تقدير الذات عبارة بدأ يشيع استعمالها في المجالات النفسية، ولا سيما بعدما ظهرت أهمية هذا المبدأ في التوازن النفسي لدى الفرد. وتقدير الذات يعني أن يشعر الإنسان أنه راضٍ عن ذاته، وبأنه له قيمة في نظر نفسه تجعله يستحق الحياة، وذلك ليس مرتبطاً بالمظهر الخارجي، ورغم ما لهذا الأمر من تأثير عليه، أو بالمركز المادي والاجتماعي، بل هو إيمان بالنفس واقتناع الإنسان بقيمته وبدوره في الحياة مهما كان شكله أو ظروفه، ما يجعل لحياته معنى، ويمنحه بالتالي القدرة على تقبل نفسه ومواجهة عيوبه وضعفه بثقة وتفاؤل. حتى المرأة يصبح وضعها أقل سوءاً وانعكاساتها أقل تدميراً، حين يكون الناظر إليها يتمتع بدرجة عالية من تقدير الذات.
عدو نفسه!
حين لا يشعر الإنسان بقيمته يصبح عدو نفسه فيقتنع مساوئه ويضخمها، ويكون مستعداً لتصديق كل عبارات الذم التي يسمعها، وحتى المزاح، إذا طاول صفة فيه، يتحول هاجساً يعذبه، وما يتفق عليه علماء النفس هنا واضح، فليست العيوب هي التي تولد عند الإنسان عدم التقدير لذاته، بل إن عدم تقدير الذات هو الذي يجعل الإنسان أكثر تركيزاً على عيوبه، بحيث يغض النظر عن حسناته وجميع الإيجابيات التي يملكها، فلا يرى إلا النواحي السلبية. وهذا الميل يؤثر على نواحي حياته كلها، كما يعوق إمكانية النجاح فيها، أو الاستمتاع بها، فيصبح العالم من حوله مليئاً بالأعداء الذين يتربصون به لإظهار عيوبه، ويعتبر المعالجون النفسيون أن قلة تقدير الذات، رغم كونها لا تقود حتماً إلى الانهيار العصبي، يمكنها أن تترافق معه وتصبح وجهاً من وجوهه، وحين يترافق عدم تقدير الذات مع الاكتئاب أو الانهيار العصبي يصبح الإنسان أسوأ عدو لنفسه، وهذه الحالة يمكن أن تؤدي في حدها الأقصى إلى الانتحار أو إلى تراجع في الأداء المهني والعاطفي حين تكون في درجات أقل، ما يعوق أي إمكانية للتقدم في العمل، ويجعل من الشراكة العاطفية شراكة فاشلة غير مستقرة، ومن الحياة الاجتماعية عبئاً ثقيلا يصعب التكيف معه.
دور المحيط و(مساهمته)
أحياناً.. يكون للمحيط الذي يعيش فيه الإنسان تأثير سيئ جداً على تقديره لذاته، فالأهل يلعبون دوراً كبيراً في خلق هذه النزعة لدى الأبناء من خلال انتقادهم الدائم لهم. كذلك المربون، أو الرفاق والزملاء حين يكررون سخريتهم من عيب ما. وفي أحيان أخرى يدفع المحيط الإنسان إلى خسارة تقديره لذاته، حين يضعه في موضع أدنى، ويولد لديه شعوراً بالنقص، في هذه الحالات يكون مفيداً الابتعاد عن محيط مماثل، ومحاولة إيجاد آخر يشعر المرء أنه أكثر انسجاماً وتماشياً معه. لكن هذا الابتعاد لا ينبغي أن يكون هروباً وعدم مواجهة للواقع، بل يسعى إلى رؤية الأمور من منظار آخر يساعد على استعادة الثقة بالنفس، فإذا كان المرء في محيط يولي أهمية كبيرة للمظهر الخارجي، بحيث يشعر صاحب العاهة أنه مختلف حقاً.. وبأن لا قيمة فعلية له وسط الآخرين، عندئذ من الأفضل أن يفتش عن محيط تكون فيه للصفات الأخلاقية والثقافية وأهميتها، فيشعر بقيمة وجوده.
إذاً التركيز على كل ما من شأنه أن يبرز الصفات الحسنة هو الطريق الصحيح لاستعادة تقدير الذات، وبالتالي الاقتناع بقيمة الإنسان الحقيقية واستحقاقه الأفضل.