادها المتداعي من خلال مئات الملايين من الدولارات التي تحصل عليها من خلال بيع الصواريخ بعيدة المدى وغيرها من الأسلحة إلى الحكومات والمنظمات التي تدور الكثير من الشكوك بشأن مواقفها ونوايها تجاه الولايات المتحدة على وجه التحديد. ومازال احتمال إقدام كوريا الشمالية على بيع قنابل نووية إلى منظمات إرهابية يثير قلق العديد من العواصم العالمية وبخاصة واشنطن. ولكن لأسباب عديدة من الصعب بالنسبة للولايات المتحدة أن تفكر في المواجهة العسكرية مع كوريا الشمالية. لذلك فالأمل مازال قائماً في إقناع نظام بوينج يانج بالتخلي عن طموحات النووية من خلال الدبلوماسية.
غزو العراق
ونأتي إلى الضلع الثاني في محور الشر الذي أعلن عنه منذ خمس سنوات وهو العراق. وفي عام 2003 اختار الرئيس الأمريكي جورج بوش القوة العسكرية للتعامل مع العراق وبالفعل فقد نجحت القوات الأمريكية في غزو العراق ولكن النتيجة النهائية لهذا الغزو مازالت غامضة.
وقد تمت الإطاحة بنظام حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي كان الرئيس بوش يطلق عليه وصف نظام حكم شرير. ولكن بعد الإطاحة بحكم صدام حسين غرق العراق في موجة عنف دامية وبخاصة بين السنة والشيعة أشعلتها أعمال جماعات تسعى إلى الإطاحة بالحكومة العراقية الجديدة التي أقيمت تحت راية الاحتلال والقضاء على أي احتمال لتقدم العراق نحو الحكم الديموقراطي.
وفي ظل استمرار أعمال العنف في العراق ظهرت بوادر أمل ضعيف مثل نجاح الإجراءات الأمنية الصارمة لحكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في تقليل مستويات أعمال العنف في العاصمة بغداد ولو بصورة مؤقتة.
كما أن خروج الزعيم الشيعي المتشدد مقتدى الصدر إلى إيران يمكن أن يعطي المالكي فرصة لتفكيك المليشيات المسلحة التابعة للصدر المعروفة باسم جيش المهدي الذي يشارك بقوة في أعمال العنف.
وقد زارت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس بغداد منذ بضعة أسابيع لتشجيع المالكي على المضي قدماً في جهود المصالحة بين مختلف الفصائل العراقية المتصارعة.
ومع تزايد قلق الشعب الأمريكي بشأن استمرار الحرب في العراق، فقد نجح أعضاء الكونجرس الأمريكي من الديموقراطيين ومعهم عدد قليل من الأعضاء الجمهوريين في فرض قضية سحب القوات الأمريكية من العراق على جدول أعمال الكونجرس على أساس إعطاء الدبلوماسية الفرصة لتحقيق السلام في العراق بعد فشل القوة العسكرية. والحقيقة أن الخلل في هذه الرؤية هي أن احتمالات نجاح الجهود الدبلوماسية بدون القوة العسكرية التي تساندها في موقف كالموقف العراقي تبدو ضعيفة.
إيران والعقوبات الاقتصادية
وأخيراً نأتي إلى الضلع الثالث في محور الشر وهو إيران حيث يمكن استخدام كل من العقوبات الاقتصادية والعمل العسكري للتعامل معها. مازالت إيران تمثل مشكلة بالنسبة للولايات المتحدة وغيرها من دول المنطقة.
ويبدو أن فرض عقوبات دولية على إيران عبر الأمم المتحدة يمكن أن يكون لها بعض التأثير. فمن المقرر أن تدرس الأمم المتحدة تشديد العقوبات على إيران إذا لم تتخل عن برنامجها النووي الذي تقول إنه لا يهدف إلا إلى تحقيق أغراض سلمية ولكن الولايات المتحدة وحلفاءها يؤكدون أن له أهدافا عسكرية.
ثم أن تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد المستفزة بشأن إسرائيل والولايات المتحدة يمكن أن تقلل من تأثير التحركات الأمريكية على الأوضاع الداخلية رغم أنه مازال من الصعب فهم أبعاد تلك التصريحات.
في المقابل فإن الرئيس الأمريكي جورج بوش أصبح حريصاً على انتقاد نظام حكم الملالي في إيران والذين يسيطرون على كل شيء تقريبا. في الوقت نفسه فمع وصول حاملتي طائرات أمريكيتين ومعهما المجموعتين القتاليتين المرافقتين لهما إلى مياه الخليج العربي بالقرب من السواحل الإيرانية مازال الرئيس بوش ووزير دفاعه روبرت جيتس يصران على إنكار وجود أي خطط لضرب إيران.
ورغم أن الخيار الدبلوماسي مازال الخيار المفضل لتسوية الأزمة مع إيران فإن وجود حاملتي الطائرات قبالة السواحل الإيرانية يذكر حكام طهران بأن الخيار العسكري غير مستبعد. وهكذا يمكن القول إن أمريكا تمزج بين الدبلوماسية والقوة العسكرية في التعامل مع دول محور الشر.